لطالما مثّل أندرانيك تيموريان علامةً فارقة منذ المرة الاولى التي ارتدى فيها ألوان المنتخب الايراني لكرة القدم فأشارت اليه وسائل الاعلام العالمية على انه مختلف عن كل اللاعبين قائلة: انظروا هناك مسيحي في المنتخب الايراني"
في زمنٍ اخذ فيه الشرخ الطائفي والمذهبي ابعاداً بلغت حدّ الاجرام، جاء الدرس الاخلاقي الرياضي من البوابة الايرانية، ومن ملاعب الساحرة المستديرة تحديداً، التي قالت كلمتها تحت عنوان «كل الفوارق تسقط عند حدود كرة القدم»
لطالما مثّل أندرانيك تيموريان علامةً فارقة منذ المرة الاولى التي ارتدى فيها الوان المنتخب الايراني لكرة القدم عام 2005، فأشارت اليه وسائل الاعلام العالمية دائماً على انه مختلف عن كل اللاعبين الآخرين، قائلة: انظروا هناك مسيحي في المنتخب الايراني».
هذه الحالة تحوّلت بعدها عادية جداً مع استمرار تيموريان في تمثيل ايران طوال 10 اعوام، تماماً كما كان هناك حالات مشابهة اثارت الانتباه في فترةٍ ما عالمياً ثم ما لبثت ان باتت امراً لا يثير الدهشة، على غرار ما حصل مع منتخب المانيا عندما استدعى اول لاعب اسمر الى صفوفه وكان الغاني الاصل جيرالد أسامواه.
لكن ما كُشف عنه يوم أمس لم يكن امراً عادياً ابداً: اندرانيك تيموريان قائداً لأهم منتخب في الجمهورية الاسلامية الايرانية. لاعب الوسط المميز المنتمي الى الاقلية الارمنية الاورثوذكسية في البلاد اصبح القائد الأول لمنتخب كرة القدم في ايران، وذلك خلفاً للنجم جواد نيكونام الذي اعلن اعتزاله دولياً.
في ايران الأولوية للأداء الرياضي على حساب أي شيء آخر
الخبر ليس عادياً بالتأكيد، اقلّه بالنسبة الى وسائل الاعلام العالمية التي لطالما اشارت الى تيموريان وافردت تقارير كثيرة عنه، وخصوصاً في كل مشاركة كبيرة لـ «تيم مللي» (اي المنتخب الوطني) حيث حضر معه النجم المذكور في مونديالي 2006 و2014. الخبر ليس عادياً لان تيموريان هو اول قائد مسيحي للمنتخب الايراني، برغم ما افادت به مصادر قليلة، وذكرت بأنه المسيحي الاول الذي يحمل شارة الكابتن في المنتخب الايراني منذ 95 عاماً، في اشارة منها ربما الى لاعبٍ مرّ في عشرينيات القرن الماضي، هو البريطاني المولد الارميني الاصل هيراند غالوسيتيان، الذي ليس اكيداً اذا ما كان قد اضطلع بهذه المهمة، علماً ان ثاني الاندية الرياضية الكبيرة التي تأسست في طهران وقتذاك كان نادي الارمن الرياضي.
بطبيعة الحال، يأتي هذا النبأ ليعكس امراً مهماً على صعيد الرياضة الايرانية، ربما لم يلمسه سوى من تعاملوا عن كثب مع الايرانيين في الاحداث الرياضية المهمة. فهناك في الجمهورية الاسلامية تأخذ الرياضة بعداً احترافياً كبيراً، وتحديداً على صعيد العقلية المتبعة والنزعة الاخلاقية الموجودة، التي تعطي الاولوية للاداء الرياضي على حساب اي شيء آخر، فيجري اختيار الافضل لتمثيل منتخبات الوطن من دون اي حسابات اخرى. وانطلاقاً من هذا الامر فمما لا شك فيه ان المسألة اساسية في سياق تفوّق منتخبات ايران في غالبية الرياضات في آسيا، وخصوصاً الجماعية منها.
لذا واستناداً الى ما قدّمه تيموريان للمنتخب الايراني حتى الآن بعد 90 مباراة دولية، فهو يستحق هذا الشرف الكبير، الذي عرفه سابقاً لدقائق معدودة في مباريات معيّنة، كان اولاها لقاء وديّ امام بيلاروسيا (0-0) في 18 ايار 2014.
وفي ايران تحديداً ليس مستغرباً لأي كان ان يكون ذاك الارمني المسيحي قائداً لمنتخبٍ يشغل البلاد من رئيسها حتى اصغر فردٍ فيها، فهو سبق ان تحوّل بطلاً وطنياً في مونديال 2006 بعدما سقط ارضاً ينتحب عند خروج ايران من البطولة في لقاء استنزف فيه كل قواه، فأجمع الكل في بلاده على ان الشغف الذي اظهره يعكس روحاً وطنية عالية لا يتمتع بها كل اللاعبين.
وبحمل لاعب بولتون وندررز وفولام الانكليزيين سابقاً، شارة القيادة هناك درس رياضي اخلاقي ايراني يتمحور حول انفتاح بلدٍ اسلامي على اي اثنية منغمسة في مجتمعه حتى لو كانت من الاقليات (يمثل الارمن مع الاشوريين وغيرهم من الاقليات نسبة اقل من 1% من حجم السكان)، كالمسيحيين الذين يبلغ عددهم بين 300 و370 الفاً، وهم ينتشرون حول 600 كنيسة في البلاد.
«أندو» قائداً لمنتخب ايران، ليس في الامر غرابة بالتأكيد، اذ ان هذا المنتخب نفسه سبق ان اعلن انفتاحه على العالم عبر استقطاب لاعبين من اصول ايرانية، وكان احدهم حتى الاميركي المولد ستيفن بيت آشور، الذي كان في عداد «تيم مللي» في المونديال الاخير، بعدما كان قد استدعي قبلها بعامين الى منتخب الولايات المتحدة من دون ان يشارك معه.