اليمن، أرض خصبة ومورد العنصر البشري للجماعات الجهادية. وقد خصّتها الجماعات الجهادية كافة باهتمامات بالغة، فربما لم تخلُ رسالة من رسائل أبوت آباد التي عثر عليها في منزل زعيم القاعدة أسامة بن لادن
محمد مختار قنديل
اليمن، أرض خصبة ومورد العنصر البشري للجماعات الجهادية. وقد خصّتها الجماعات الجهادية كافة باهتمامات بالغة، فربما لم تخلُ رسالة من رسائل أبوت آباد التي عثر عليها في منزل زعيم القاعدة أسامة بن لادن ليلة اغتياله من ذكر «اليمن». كذلك تجدر الإشارة إلى أن حلم انطلاق دولة الخلافة بفكر القاعدة يرتكز إلى اليمن، وإن كانت هناك اختلافات في صفوف «القاعدة» حول ذلك الأمر. ولكن ذلك يتعلق فقط بساعة الصفر وتهيئة الظروف للانطلاق من هناك.
لربّما تداول مقولة «القاعدة جزء من الماضي» جعل البعـــض لا يكترث لتنظيم «القاعدة» مقابل التركيز على جبهات القتال المفتوحة مع تنظيم «الدولة» من ناحية في أكثر من نقطة والميليشيات الحــــوثية من ناحية أخرى، الأمر الذي ربّما يشوبه نوع من القصــــور في قراءة المشهد في المنطقة عامة واليمن خاصة.
«قاعدة الجهاد» أو تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أو «أنصار الشريعة» في اليمن، هي المسميات التي عرف بها التنظيم في اليمن، والذي أعلن رسمياً العام 2009 عقب التحالف بين جناحي تنظيم «القاعدة» في السعودية واليمن نظراً لملاحقة السلطات السعودية لعناصر التنظيم القادمين من أفغانستان عقب تحريرها من السوفيات.
وللتنظيم عمليات كثيرة في اليمن تقترب من 80 عملية بدأت العام 1992 عندما قام بالهجوم على عناصر من قوات المارينز الأميركية المقيمة بفندق عدن آنذاك، واستمر على هذا المنوال يستهدف القيادات الغربية في اليمن، كما حدث العام 1998 بالهجوم على فوج سياحي بريطاني واسترالي في أبين، والهجوم على المدمرة الأميركية كول بالعام 2000 والذي أسفر عن مقتل 17 بحاراً أميركياً وإصابة 38 آخرين، ثم العام 2002 حيث تم تفجير ناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ قرب شواطئ حضرموت، والعام 2007 قام التنظيم بالهجوم على السفارة الأميركية في صنعاء ما أدّى إلى سقوط 16 قتيلاً، كل ذلك كان قبل الاندماج بين جناحَي «القاعدة» في السعودية واليمن. أما بعد الاندماج، فقد تبنّى تنظيم «القاعدة» العديد من العمليات في السعودية واليمن أبرزها محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف في آب 2009، كذلك في منتصف 2010، حيث تبنى التنظيم مســـؤولية الهجوم على مقرّي الأمن العام والأمن السياسي والذي أدى إلى مقـــتل 3 جــنود وإصابة 10 آخرين، ثم إرسال طــرود ملغومة على متن طائرة منطلقة من اليمن إلى الولايات المتحدة، ولكن تمّ إحباطها بمطار دبي نهاية 2010.
وبعدما انطلقت الثورات العربية، ظلت عمليات «القاعدة» على المنوال السابق نفسه كثيرة المواجهة مع العناصر الغربية، قليلة الهجوم على عناصر عربية ـ إسلامية. ويعود ذلك لعقيدة «القاعدة» الرامية إلى عدم مواجهة العرب المسلمين ـ الموالين للغرب في وجهة نظرهم ـ قبل التخلص من الشيطان الأعظم أي الولايات المتحدة والدول الغربية. وفي إطار محاولة «القاعدة» استغلال الثورات العربية ـ التي ينظرون لها على أنها نتاج لإظهارهم الأنظمة العربية على حقيقتها أمام شعوبها ـ عمل زعيم التنظيم أسامة بن لادن قبل اغتياله على محاولة تغيير اسم «القاعدة» ووضع اسم جديد. وعليه، وابتداءً من نيسان 2011 بدء تنظيم «أنصار الشريعة» في اليمن في الظهور، كاسم جديد لتنظيم «القاعدة»، وفقاً لما جاء في بيان تسجيلي للمنظر الديني لـ «القاعدة في جزيرة العرب» أبو زبير، حيث قال «إن اسم «أنصار الشريعة» هو ما نستخدمه لتقديم أنفسنا».
ومنذ ذلك الحين، قام «أنصار الشريعة» في اليمن بالعديد من العمليات، أغلبها كان مغايراً لمنهج «القاعدة»، حيث تم استهداف العديد من القيادات العربية واليمينة، كخطف نائب القنصل السعودي عبد الله الخالدي بعدن في آذار 2012، وكذلك الهجوم على معسكر يمني في صنعاء ترتب عليه مقتل قرابة 100 جندي، فضلاً عن اقتحام لواء 111 في آذار 2012 وقتل قرابة 200 جندي، ثم اقتحام قيادة المنطقة العسكرية (ب) في المكلا في أيلول 2013 والسيطرة عليها لمدة يومين، ثم تفجير مبنى الأمن العام بنهاية العام 2013، ثم الاقتحام في العام 2014 تحديداً شهر شباط للسجن المركزي بصنعاء، وفي تشرين الأول من العام نفسه أعاد التنظيم الهجوم على لواء 111 بأبين.
وقد رافقت رحيل بن لادن فكرة تأجيل المواجهة والتصعيد في اليمن، حيث عمل أنصار الشريعة ـ الثوب الجديد لـ «القاعدة» في اليمن ـ على التصعيد والمواجهة مباشرة مع الأطراف المسلحة اليمنية، نظاماً وحوثيين، ولكن بخطوات محسوبة شيئاً ما ـ كعادة عمليات «القاعدة» ـ حيث عمل التنظيم على تولية قيادات يمنية محلية أمراء بالتنظيم، وعلى تقديم خدمات عامة للشعب اليمني كحلّ للمعضلة التي ذكرها بن لادن من قبل، حول أن الشعب اليمني ربما يميل للطرف المساعد له والمشبع لحاجاته. لذلك، برزت محاولات الابتعاد شيئاً ما عن التعنت الديني في نقطة تطبيق الشريعة والنزول إلى الشعب اليمني بفكره وعاداته وتقديم الخدمات له، والعمل على تطبيق فكرة الأب الروحي لتنظيم «القاعدة» عبدالله عزام في الجهاد الأممي وجلب مجاهدين من بلدان مختلفة. كذلك عمل التنظيم على الأخذ بمبدأ «صندوق الشكاوي» لمعرفة المشاكل التي تواجه الشعب اليمني وحلها. أما عن مناطق نفوذ «القاعدة» في اليمن، فغالباً ما تلحظ جنوب اليمن أكثر من تواجده القريب شمالاً، حيث يتركز عناصر تنظيم «القاعدة» في مناطق جنوبية كـ أبين ولورد وأرحب وشبوة. كذلك يهدف تنظيم «أنصار الشريعة» في اليمن إلى إقامة إمارة إسلامية في حضرموت على غرار فكرة «إمــــارة وقار الإسلامية» بمدينة جــعار بمحافظة أبين، فضلاً عن إعلان محافظة شبوة إمارة إسلامية.
http://assafir.com/Article/412680
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه