"الخطأ الكبير الذي ارتكبته واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر كان غفرانها للسعودية، 15 إلى 19 عنصراً، وبن لادن نفسه، حتى الأموال التي أنفقت على الهجوم أتت من السعودية".
إسراء الفاس
"الخطأ الكبير الذي ارتكبته واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر كان غفرانها للسعودية، 15 إلى 19 عنصراً، وبن لادن نفسه، حتى الأموال التي أنفقت على الهجوم أتت من السعودية".
باتريك كوكبرن
"اندبندنت"
لا زال هناك من يقف ضد العدوان السعودي الأميركي على اليمن أو يوضح يومياً أن سياسات المملكة لم تخدم حتى اليوم إلا تمدد التكفير في المنطقة.
ظهر جمعة 20 آذار/ مارس، وفي يوم هو الأكثر دموية في اليمن، هزت التفجيرات مسجدي البدر والحشحوش بصنعاء موقعة أكثر من 140 شهيدا وأكثرمن 350 جريح، لتعلن داعش عن تبنيها الأعمال الاجرامية . توجهت الأنظار إلى القاعدة، وبعد أيام أطل زعيم حركة أنصارالله السيد عبدالملك الحوثي في كلمة متلفزة معلناً التعبئة العامة، وقال إنّ "الجميع في اليمن مستهدف من القاعدة وداعش وما يحصل في سورية عبرة لنا، ولن نسمح "للقاعدة" و"داعش" بان تحتمي تحت اي غطاء لا سياسي ولا مناطقي".
سريعاً، وصل انتشار الجيش اليمني ومعه اللجان الشعبية الثورية إلى تعز، وهي المحافظة التي تشرف مباشرة على مضيق باب المندب، ثم فرضت القوات سيطرتها على محافظة الضالع بالكامل بعض تطهيرها من القاعدة، ثم توجهت إلى مدينة الحبيلين في محافظة لحج، ومن هناك جرى الزحف باتجاه عدن التي أُعلن عن استعادتها من العناصر التكفيرية بتاريخ 25 آذار/ مارس.
ساعات قليلة احتاجها إعلان حرب المملكة العربية السعودية على اليمن، التي تشترك معه بحدود تبلغ مساحتها 1458 كلم. بعد منتصف ليل الأربعاء 25 آذار/ مارس، خرج السفير السعودي في الولايات المتحدة عادل الجبير من واشنطن ليُعلن أنّ بلاده شنّت عدوانها على اليمن بمشاركة "أكثر من عشر دول" لـ "الدفاع" عن ما قال إنه الشرعية، التي تربطها السعودية بالرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ولمنع حركة أنصار الله من السيطرة على البلاد.
18 يوماً، تمكنت القوات السعودية، المدعومة من واشنطن، خلالها من قتل 2571 شهيد و3897 جريح، كما استهدفت الضربات السعودية 1200 منشأة منها 72منشأة تعليمية وبينها 3 مدارس قصفت أثناء تواجد الطلاب فيها وفق ما اعلن الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية. إلى جانب ذلك، نجحت القوات السعودية في قصف الأسواق الشعبية بمن فيها من مدنيين واستهدفت 11 محلاً تجارياً، و35 ناقلة نفط و6 محطات نفطية إضافة إلى 4 مساجد ومواقع أثرية.
وعسكرياً، لم يُدرج في سِجل "إنجازات" القوات السعودية إلا استهداف عدد من المواقع القديمة والمكشوفة للجيش اليمني, لكنه سُجل لهم تمكين تنظيم القاعدة من التمدد في حضرموت على مرآى طائراتهم، فيما القوات اليمنية حققت المزيد من التقدم في أماكن أخرى كمأرب بعد طرد المسلحين التكفيريين منها.
ففي سيناريو مشابه لما جرى في حزيران/يونيو الماضي بالموصل، أخلت القوات اليمنية المحسوبة على الرئيس اليمني الفار عبدربه منصور هادي قواعدها العسكرية مخلفة أسلحتها لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب". في الثاني من نيسان/ ابريل فرَّ كلٍ من لواء 27 التابع للمشاة واللواء 190 دفاع جوي وقوات الأمن الخاص من مراكزهم بدون طلقة رصاص إلا تلك التي أطلقتها كتائب وبطاريات الدفاع الساحلي. وفي اليوم ذاته دخل عناصر القاعدة مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، واقتحموا السجن مطلقين سراح 300 سجين بينهم خالد باطرفي أحد أبرز قيادي التنظيم في اليمن.
