أسباب أدت إلى استبعاد الـ C.I.A لفكرة اغتيال السيد نصرالله "الشيعي" لصعوبة استهدافه، وتكرّست فكرة اختيار رفيق الحريري "السني" كهدف سهل ومتنقل، وكهدف أجدى للاغتيال من حيث النتائج والإنعكاسات خدمةً
نادر عزالدين
بعد أن استعرضنا في الجزء الأول من التحقيق الدوافع الأميركية والإسرائيلية للإغتيال السياسي في الشرق الأوسط، وكيف بدأت فكرة هذا النوع من الإغتيالات ومن روّج لها وتبناها، بالإضافة إلى ماهية الضغوط المتلاحقة على سورية لدفعها نحو سحب قواتها من لبنان، الأمر الذي خلق الفجوة الأمنية التي استطاعت من خلالها أجهزة أمنية غربية وعربية التسلل إلى لبنان. نتحدث في الجزء الثاني، عن كيفية استخدام الأمم المتحدة كأداة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، كيف خيّب رفيق الحريري آمال الأميركيين، كيف سرع لقاء سماحة السيد حسن نصر الله ورفيق الحريري اغتيال الأخير، وأخيراً ما علاقة القاعدة الجوية الأميركية التي كانت تنوي الولايات المتحدة إنشاءها شمالي لبنان بمقتل الحريري؟ ودائماً بحسب الدكتور الصواف.
استخدام الأمم المتحدة كأداة في مشروع الشرق الأوسط الجديد
كان هناك استبعاد أميركي لضرب سورية عسكرياً في قرار اتخذته الإدارة الأميركية سنة 2004، فكان الخيار على استخدام الأمم المتحدة وقراراتها والعقوبات الإقتصادية والسياسية كوسيلة لعزل دمشق وإضعافها وبالتالي نزع نفوذها الإقليمي في المنطقة، المتمثل بصداقتها وتحالفها في لبنان مع حزب الله وحركة أمل وغيرهما، وفي فلسطين المحتلة مع حركة حماس والمنظمات الفلسطينية المقاومة، وأخيراً عبر تأثيرها العلماني والعشائري والحزبي في بلاد الرافدين.
اعتمدت الأمم المتحدة، مجلس الأمن كأداة ضاغطة ضد كل من سورية وإيران، وتم بعد ذلك توقيع الإتفاق بين أميركا وبريطانيا الحليفتين مع فرنسا وألمانيا وبحضور إسرائيلي عام 2003 وذلك بعد الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، والذي توج فيما بعد باستصدار القرار 1559 في 2 أيلول 2004 وما تلاه من قرارات أخرى .
بدأت الخارجية الأميركية وسفارة الولايات المتحدة في بيروت التنسيق مع بعض التيارات اللبنانية، ومنها قرنة شهوان التي تم استقبالها في لوس انجلس، والبطريرك الماروني السابق نصرالله صفير في واشنطن، وميشال عون في شيكاغو. كما أن التيار السنّي الذي يتزعمه رفيق الحريري والحزب التقدمي الإشتراكي بشخص رئيسه وليد جنبلاط كان لهما اجتماعات في السفارة الأميركية في بيروت. تم بعدها البدء في استصدار العقوبات الأميركية على سورية، ثم الشروع في تبني مخطط شالوم والذي تم على أساسه استصدار القرار 1559 .بعد ذلك شكّل "تجمع البريستول" المعارض بالتنسيق مع رفيق الحريري وبمباركة ودعم منه لمواجهة ما سبق من تحرك سوري في 3 أيلول 2004 باتجاه تمديد ولاية الرئيس اميل لحود لفترة ثلاث سنوات اضافية.
اختيار ضحية الاغتيال السياسي في مشروع الشرق الأوسط الجديد
إلاّ أن الرئيس رفيق الحريري خيّب ظن الإدارة الأميركية بالذات ثم الفرنسية وذلك بقبوله ومساهمته بوزرائه ونواب كتلته في تمديد ولاية الرئيس لحود، كما لوحظ عدم تواجد الرئيس الحريري في كافة اجتماعات تجمع البريستول المعارض، وتأكد لاحقاً خبر خروجه من المعارضة، والأهم من هذا كان اجتماعاته المتتالية والمتكررة في شهري كانون الأول والثاني مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. كل هذا وبشكل خاص لقاءاته مع السيد نصرالله زاد من حنق وخوف الإدارة الأميركية، فتم تسريع خطوات عملية الاغتيال في الأيام الأخيرة بعد تردد وتراجع رفيق الحريري عن مواقف البريستول كما صرح بذلك علانية لصحيفة "السفير" اللبنانية.
أضف إلى ذلك معارضة الحريري لمشروع بناء أكبر سفارة أميركية في منطقة الشرق الأوسط في لبنان، ومعارضته بشدة لبناء قاعدة جوية أميركية في منطقة البترون (شمال لبنان)، وقد ذكر الصحافي والمعلّق السياسي الأميركي واين مادسن بتاريخ 11 آذار 2005 أن اغتيال الحريري قد تم إقراره بموافقة إدارة بوش وحكومة شارون الليكودية، ويشرح مادسن قائلاً: "كان الحريري معروفاً بمعارضته ومقاومته لبناء قاعدة جوية أميركية كبيرة في شمال لبنان. وأرادت الولايات المتحدة الأميركية أن تخرج القوات السورية بالكامل من لبنان قبل أن تبدأ بتشييد هذه القاعدة. وقد تعاقد البنتاغون مع شركة "جاكوب" الهندسية - مجموعة "باسادينا" لإنشاء هذا المطار الحربي، على أن تقوم شركة "بكتل" بتقديم المساعدات في البناء أيضاً، وهي إحدى الشركات المستفيدة من حرب العراق"، ويضيف الصحافي "من المفروض أن يستخدم هذا المطار، كقاعدة للعبور والإمداد لصالح القوات الأميركية في العراق، وكمكان لقضاء العطل والاستجمام لكل القوات الأميركية في المنطقة، ولحماية خطوط نقل النفط في المنطقة، أي خط "باكو- تبليسي– جيهان"، وخط "الموصل – جيهان"، بالإضافة إلى زعزعة نظام الأسد في سورية".
واين ماديسون يتحدث إلى تلفزيون روسيا اليوم عن الجهة التي اغتالت رفيق الحريري وإيلي حبيقة (باللغةالإنكليزية)
كل هذه الأسباب أدت إلى استبعاد الـ C.I.A لفكرة اغتيال السيد حسن نصرالله "الشيعي" لصعوبة استهدافه، في حين تكرّست فكرة اختيار رفيق الحريري "السني" كهدف سهل ومتنقل، وكهدف أجدى للاغتيال من حيث النتائج والإنعكاسات خدمةً لمشروع الشرق الأوسط الجديد. |
في 29 آب 2004 يُصنّف موقع "اللجنة الأميركية من أجل لبنان الحر" رفيق الحريري "العميل اللبناني الأول للدولة السورية". في هذه اللحظة كانت الإدارة الأميركية وحكومة شارون ومعاون مستشار الأمن القومي اليوت ابرامز (حلقة الوصل الأساسية بين البيت الأبيض ومكتب شارون للعمليات الإستخبارية) قد توصلوا إلى اتخاذ القرار وأعطيت الأوامر النهائية لتصفية الحريري.
في الجزء الثالث: من هم المتورطون بإغتيال الحريري وكيف حضرت العملية؟
الجزء الأول: عملية "كوندور" .. ما هي الدوافع الأميركية لإغتيال الحريري؟