24-11-2024 12:50 AM بتوقيت القدس المحتلة

طهران وأنقرة .. في العمق

طهران وأنقرة .. في العمق

في الأصل، ما يجمع طهران وأنقرة نمط مختلف من العلاقات التي تقيم في منتصف الطريق بين التقارب والتباعد. فالتقارب بينهما لم يفضِ يوماً إلى التكامل، فيما التباعد لم يكن مرّة مرشحاً للصدام

 

 

حبيب فياض

 

في الأصل، ما يجمع طهران وأنقرة نمط مختلف من العلاقات التي تقيم في منتصف الطريق بين التقارب والتباعد. فالتقارب بينهما لم يفضِ يوماً إلى التكامل، فيما التباعد لم يكن مرّة مرشحاً للصدام. وكأن الفتور الإيجابي قدر يحكم مسار العلاقة بين الدولتين الخاضعتين لمبدأ التضادّ الذي يعني التساوي في القوة والتعارض في الاتجاه. غير أن ذلك لم يحُل دون حرص الجانبين، وبالتالي قدرتهما، على وضع علاقاتهما الثنائية المباشرة خارج الاصطفاف الإقليمي المشهود، والنأي بها عن مفاعيل الأزمات التي يختلفان حولها في المنطقة.

ففي العلاقات الثنائية، ينطلق الجانبان من مقاربة براغماتية ثابتة، تقوم على القفز فوق التوترات والمضي في مسار طبيعي يحفظ المصالح «القدرية» المشتركة، وذلك في ظل موانع مزمنة تحول دون الارتقاء بهذا المسار من حالته الطبيعية نحو ما هو أكثر إيجابية، لكن من دون السماح لهذه الموانع بالتأثير على ثبات الروابط البينية المحكومة بمحددات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والدين والقومية.

من هنا، لن تخرج العلاقات الايرانية - التركية عن مسارها المعهود، برغم تأييد أنقرة للعدوان السعودي على اليمن. فزيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى طهران قطعت الطريق على إمكان بلوغ هذه العلاقات مرحلة متقدمة من التوتر والتصعيد، ذلك أن الجانبين اتفقا على العمل معاً على حل الأزمة اليمنية من خلال الحوار والتسوية السلمية، فيما لم يرشح عن الزيارة أي مؤشر يوحي بإمكانية إعادة تموضع أي منهما إزاء الأزمة السورية وتشعباتها في المنطقة.

وبحسب الرؤية الايرانية، فإن التأييد التركي للعدوان السعودي على اليمن ليس من قبيل رغبة أنقرة في التحالف مع الرياض مقابل طهران، بمقدار ما يعكس محاولة تركية لخلق أجواء ضاغطة تدفع بهذه الأخيرة الى حل الأزمة اليمنية بطريقة سلمية، ولمنع الاختلال في التوازن الإقليمي لمصلحة ايران وهي على ابواب المرحلة الأخيرة من الاتفاق النووي. وطبقاً للرؤية ذاتها، فإن تغليب المصلحة الاقتصادية على الاعتبارات السياسية، شكل الدافع الأول لالتزام الرئيس التركي أمام مضيفه الإيراني بالتعاون على حل أزمة اليمن، وذلك باعتبار أن انقرة تتطلع، في مرحلة ما بعد العقوبات، الى الدخول بشراكة اقتصادية مع طهران، وجعل أراضيها ممراً لعبور النفط والغاز من ايران الى اوروبا، هذا فضلاً عن قناعة الأتراك بأولويتهم في الحصول على امتيازات اقتصادية في الجمهورية الإسلامية، نظراً لوقوفهم الى جانبها في مجالي تصدير النفط والحوالات المالية خلال فترة العقوبات.

في المسألة السورية، يتخطّى التعامل الايراني مع الأتراك الرهان على تبدل إيجابي ما في موقفهم الى الرهان على منعهم من الذهاب نحو الأسوأ. فطهران التي لم تستطع أن تضع حداً لدخول أنقرة الحاد على خط الأزمة السورية، قد نجحت على الأقل في دفع هذه الأخيرة الى عدم تخطي الخطوط الحمراء المحددة إيرانياً في خضم الصراع الدائر في سوريا. إعادة التذكير بهذه الخطوط هو ما سمعه أردوغان من المسؤولين الايرانيين. إذ لولا الموقف الإيراني، على ما يقول المطلعون، لتدخلت تركيا في سوريا عسكرياً، بالحد الأدنى، على غرار التدخل السعودي في اليمن، ولنجحت في إقامة شريط أمني عازل وفرض منطقة حظر جوي بمؤازرة حلفائها الأطلسيين، ولأفسحت في المجال أمام احتلال المسلحين للساحل السوري انطلاقاً من أراضيها وصولاً الى الإطاحة بالنظام.


http://assafir.com/Article/412677

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه