23-11-2024 09:36 PM بتوقيت القدس المحتلة

حسابات السعودية في اليمن

حسابات السعودية في اليمن

ما زالت «عاصفة الحزم» تستأثر بالانتباه الإعلامي بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدايتها، وتستقطب حولها تحالفات إقليمية تنعقد وتتعقد وتنفرط

 

 

مصطفى اللباد

 

ما زالت «عاصفة الحزم» تستأثر بالانتباه الإعلامي بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدايتها، وتستقطب حولها تحالفات إقليمية تنعقد وتتعقد وتنفرط، ما يوسع دائرة تداعياتها على منطقة جغرافية تفيض بعيداً عن حدود اليمن السياسية. ومع سيادة «الإعلام الحربي» ودوره الكبير في تشكيل الرأي العام سواء مع الحملة السعودية أو ضدها، تبدو حسابات السعودية - بعيداً عن التهوين أو التهويل الإعلاميين - مرتهنة بأهداف ومخاطر سياسية في آنٍ معاً.


السياق الأميركي لـ «عاصفة الحزم»

من المفيد التعرف على الأبعاد الدولية لعملية «عاصفة الحزم» حتى يمكن تحليلها في الإطار الصحيح، إذ أن سير العمليات العسكرية على الأرض ما هو إلا الوسيلة لتحقيق أهداف سياسية وليس أكثر من ذلك. قبل بدء الحملة السعودية على اليمن، كانت أجراس الإنذار تقرع بشكل متواصل في الرياض، لأن الثوابت في تحالفات السعودية الدولية قد اهتزت بوضوح مع انسحاب القوات الأميركية من العراق العام 2011. ويعود الاهتزاز هنا إلى أن احتلال العراق كسر التوازن الإقليمي المحيط بإيران ـ خصيمة السعودية اللدود ـ لكن استمرار القوات الأميركية في البقاء على الأراضي العراقية كبح في حدود النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين. ومع الانسحاب الأميركي ظهرت الصورة الجديدة للعراق الجديد ونفوذ إيران الواضح فيه، بالتوازي مع إحجام إدارة أوباما عن التدخل عسكرياً في الأزمة السورية لمصلحة المعارضة. ثم جاءت المفاوضات النووية بين إيران والغرب لتزيد المخاوف السعودية من نوايا إدارة أوباما، خاصة مع اقتراب المفاوضات من مرحلتها الختامية (جرت الحملة السعودية قبل أيام من توقيع «اتفاق الإطار» بين إيران والغرب). سيعني إبرام الاتفاق النووي تحولاً جوهرياً في البيئة الاستراتيجية المحيطة بالسعودية، لأن الولايات المتحدة الأميركية التي استمرت في لعب دور الضامن للأمن القومي السعودي منذ العام 1945 حتى الآن، ستتحول إلى مجرد «وسيط» بين السعودية وإيران في ملفات المنطقة المشتعلة. وكان لافتاً أن إدارة أوباما ساندت ودعمت الحملة السعودية على اليمن لتهدئة مخاوف السعودية من ناحية، وللضغط على إيران في المفاوضات النووية من ناحية ثانية، ولخلق مكافئ إقليمي لإيران من ناحية ثالثة، لأن التصور الأساسي للشرق الأوسط الجديد في إدارة أوباما يقضي بتنويع التحالفات الإقليمية؛ بحيث تحجم الأطراف الإقليمية بعضها بعضاً دون أن يقضي أحدها على الأخر.

السياق الإقليمي لـ «عاصفة الحزم»

تتنوع مروحة الأهداف السعودية من «عاصفة الحزم» ولا تقتصر على إضعاف خصومها في اليمن، وإنما تركز بالأساس على إبراز دور السعودية في المنطقة كقوة إقليمية باستخدام الحرب المحدودة على الحوثيين لتحقيق ذلك الهدف. في هذا السياق بدا للرياض أن دعمها الاقتصادي لمصر سيوفر لها وسيلة جيدة للتأثير في قرارها السياسي بالمشاركة في الحملة وليس المشاركة في قيادتها، ما يثبت قيادة السعودية المنفردة للدول العربية عبر العمليات العسكرية وفي الحلول السياسية بعدها. كما أن الانقسام السياسي التركي الداخلي بين أردوغان ومعارضيه، حفز الرياض على الاعتقاد بإمكانية الظهور كند سني لتركيا في الإقليم، خصوصاً مع امتلاك السعودية لورقة الإيداعات المالية قصيرة الأجل في المصارف التركية، وما يعنيه ذلك من إمكانية تردي الليرة التركية أمام العملات الأجنبية في حال سحبها. وحتى تتلاعب السعودية بالحسابات التركية بدرجة أكبر، فقد فتحت باباً للتفاهم معها حول الأدوار المرتقبة لجماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن ـ جبهة الإصلاح ـ بعد انتهاء المعارك العسكرية، ما ينعش الآمال التركية في استعادة الوهج الإقليمي الذي فقدته مع خسارة «الإخوان المسلمين» للسلطة في مصر وتونس. ولتنويع الغطاء التحالفي للسعودية في «عاصفة الحزم» فقد عمدت إلى محاولة إشراك باكستان في الحملة، على خلفية العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إسلام آباد والرياض، بغرض الضغط على كل من القاهرة وأنقره، وبحيث ترتدي السعودية العباءتين العربية والسنية في ذات الوقت. ودار في حسابات السعودية أيضاً أن عامل البعد الجغرافي والضيق النسبي للموارد المالية الإيرانية، سيمنعان طهران من دعم الحوثيين بشكل فعال. باختصار تتوسل السعودية الحرب على الحوثيين لإعلان زعامتها العربية والسنية، تلك التي ستترسخ في حال أفلحت في جر الحوثيين إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف.

سيناريو الضربات الجوية

تفضل السعودية استخدام سلاح الجو لتحقيق انتصار عسكري نسبي، ومن ثم جرجرة الحوثيين إلى طاولة مفاوضات، وصولاً إلى إعادة اقتسام السلطة في اليمن لمصلحة حلفاء السعودية. رصدت السعودية مئات المليارات من الدولارات لسلاحها الجوي؛ الذي يبدو حتى الآن مسيطراً باكتساح على الأجواء اليمنية (الدليل على ذلك أننا لم نشاهد أي قتال جوي حتى الآن). ومع ذلك، تعلم الرياض أن معاقل الحوثيين وحضورهم في مناطقهم التقليدية وخصوصاً في المنطقة الجغرافية الواقعة من صعدة وحتى صنعاء هو أمر لا يمكن تحقيقه بضربات جوية، مهما طال أمدها ومهما امتلك سلاح الجو السعودي من قدرات قتالية. على ذلك توجهت محاولات السعودية إلى محاولة تثبيت سيطرة ما للقوات الموالية لعبد ربه منصور هادي في عدن وما حولها، بهدف ضمان مكان له على طاولة المفاوضات لاحقاً، بالتوازي مع ضرب مواقع الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى أهداف داخل الأراضي السعودية، والاستمرار في فرض حصار بحري على اليمن لمنع وصول مساعدات لخصومها. بالمقابل، لم يؤد القصف الجوي المتواصل إلى انهيار الحوثيين كما دارت الحسابات السعودية، بل أن الحوثيين تمددوا على الأرض في بعض المناطق ما يربك الحسابات السعودية.

 

معضلة الحسابات السعودية

لم يجلب سلاح الجو المتفوق انتصاراً سياسياً للسعودية حتى الآن، ومع استمرار العمليات العسكرية يرتفع عدد الضحايا من المدنيين، ما يدفع بمرور الوقت المزيد من الأطراف الدولية إلى المطالبة بوقف إطلاق النار، برغم إعلان السعودية أخيراً رصدها لأكثر من ربع مليار دولار كمساعدات انسانية لليمنيين. هنا تقع الرياض في معضلة الاستمرار في الضربات الجوية وما تعنيه من زيادة الضحايا المدنيين وضغوط الرأي العام عليها، أو التوقف عن الضربات الجوية من دون تحصيل نتائج سياسية لمصلحتها، ما يعني خسارة السعودية سياسياً للحرب واستفادة غريمتها إيران من نتائجها. كما أن سيناريو الغزو البري لفرض انتصار سياسي يبدو مكلفاً جداً من الناحية البشرية ولا تبدو باكستان أو حتى مصر في وارد المشاركة فيه، نظراً لطبيعة اليمن الوعرة، ولاحتمالية تشكل تحالفات قبائلية جديدة في مواجهة القوات الغازية. كما أن انقلاب خريطة التوازنات المحلية اليمنية من جراء الغزو البري إن حدث، سيؤمن معارضة واسعة للسعودية وتحالفاتها داخل اليمن، حتى بمنطق التوازن القبلي وليس العداء الأيديولوجي لها. وفوق كل ذلك، لا يمكن بدقة حساب المخاطر التي يمثلها تنظيم «القاعدة» في اليمن وقدرته على استغلال الأوضاع المضطربة المترافقة مع الغزو البري لتعظيم مكاسبه في مواجهة السعودية والحوثيين معاً.

وتتفاقم معضلة الحسابات السعودية أكثر مع تشدد الرياض في مواجهة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واستبعاده من مفاوضات الحل السياسي، برغم تأثيره غير المنكور على جانب كبير من الجيش اليمني. ولعل قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 2216، والذي يفرض عقوبات على علي عبد الله صالح ونجله أحمد وتجميد أرصدتهما وحظرهما من السفر إلى الخارج، يشبه السيف ذا الحدين. فمن ناحية، تظهر السعودية نفوذاً دولياً ما بالحصول على القرار الذي أرادت مع امتناع روسيا عن استخدام حق النقض ضده، إلا أن القرار بنصه وللمفارقة يغلق الباب على سيناريو حل سياسي ممكن يحيد صالح وقواته وينهي المعارك الدائرة بمكسب سياسي ما للسعودية.

ومع إغلاق الباب على الحلول السياسية الممكنة، التي تتضمن مكاناً للرئيس السابق علي عبد الله صالح وقواته على طاولة المفاوضات، لا يتبقى أمام الرياض إلا الدوران في سيناريوهين كلاهما صعب. إما الاستمرار في الضربات الجوية مع صعوبة تحقيقها للأهداف السعودية السياسية، أو التحول إلى سيناريو الغزو البري بأخطاره الجسيمة وتكاليفه الكبرى. ساعتها سيتدحرج الهدف السياسي الأبرز لـ «عاصفة الحزم» من ظهور السعودية كقوة إقليمية على جناح سلاح الطيران السعودي إلى التورط لسنوات في مستنقع الجغرافيا اليمنية وتبخر الأمل في الحصول على وضعية القوة الإقليمية. تنشأ هنا معادلة طردية: كلما طال وقت المعارك ورفض الحوثيون الذهاب إلى طاولة المفاوضات، ستتعقد الحسابات السعودية أكثر وترتفع معها بورصة «الإعلام الحربي» على الجانبين.


http://assafir.com/Article/414217


موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه