(أرشيف صحيفة الإندبندنت، 1996)- يحوي طاقم عمل إيان ستيوارت ماك والتر هندرسون، الذي تمّ طرده من كينيا عام 1965، جلاّدين. وفي الدولة البحرينية المضطربة.
(أرشيف صحيفة الإندبندنت، 1996)- يحوي طاقم عمل إيان ستيوارت ماك والتر هندرسون، الذي تمّ طرده من كينيا عام 1965، جلاّدين. وفي الدولة البحرينية المضطربة، يعدّ من أكثر رجال الأمن الاستخباراتيين رهبةً، وهو المدير العام للأمن ورئيس دائرة مباحث الدولة، وقائد سابق للشرطة البريطانية. يبلغ من العمر 67 عامًا، ويعذّب رجاله المعتقلين بشكل روتيني، في أقبية مكاتب جهاز الأمن والمخابرات وفي سجن القلعة. ويعتقد قادة المعارضة البحرينية أنّه القوة الكامنة وراء عرش الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ولعلّهم محقّون في ذلك بالفعل.
تقدم مقابلاتٌ أجريت مع معتقلين بحرينيين سابقين مقيمين في بيروت، ودمشق، وقطر، ولندن أدلةً ثابتة ولافتة على استخدام الضّرب المبرح وأيضًا الاعتداءات الجنسية ضد السّجناء، في عهدة هندرسون، لأكثر من عقدٍ من الزمن. وعلى الرغم من إنكار الحكومة البريطانية مرارًا وتكرارًا أي علاقة لها بهندرسون، ما تزال وزارة الخارجية محرجة جدًا من دور الضابط السابق في جهاز الأمن الخاص [البريطاني]، والذي حاز على ميدالية جورج مرّتين بفضل دوره في محاربة الماو ماو في كينيا التي تحكمها بريطانيا. وتشير الروايات التي قصّها علي المواطنون البحرينيون إلى أنّ السلطة على جهاز الأمن في الجزيرة الآن بين يدي هندرسون.
عالم دين شيعي بارز وصف لي كيف تعرّض للضرب بالعصا العام الماضي على يد عقيد أردني في جهاز الأمن والمخابرات، يدعى عادل فليفل-وهو مترجم هندرسون الرسمي. والرجل نفسه متّهم بتعذيب شابّة شيعية في العام 1985 وذلك عبر تكبيلها على عمود في مقر جهاز الأمن والمخابرات ولكمها بقبضتيه إلى أن فقدت وعيها. ويدّعي معتقلٌ سابق أنّه تعرّض للاعتداء الجنسي في الثمانينيات في مقر هندرسون على يد ضابط بريطاني آخر دسّ قارورة في شرجه في محاولةٍ لحمله على الكشف عن أسماء الشيعة المعارضين لنظام الشيخ عيسى. وقد كشف لنا عن اسم الرجل البريطاني وتأكّدنا من أنّ ضابطًا بريطانيًا يحمل الاسم نفسه كان يعمل تحت إمرة هندرسون آنذاك.
هندرسون رجلٌ يرتدي نظّارات ويشبه تقريبًا شخصية العم وإنّ كياسته أسطورية بقدر وحشية طاقم عمله. إذ لم يؤذِ أي معتقل شخصيًا-ولم يحضر، كما هو معلوم حتّى الآن، جلسات التعذيب- وتظهر مكاتبه وغرف الأرشيف التي تقع على الطابق الرابع من مقر جهاز الأمن والمخابرات البحريني وكأنّ مكان عمله خاص بموظّف خدمة مدنية منهمك بعمله لا رجل مخابرات كما هو فعلًا.
وزوجته سكرتيرته الخاصّة، وهي امرأة في منتصف الستينيات، ترتدي بذّة بنّية من قطعة واحدة -"كأي ربّة منزل بريطانية" كما وصفها أحد المعتقلين السابقين-تقود السجناء إلى مكتب زوجها ليتم استجوابهم. وفي بعض الأحيان، كان هندرسون يفضّل اللقاء بالمعتقلين المهمّين في المقرات الرئيسية للقوّات الخاصّة التابعة لوزارة الداخلية البحرينية، والواقعة في منطقة الحد. وتلقي كلّ الوحدات الباكستانية في هذه القوات التحية على هندرسون، بحنكة، عند وصوله كما تقوم بحراسته خلال ممارسته رياضة السباحة اليومية قرب مبنى الحوض الجاف.
الشيخ خليل سلطان، وهو عالم دين شيعي بارز، يعيش في المنفى حاليًّا، التقى هندرسون 20 مرّةً في العام الفائت خلال سلسلة من المفاوضات التي أوقفت، لفترة وجيزة، الثورة الشيعية بالغالب ضد الشيخ عيسى-وهي محادثات أثبتت بلا شك أنّ العقيد السابق في جهاز الأمن أدّى دورًا شخصيًا مهمًّا في معالجة مطالب المعارضة باستعادة البرلمان والديمقراطية الدستورية في الإمارة. ويظهر هندرسون على الدوام في صور الصحف المحلية- التي لا تذكر اسمه أبدًا-وهو يقف إلى جانب وزير الداخلية، الشيخ محمّد آل خليفة، ومدير التدريب في الوزارة، العقيد حسن عيسى الحسن.
قال الشيخ خليل: "اعتُقلت في منزلي عند منتصف الليل في 1 أبريل/نيسان من العام الماضي خلال الاضطراب الذي اندلع في البلدات خارج المنامة. لم تصدر أي مذكّرة توقيف بحقّي. لقد تمّ تعصيب عيني وتكبيلي. ومن ثمّ تمّ اقتيادي إلى مقر جهاز الأمن والمخابرات حيث دخل العقيد عادل فليفل إلى زنزانتي واعتدى عليّ بعصاه، فضربني ست مرّات على رأسي، ووجهي وفخذي. وكان يتميز من الغيظ. قال لي: "لا وقت لدي للتعامل معك لأنّنا مشغولون بـ [المعتقلين] الآخرين. الليلة ستكون نهايتك-نهايتكم جميعًا". ومن ثمّ غادر. ولكن لم يحدث شيء".
استمرت أعمال الشغب والاضطرابات في الجزيرة، ولكن كان عدد المعتقلين على أيدي جهاز الأمن التابع لهندرسون بلغ الـ 2000 معتقلًا. وبعد لقاءات أولية مع الشيخ محمّد، وزير الداخلية، قيل للشيخ خليل ومُعتقَلَين آخَرَين بارزًين شيعة إنّه بإمكانهم تقديم اقتراحات إلى هندرسون شخصيًا لوضع حد للاضطراب.
"تمّ اقتيادنا إلى الطابق الأعلى في مبنى جهاز الأمن والمخابرات حيث لكل مكتب أقفال أمنية مشفّرة وحيث طلبت منّا زوجته الدخول عليه في غرفته. كان هناك أشخاص آخرون في الغرفة، بما فيهم بريطاني آخر يدعى "براين". وقد تفاجأت من عدم وجود صور معلقة على الجدران للشيخ عيسى أو لولي العهد. كان شعره منحسرًا عن جبهته ووجهه أبيض شاحبًا. وكان يرتدي بزّة وربطة عنق. وكان مجاملًا وسلّم على كلٍّ منّا. كان يستطيع القول "أهلًا وسهلًا" بالعربية غير أنّه لم يكن يجيد اللّغة-فكان يستعين بمترجم، العقيد عادل فليفل، الرجل الذي انهال عليّ بالضرب عند وصولي".
قدم الشيخ خليل وزميلاه لهندرسون مجموعة من الاقتراحات التي قالوا إنّها ستضع حدًا للاضطراب في البحرين. وقد شملت إخلاء سبيل جميع المعتقلين الذين لم تتم إدانتهم بعد، والعفو عن المعتقلين المدانين، والسماح بعودة المُرحّلين، وتوفير وظائف للبحرينيين العاطلين عن العمل، وحرية التعبير، واستعادة الدستور والانتخابات البرلمانية.
"أخبرنا هندرسون أنّه يعارض إطلاق سراح المعتقلين دفعةً واحدة- إذ فضّل الإفراج عنهم تدريجيًا. ولم يتحدّث أبدًا باسمه- بل فقط باسم "الحكومة"-ولكّنه أشاد بمبادراتنا وقال إنّها حلٌّ جيّد للأزمة. لاحقًا، تبيّن أنّ ذلك كان فخًّا. كنّا مرتابين. على مدى 13 عامًا، كان هندرسون يخدم النظام. وأي شيء يقوله سيصب في مصلحة النّظام -لا الشعب".
استمرّت المحادثات على مدى أربعة أشهر مع محاولة هندرسون تأجيل إطلاق سراح المعتقلين. "قال إنّه لا بد من أن يكون الإفراج عن الشيخ عبد الأمير الجمري، وهو أكثر رجال الدين أهمّية، الخطوة الأخيرة-لا الأولى، كما طلبنا-لأنّ السعودية أصرّت على هذا الأمر. وأخبرنا أنّ بعض المسؤولين في الحكومة البحرينية لا يثقون بنا. وقال إنّه "إذا أخلينا سبيلكم واستطعتم وقف أعمال الشغب، ستصبحون أبطالًا". غير أنّه كان يبتزنا، إذ كان يسعى إلى وضع حد للعنف من خلال تقديم أقل قدر ممكن من التنازلات".
بحلول شهر أغسطس/آب، تغيّر مزاج هندرسون. "دخل إلى الغرفة في أحد الأيّام مع فليفل، الرجل الذي ضربني، ورسم خطًّا على ورقة موضوعة على مكتبه، متباهيًا، وهو يقول: "لقد تمّ هدر أربعة أشهر ونصف من الحوار. يمكننا سجنكم لمدّة ثلاث سنوات بموجب قانون أـمن الدولة- وعندما يتم إطلاق سراحكم في نهاية المطاف، يمكننا سجنكم مجددًا ثلاث سنوات أخرى"".
"ولكنّه كان عصبيًا. واستمرت اللقاءات. وطلب منّا عدم التّحدث مع أحمد شملان، النّاطق الرّسمي باسم المنبر الديمقراطي، الذي اعتقله هندرسون في وقتٍ لاحق. وقال إنّه سيفرج عنّا إذا أمرنا المعارضة بلزوم الصمت، خصوصًا المعارضة البحرينية في لندن".
قال الشيخ خليل إنّه أُفرِج عنه بعد أن وعد هندرسون بتحقيق مطالبه في حال أوقفت المعارضة عملية البروباغندا التي شنّتها. "خطبنا في المساجد، وحثّينا الناس على التزام الهدوء ولبوّا الدعوى. وبعد عشرة أيّام، غادرت لأجري محادثات مع المعارضة. كنت في لندن عندما أعلنت وزارة الداخلية أنّه لم تحصل أي اتّفاقية بين المعارضة والحكومة. أطلق هندرسون وعودًا لم يكن ينوي تحقيقها. فأبيت أن أعود ويتم ابتزازي مجددًا". واندلع العنف في البحرين من جديد.
لم يغيّر رجال هندرسون تكتيكاتهم. فالاعتقالات الجماعية تلتها عمليات ضرب في المقرات الرّئيسية لجهاز الأمن والمخابرات. وقد أجبر فليفل رجال الدين الثلاثة، الشيخ علي سلمان، والشيخ حيدر فكري، والشيخ حمزة دير على الوقوف لساعات من دون السماح لهم بالنوم أو الحصول على الرعاية الطبية، وفقًا للشيخ خليل، قبل أن يتم ترحيله الشهر الفائت. ويدّعي معتقلون آخرون أنّ عنصرَين أردنيين من طاقم هندرسون-عبد الكريم العكوري ومحمّد عويّد- حاولا إجبارهم على توقيع اعترافات كاذبة. ويقول المعتقلون إنّهم شهدوا أيضًا قيام أحد المحققين تحت إمرة هندرسون، عبد النبي بوشهري، بضرب وركل سجين يدعى إحسان حُبين على وجهه ومن ثمّ رميه على جهاز تكييف في سجن القلعة.
وذكر أحد المنفيين في دمشق، الشيخ عبدالله صالح، أنّ فليفل كان الرجل الذي كبّله على عمود "كدجاجة" وضربه بعد اعتقاله منذ زمن بعيد في الثمانينيات. واتّهم سيّد هشام الموسوي، الذي تمّ ترحيله من البحرين العام الماضي، البحريني، محمّد حجازي، ومواطنًا باكستانيًا بركله في السجن، وأضاف أنّ ضابطًا بريطانيًا-غير هندرسون و"براين"- كان حاضرًا عند حدوث هذا الاعتداء. وقال إنّ البريطاني الذي عمل مع هندرسون كان مسؤولًا عن أعمال التعذيب خلال العام 1983. الضابط "أراد منّي الاعتراف بممارستي لنشاطات سياسية. وضربوا زوجتي أمام عيني ومن ثمّ زجّ البريطاني قارورةً في شرجي".
وفي دمشق، شهد خاتون العرب أنّ أخته البالغة من العمر 20 عامًا كُبّلت على عمود أيضًا رأسًا على عقب وضُرِبَت إلى أن فقدت وعيها في العام 1985 على يد فليفل لأنّه يُزعَم أنّها تنتمي إلى منظّمة إسلامية معارضة.
ويزعم بعض المعتقلين السابقين إنّ هندرسون خضع لعمليّتين لإصابته بالسرطان وإنّه يرغب في الاستقالة. وقال أحدهم إنّ هندرسون أخبره أنّه يريد تحقيق "السلام" في البحرين قبل رحيله.
وفي كتاب روبرت بولت بعنوان "رجل لكل العصور"، يصف الشرس توماس كرومويل،، مهمّة خادم الملك بـ "تخفيف مصاعب" حياة سيّده ويبدو أن هذا الوصف ينطبق على هندرسون. وقد قال للشيخ خليل يومًا: "أنا ساعي بريد - أنقل الرسائل بينك وبين الحكومة". ولكنّ هندرسون يتخطى كونه مجرد ساعي بريد بكثير. والثورة التي يحاول سحقها في البحرين هي من المصاعب التي لن يغيرها التّعذيب على الأرجح.
*ترجمة مرآة البحرين