وعلى مرأى الطائرات السعودية والأميركية، استنسخت القاعدة تجربة داعش في الموصل، فنهبت بنوك المكلا.
يقول الكاتب الايرلندي باتريك كوكبرن: "لم تكن السيطرة على المكلا النجاح الوحيد لتنظيم القاعدة في اليمن، اذا قادت جبهة النصرة بين 4000 و 5000 مقاتل في هجوم ادلب. وقد كشفت مصادر سعودية ان المملكة وتركيا دعما النصرة وجماعات تكفيرية أخرى في هجوم ادلب".
خسرنا الحرب ضد الإرهاب
"المليارات التي أنفقناها على الأمن منذ 11 سبتمبر.. والحرب على الإرهاب كلها خسرناها"، يقول كوكبرن إن العدوان في اليمن أكثر من استفاد منه كان القاعدة، ويلفت إلى أن السعودية تشن حربها اليوم ضد أنصار الله، التي تمثل الطرف العسكري الأقوى لمواجهة القاعدة… ويستغرب الكاتب في فورين بوليسي كون هالينان أنه "في حين تواجه السعودية داعش والقاعدة، بمساعدة الاستخبارات الاميركية، ها هي تحارب واحدا من اهم الاطرف التي تقاتل الحوثيين في اليمن". ويخلص كوكبرن إلى القول: "دعمنا للحرب السعودية على الحوثيين يضمن الوضع الذي يسمح للقاعدة بالتمدد".
ولن يبدو غريباً، أن تشكل القاعدة ورقة توظفها السعودية في صراعات الداخل اليمني. ولن يكون مستغرباً أن المملكة التي طبل إعلامها لمساعيها في "مكافحة الإرهاب"، ان تكون هي نفسها سبباً لترسيخه وتمدده. في حروبها، لا تملك المملكة العربية إلا سلاحان: المال والتكفير، الأول لشراء الذمم والثاني لهدر الدم.. سلاحان حضرا في ساحات حروب المملكة. سبق للمملكة نفسها أن وظّفت المال والدعاة في الحشد للحرب ضد الاتحاد السوفياتي بالوكالة عن الولايات المتحدة الأميركية. وفي العراق، صدرت السعودية المقاتلين والعبوات الناسفة للعراق بإسم الدين تارة أو تحت عنوان صد النفوذ الايراني، العناوين نفسها استحضرتها المملكة في سورية في معركتها الشخصية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وفي لبنان نفذت السعودية تهديدات كانت قد وجهتها في وقت سابق، فحركت خلايا التكفير النائمة مستهدفة المدنيين. ولم تكن تونس بمنأى عن الأفكار التكفيرية، الوهابية المنشأ. والسلاحان السعوديان كانا حاضران في اليمن.
يكتب عالم الاجتماع الكندي "مهدي داريوس ناظم-رؤية" ما يوضح علاقة المملكة بقاعدة اليمن - التي تشكل أخطر أفرع التنظيم الارهابي العالمي: "عندما نجحت ثورة الجمهوريين أخذت السعودية تموّل المدارس والبرامج الوهابية لتحويل الزيدية، ولخلق انقسامات مذهبية في اليمن. و بعد الاستقلال عن بريطانيا 1967 ، دعمت كل من بريطانيا والسعودية متمردي الاخوان المسلمين ضد الجمهوريين في شمال اليمن. وبعد توحد اليمن الشمالي والجنوبي أنشأ الاخوان تجمع الاصلاح، واستمرت السعودية بتمويل المشاريع الوهابية، والتي ساعدت لاحقاً في ايجاد القاعدة والبيئة المتعاطفة معها".
في اليمن، كما في غيرها لن تستثني السعودية الشيطان للتحالف معه، لتمكين نفوذها. يقول "مهدي داريوس ناظم-رؤية" إن أنصار الله سعوا في الأشهر الأخيرة لطمأنة المملكة إلا أن الأخيرة " تريد خضوعاً كاملاً من قبل الحوثيين"... ويتابع: "لا شيء أقل من السيطرة على اليمن يُقنع آل سعود"... وطالما أن السيطرة على اليمن مستحيلة فلا ضير من توظيف القاعدة في معارك ضد اليمنيين…
تقهقر القاعدة في اليمن كان وراء مغامرة آل سعود... فشلت الأولى، فتدخلت الثانية في مغامرة المصير، فالمملكة ما كانت لتشن عدوانها لو أن القاعدة كانت على قدر آمالها في صد وقهر الجيش اليمني واللجان الشعبية، وفي فتح حرب أهلية تنّبه إليها اليمنيون مبكراً عندما رفضوا تكرار السيناريو الليبي في بلادهم.