السؤال الاكبر كيف استطاعت ايران الامساك باقتدار بملف شائك وصولا الى اتفاق مبدئي في لوزان اكد محبو ايران واعترف مبغضوها انه لصالح ايران؟ يدفعنا هذا الى الحديث عن تلك الحنكة الايرانية
أحمد شعيتو
لماذا أتت الدول الكبرى صاغرة الى إيران، ورمت ورقة العقوبات وجملة "كل الخيارات على الطاولة"، التي طالما تبجح بها الاميركي؟ كيف تغيرت استراتيجيات قائمة على العقوبات والتهويل والتهديد والضغوط؟ سؤال كبير يحمل معاني انتصار للنهج الايراني في الملف النووي، حتى قبل اي تفاوض وقبل اي اتفاق..
والسؤال الاكبر كيف استطاعت ايران الامساك باقتدار بملف شائك وصولاً الى اتفاق مبدئي في لوزان اكد محبو ايران واعترف مبغضوها انه لصالح ايران؟
يدفعنا هذا الى الحديث عن تلك الحنكة الايرانية في هذا الملف والتي بلغت اوجها في التفاوض الماراتوني الاخير في لوزان مع الدول الست حيث وقفت ايران نداً لند امام اكبر واقوى دول العالم لتنتزع في النهاية اتفاقا مبدئيا يعتبر انتصارا بكل معنى الكلمة للحق الايراني، واساسا نحو اتفاق نهائي...
هذه الكفاءة والحنكة في التفاوض الايراني والتي سنركز عليها هنا، لا شك قد رفدتها عوامل اخرى لا نُغفلها ايضا تتعلق بصمود ايران اقتصاديا وسياسيا وثبات شعبها وصولا الى اضطرار الغرب واميركا الى سلوك نهج التفاوض.
خير دليل على نجاح ايران في صمودها ونجاح الوفد الايراني في لوزان وقبله المفاوضون الايرانيون على مدى سنين، في اثبات الجدارة، هو النتائج التي تمخضت وظهرت امام مرأى العالم منذ ايام في حدث تاريخي.
لقد فاوضت ايران الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأبدت انفتاحاً بشأن ذلك حول برنامجها النووي، ولكن بموازاة ثبات على الحق في تخصيب اليورانيوم ، ثم سارت في تفاوض عنوانه الثبات امام الدول الغربية وكانت صامدة بوجه عقوبات وحصار اقتصادي عالمي بمثابة حرب اقتصادية عالمية من كل الدول "الكبرى" على ايران. ولكن نراها في ظل ذلك تتمكن من:
-تحقيق اكتفاء ذاتي اقتصادي
-استمرار في البرنامج النووي السلمي
-تطوير صناعي
-انجازات في المجال الفضائي
-انجازات في المجال العلمي والاكتشافات
-انجازات كبرى في الصناعات العسكرية وتطوير الانظمة الصاروخية..
لا شك ان كل ذلك بحد ذاته اول انتصار سجلته ايران فكيف يمكن لدولة محاصرة بهذا الشكل ان تتمكن من كل هذه الانجازات... ثم اتى الانتصار الثاني وهو الرضوخ الغربي لمنطق التفاوض مع ايران .. اما الإنتصار الأخير فهو ما حصل في لوزان.
اخد المفاوض العقل الاميركي الى حيث الحق الايراني!
الخبير في الشؤون الايرانية والدولية الدكتور محسن صالح رأى في حديث لموقع المنار ان "المفاوض الايراني اثبت انه قادر على جر القوى الاوروبية والاميركية الى الامكنة التي يريد بحيث يستطيع ليس فقط ان يملي شروطه بل ان يخرج منتصرا خلال هذه المفاوضات التي استمرت اكثر من 12 عاما".
لقد كان الايراني حسب ما يشير الخبير يعمل على خطين:
-من ناحية يعمل على بناء الدولة ومقوماتها
-والامر الاخر الحضور في المفاوضات
ويشير الى ان "هذا ما اغضب الاميركي و الكيان الصهيوني حيث باتت التهديدات في النهاية بلا قيمة وبلا معنى".
وردا على سؤال حول الحنكة الايرانية يقول:
-"الايراني كان يعمل ببرودة اعصاب ويعرف كيف يوجه بوصلة المحادثات بحيث يضمن كل مصالحه فيها
- الايراني كان يركز على الحق الذي تمنحه وكالة الطاقة الذرية للدول الموقعة على اتفاقياتها بما ينسجم مع الهدف الاسمى للجمهورية الاسلامية وهو بناء طاقة نووية سلمية تؤدي الى نهضة وتنمية في المجالات الاقتصادية والصناعية والطبية وهذا ما استطاع ان يصل اليه".
واضاف انه "في نهاية المطاف خضع الجميع لهذا الحق ووصلوا لنتيجة ان لإيران القوة على الارض والدبلوماسية العالية والحقوق التي لا احد يستطيع ان يناقش فيها والوصول الى هذا البيان - الاتفاق الذي سيُتسكمل، وباعتقادي ان الاميركي مصرّ على استكمال هذا الاتفاق خاصة ان الاميركي اقتنع ان لا بديل له".
ويخلص الدكتور صالح الى ان "الايراني استطاع اخذ العقل الاميركي الى حيث الحق الايراني وهذا نادرا ما يحصل مع البلدان الاستعمرارية التي نادرا ان تعترف بحقوق الشعوب عندما تكون في موقع القوة، ولكن القدرة الايرانية استطاعت ان تسحب هذا العقل وهذه الثقافة، وخاصة ان الجمهورية الاسلامية لم تقم بأي عمل خلال تاريخها يدل على انها لا تريد التعايش والامن والاستقرار على شرط الحرية السيادية والاستقلال والتنمية الذاتية"..
نقاط قوة على طريق تفاوض ناجح..
لكن كيف استطاعت ايران تقوية نقاط قوتها قبل واثناء التفاوض؟ هذا الامر يتحدث عنه الخبير في القضايا الاقليمية الدكتور طلال عتريسي لموقع المنار، فليلفت الى ان "المفاوض الايراني ثبت خلال هذه السنوات لم يتراجع ولم يقدم تنازلات مهمة رغم ان التفاوض سار بموازة العقوبات التي لم تؤد في المحصلة الى ضعف المفاوض الايراني".
يشير عتريسي الى نقطة مهمة هي ان "ايران كانت قد رفعت مستوى انتاجها النووي من التخصيب ، ثم قدمت فكرة انها لا تريد صناعة القنبلة التي لم تكن تريد ان تصنعها اصلا وهذا ما اعلنته بلسان مرشد الثورة.. هذه هي المعادلة".
نقطة اساسية اخرى هي ان "المفاوض كان يعمل وخلفه قوة دعم كبيرة من مرشد الثورة اي القيادة الايرانية في حين ان الطرف الاخر كان هناك وجهات نظر مختلفة عنده ويتعرض لضغوط من الكونغرس والفرنسي والاسرائيلي والسعودي ولم يكن لديه موقف موحّد".
يقول عتريسي "طهران خفضت مستوى التخصيب لكن النقطة الاساسية للمفاوض الايراني المحافظة على التخصيب على الاراضي الايرانية وهذا حصلت عليه ايران.. في المحصلة ايران حصلت على ما تريد مبدئيا وهو استمرار التخصيب ورفع العقوبات وهذه هي المسائل المهمة بالنسبة لايران".
"هذا يثبت ان "ايران القوية" استطاعت ان تحصل على ما تريد وسندخل مرحلة جديدة مع ايران التي رفعت عنها العقوبات وهي مرحلة ستحول ايران الى دولة اقوى ولديها علاقات واسعة مع العالم وهذا يفسر سبب انزعاج المملكة السعودية ومخاوف اسرائيل" يقول الدكتور عتريسي.
خلاصة الأمر ان ايران استطاعت ان تكون دولة قوية وحاضرة وان تتحرر من فكي "الكماشة" الغربية فتطور قدراتها رغم الحصار وهذه القوة اعطتها دفعاً في مسار التفاوض.. الدول الكبرى لم تكن لتفاوض ايران لو كانت دولة ضعيفة، لقد اجادت ايران العمل بذكاء وساعدها حسن توظيف قدرتها السياسية والدبلوماسية والتفاوضية وعلاقاتها الدولية... ولو رصدنا ردود فعل الاميركي حينما اراد ان يسوق الاتفاق لحلفائه لثبت لنا بشكل اضافي ان الاتفاق كان في مصلحة ايران وليس خسارة لها..