يناقش مجلس الوزراء في جلسته اليوم قضية إغلاق معبر «نصيب» على الحدود الأردنية ــ السورية وتداعياتها على الصادرات الزراعية اللبنانية التي لم يعد لديها منفذ سوى البحر
محمد وهبة
يناقش مجلس الوزراء في جلسته اليوم قضية إغلاق معبر «نصيب» على الحدود الأردنية ــ السورية وتداعياتها على الصادرات الزراعية اللبنانية التي لم يعد لديها منفذ سوى البحر. كلفة النقل البحري قد تزيد بنسبة 40% عن النقل البرّي، ولذلك سيقترح وزيرا الزراعة أكرم شهيب والصناعة حسين الحاج حسن بالاتفاق مع المنتجين المحليين في قطاعي الزراعة والصناعة ووسطاء النقل، دعم عمليات النقل البحري إلى دول الخليج والعراق والأردن.
معبر «نصيب» الحدودي بين الأردن وسوريا «بات اليوم مقفلاً حتى إشعار آخر»، وفق وزير الزراعة أكرم شهيب. إغلاق «نصيب» حوّل لبنان إلى «جزيرة» لا منافذ بريّة لها على الأسواق الخليجية والعراق والأردن. خيار النقل الجوّي غير مطروح بسبب عدم جدواه الاقتصادية، أما خيار النقل البحري فسيرتّب كلفة إضافية على الزراعة والصناعة يقدّرها وزير الصناعة حسين الحاج حسن بنحو «80 مليون دولار سنوياً». الحاج حسن وشهيب سيقترحان على مجلس الوزراء «دعم النقل إلى دول الخليج والأردن والعراق». الدعم مطلوب، لكنه يثير «لُعاب» التجار والسياسيين لتحويله، كالعادة، إلى قناة جديدة لنهب المال العام.
أين الممر؟
«لا يمكن الرهان على إعادة فتح معبر نصيب على الحدود الأردنية ــ السورية بعدما نهب المسلّحون حمولة الشاحنات واختطفوا سائقيها... هذا المعبر المغلق حالياً، لم يعد آمناً في كل الأحوال. حتى لو أعيد فتحه... فلمن سنشكو هذه الممارسات؟ ومن يمكنه ضبطها؟». هكذا أقفل رئيس نقابة الفلاحين اللبنانيين ابراهيم ترشيشي خيار التصدير البري بصورة شبه نهائية، إذ إن معبر «نصيب» هو آخر المعابر البريّة التي كانت تربط لبنان بأسواق الخليج والأردن والعراق، وهو بات اليوم تحت سيطرة مسلّحي «القاعدة» من الجهة السورية، فيما أغلقته السلطات الأردنية من جهتها. أما الاتصالات التي أجراها الجانب اللبناني بالجانب الأردني في محاولة لفتح المعبر أو لمعرفة المدى الزمني لإغلاقه، فقد وصلت إلى حائط مسدود. وقال وزير الزراعة أكرم شهيب لـ«الأخبار» إن «التواصل مع السلطات الأردنية لم يتوقف منذ ثلاثة أيام، وقد اتصل وزير الداخلية نهاد المشنوق بنظيره الأردني، لكن الإجابة التي تلقاها لبنان، في محصلة كل هذه الاتصالات، أن «المعبر مغلق حتى إشعار آخر».
المشهد يعبّر عن قلق بالغ من «الحصار البرّي»، الذي يدفعه لبنان ثمناً لتدهور الأوضاع على الحدود السورية ــ الاردنية، فالمشكلة بحسب رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية منير البساط «كبيرة جداً وقد باتت الخيارات محدودة، وما نقلق منه هو خسارة السوق السعودية، التي تمثّل أكثر من نصف صادراتنا».
هذا الكلام لا يقفل الباب أمام الخيارات البديلة؛ «لم يعد أمامنا سوى البحر. نريد تنظيم خط النقل البحري، وأن تضع الدولة يدها معنا، وتساعدنا في بداية الطريق حتى لا تمارس شركات الملاحة ضغوطاً تفاوضية علينا في ظل ضيق الوقت والظروف، وفي انتظار أن يتعوّد التجّار استعمال الخط البحري بصورة مجدية»، يقول ترشيشي.
إذاً، البحر أمام لبنان، فيما العدو يحاصره من بعيد... أين المفرّ؟ يرى ترشيشي أنه يجب التعامل مع لبنان على أنه «جزيرة»، وبالتالي يجب توفير خطوط نقل بحريّة، إلا أن المشكلة تكمن في الأكلاف الإضافية للنقل البحري المقدّرة بنحو 2000 دولار على كل شاحنة».
وبحسب الدراسة التي سيعرضها وزير الصناعة حسين الحاج حسن على مجلس الوزراء اليوم، يكبد خيار النقل البحري صادرات الصناعة والزراعة مبلغ 80 مليون دولار إضافية سنوياً. ويشير الحاج حسن في اتصال مع «الأخبار» إلى أن «الصورة واضحة لدينا، والخيار البديل للتصدير البرّي هو التصدير البحري الذي درسناه سابقاً (قبل نحو سنتين) وقد بدأ المصدرون اعتماد هذا الخيار، رغم انطوائه على مشكلتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالفترة الزمنية لبلوغ الشحنة مقصدها (تحتاج الشحنة في البحر إلى 30 يوماً بالمقارنة مع 10 أيام برّاً)، والثانية تتعلق بالكلفة الإضافية التي سيتكبدها المصدرون... لذلك سأقترح على مجلس الوزراء في جلسته اليوم توفير دعم من الدولة للنقل إلى دول الخليج والعراق والأردن».
خيار التصدير البحري ينقسم إلى اثنين: الأول يتعلق بإمكانية التصدير بواسطة الشحن البحري للبضائع المحمّلة بالحاويات (كونتينرات)، وهذا الأمر يناسب الصادرات الصناعية، سواء كانت صناعات غذائية أو كيماوية أو ورق وسواها. أما الثاني فهو يتعلق بنقل الشاحنات المبرّدة المحملة بالبضائع الزراعية إلى دول المقصد أو دول قريبة منها بواسطة بواخر عملاقة معروفة بسام «عبارات RORO».
وفي حال لجوء المصدّر إلى استعمال برّادات البواخر، فإن أعباءه ستزيد حتماً وستكون كلفة النقل مضاعفة نظراً إلى التحميل والتفريغ أكثر من مرّة، علماً بأن نقل الشاحنة المبرّدة سيكون مكلفاً ايضاً، إذ إن الخطوط المقترحة هي على النحو الآتي: التصدير من مرفأ طرابلس إلى مرفأ بور سعيد ثم إلى مرفأ جدّة حيث تنتقل الشاحنات المبرّدة برّاً، وبحسب المعطيات فإن الكلفة الإضافية لهذا الخط تبلغ 2000 دولار على كل شاحنة.
الخط الثاني لا يصل مباشرة إلى السعودية، بل يصل إلى ميناء مرسين ومنه إلى الأردن ثم مصر، والكلفة الإضافية على الشاحنة الواحدة تبلغ 1000 دولار. وبحسب رئيس غرفة الملاحة الدولية إيلي زخور، فإن «نقل الشاحنات بالعبارات الى بلدان الخليج العربي عبر المرافئ التركية، لا يمكن اعتماده، لأن العبارات تمرّ بالمرافئ الإسرائيلية».
الدعم = الهدر
في الواقع، بدأ التجّار اللبنانيون يعتمدون أكثر على التصدير البحري خلال السنتين الماضيتين، فحجم الصادرت البرية كان يصل إلى 90 ألف طن شهرياً كمعدل وسطي، لكنه تراجع اليوم (قبل اقفال معبر نصيب) إلى 50 ألف طن شهرياً، وبالتالي فإن 55% من الصادرات كانت تذهب برّاً، وأكثر من نصفها هي صادرات زراعية. وبالتالي فإن معالجة الأمر سريعاً أمر طارئ، نظراً إلى «تكدس البضائع لدى المزارعين وخسارة أكثر من مليوني دولار يومياً بسبب إقفال معبر نصيب منذ أول نيسان»، يقول ترشيشي.
على أي حال، يبدو أن اقتراح دعم النقل إلى دول الخليج والأردن والعراق لن يكون اقتراح الحاج حسن وحده، بل سيكون موقفاً موحداً مع وزير الزراعة أكرم شهيب والأطراف المعنيين بهذه المسألة من مزارعين وتجار وصناعيين. هذا الموقف سيتبلور اليوم في اجتماع يعقد بين وزيري الزراعة والصناعة، ووسطاء النقل البري والبحري والجوّي. خُصص الاجتماع لإعلان موقف موحّد تجاه قصّة الدعم والاتفاق على سيناريوات الدعم التي ستعرض على مجلس الوزراء ونسبة الدعم من الكلفة الإضافية الإجمالية. «الصادرات اللبنانية لا يمكنها أن تنافس في الأسواق الخارجية إذا زادت أكلافها، وبالتالي يجب على الإدارات المعنية أن تخرج برأي واحد وموحّد من الاجتماع الذي يعقد اليوم قبل انعقاد مجلس الوزراء» يقول شهيب.
المشكلة أن أي دعم من المال العام قد يتحوّل سريعاً إلى قناة للنهب بواسطة التدخلات ذات الطابع السياسي ــ الفئوي ـــ المناطقي. وقد أثبتت التجارب السابقة في دعم السائقين العموميين ودعم رغيف الخبز ودعم الفيول وسواها من عمليات الدعم، أن إمكانية الهدر كبيرة جداً، وأن الزبائنية السياسية تبتكر قنوات عديدة لزيادة حصّتها من المبالغ المدعومة، علماً بأن مبلغاً يصل إلى 80 مليون دولار هو أمر يثير لعاب المستنفعين وشهيتهم. على وزيري الزراعة والصناعة الحذر في التعامل مع اقتراح الدعم.
http://www.al-akhbar.com/node/229967
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه