الشباب اللبناني والقطاع النفطي، كيف ستكون العلاقة بين هذين المكونين الاساسيين في رسم المعالم الاقتصادية لمستقبل البلد.
ليست "قصة" النفط في لبنان وليدة الامس القريب، بل قديمة ومعروفة لدى المسؤولين الذين أهملوا هذا الملف لسنوات ولا يزالون. تتعدد الاسباب والنتيجة واحدة، لبنان محروم من الاستفادة من ثروة قد تغير حياة الملايين. اليوم، بعدما بات موضوع النفط والغاز في لبنان على نار حامية، تتزايد الأسئلة عن كثير من الأمور التي تتعلق بقيام هذه الصناعة الثقيلة في بلد لم يعرفها من قبل. أبرز هذه التحديات هو الشباب اللبناني والقطاع النفطي، كيف ستكون العلاقة بين هذين المكونين الاساسيين في رسم المعالم الاقتصادية لمستقبل البلد.
إيفون صعيبي
بينما تتجه الانظار صوب السواحل اللبنانية الغنية بخزان نفطي ضخم وكميات من البترول في حوض البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب الاحتياط الجيّد من الغاز في المناطق المحيطة بشواطئ قبرص، سوريا ولبنان، وفي ظل سخونة الأحاديث عن ملف النفط في لبنان والصعوبات التي تعترضه، تظهر تحديات تقنية واقتصادية عديدة، لتزيد من صعوبة دفع هذا القطاع إلى الأمام، لا سيما تلك المتعلقة بالطاقات البشرية، ومدى الجاهزية للعمل في هذا القطاع الذي يمثل أملاً كبيراً على مختلف الصعد لجهة خلق فرص عمل للشباب اللبناني.
يشكل استكشاف الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية خطوة واعدة نحو تحقيق النموّ الاقتصادي المرجو، وبما أن لبنان من البلدان التي تعتمد بشكل كبير على استيراد موارد الطاقة، كونه ينفق اكثر من 15% من ناتجه المحلي الاجمالي على الفاتورة النفطية، من المتوقع أن تساهم صناعة النفط والغاز ببلوغ الاكتفاء الذاتي من خلال تلبية حاجات السوق المحلية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي الاجمالي.
ولعل ابرز المكاسب التي ستحققها الانشطة البترولية تكمن في تعزيز مكانة لبنان على خريطة النفط في الشرق الاوسط وتكريس استقلاله في مجال الطاقة. علاوة على ذلك، سيتيح استخراج الثروة النفطية خلق فرص عمل جديدة وزيادة عائدات الدولة.
نقص في المناهج
تُقدر حاجة السوق اللبنانية إلى أكثر من 35 ألف عامل للأعوام الأربعة الأولى من البداية الفعلية للتنقيب عن النفط
تنبع حاجة القطاع النفطي لمهارات عالية ويد عاملة مُتخصصة من التقنيات العالية المُستخدمة في هذا القطاع الذي يتمتع بتنوع هائل للمهن المطلوبة. من المهندس، التقني، العامل، وصولاً إلى إدارة الأعمال والتسويق والبيع، المعلوماتية... ما يعني الحاجة إلى مقررات تخصّص في الجامعات والمعاهد، تسمح للطلاب بالانخراط في هذا القطاع مستقبلاً.
غير ان قطاع النفط في لبنان يفتقد إلى برامج تدريس في الجامعات تُعنى بتأهيل يد عاملة متخصصة في المجالات كافة للعمل فيه. بالرغم من ادخال عدد من الجامعات في لبنان برامج تدريس في هذا الاختصاص في مناهجها التعليمية، إلا أن هذه البرامج لا تُغطي كل المهن المطلوبة لهذا القطاع، مثل الجيولوجي، الجيوفيزيائي، مهندس الحفر، مهندس المنشآت النفطية، مهندس الصيانة، مهندس المبيعات التقني، مهندس العمليات، مهندس الخزانات، رئيس العمال، منسق الدراسات، عامل الخدمات، مدقق النفقات، المخطط، الرسام، مسؤول التشغيل، مسؤول المخزون نفطي، عامل نقل، عامل تلحيم متخصص... وغيرها من المهن.
تُقدر حاجة السوق اللبنانية إلى حوالى 35 ألف عامل للاعوام الأربعة الأولى من البداية الفعلية للتنقيب عن النفط. على أن يرتفع هذا العدد إلى 55 ألفاً بحسب حجم التلزيمات، كما يحتاج لبنان الى اليد العاملة في مراحل الاكتشاف والانتاج كافة بما في ذلك إنشاء البنى التحتية، والتعدين واستخراج وتجهيز الآبار على المنصات، اضافة الى التخزين والنقل والتوزيع...
دور الجامعات
من هذا المنطلق، تابعت جامعة رفيق الحريري هذا الموضوع بهدف استغلال الثروة النفطية عبر استحداث تخصصات جديدة تكفل لطلابها دخول سوق العمل اللبنانية والعالمية في الاعوام المقبلة.
وتماشياً مع تطور المرتقب للحركة الإنتاجية وطلب شركات البترول للموظفين، تم إدخال اختصاصات جامعية جديدة تعنى بقطاع النفط والغاز الذي يعتبر مجالاً جديداً في لبنان. كما عمدت الجامعة إلى تنظيم مؤتمر النفط والغاز الذي يعتبر الاول من نوعه في لبنان، والذي تميز بجلسات متنوّعة المواضيع والتخصصات ومشاركة لافتة لشركات أجنبية.
عن الموضوع، يشير نائب رئيس الشؤون الاكاديمية في جامعة رفيق الحريري احمد اسماعيل الى "ان اكتشاف النفط في لبنان يشكل حافزاً لدى الشباب للتوجه نحو اختصاصات جديدة، ومن واجب الجامعات ان تؤمن لطلابها اختصاصات شاملة تماشياً مع فرص العمل المطلوبة في هذا المجال. حتى الآن تفتقر جامعات لبنان لهذا الأمر، ويمكن وصف المحاولات في ادخال اختصاصات متعلقة بقطاع النفط بالخجولة. نحن نسعى إلى توجيه الطلاب بطريقة صحيحة بحسب متطلبات السوق".
من جهته، يؤكد الدكتور جميل حمّود من جامعة رفيق الحريري ان "اختصاص إدارة اعمال النفط والغاز الذي اطلقته الجامعة والذي سيبدأ في الخريف المقبل، هو الاول من نوعه في لبنان والشرق الاوسط، وقد تم وضع هذا البرنامج بالتعاون مع افضل الجامعات في اوروبا واميركا. لكن الاهم من ذلك، تأهيل اشخاص تقنيين بشهادات مهنية لسدّ الحاجة المطلوبة في هذا المجال، نظراً إلى كثرة الطلب على الاختصاصات المهنية اكثر من الاكاديمية في هذا القطاع، فمن بين 100 عامل، تكون الحاجة لوجود مهندسين اثنين فقط كحد أقصى".
في سياق آخر، يعتبر رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر والمسؤول عن شؤون الطلاب في جامعة رفيق الحريري الدكتور محمد دياب أن "أهمية المؤتمر تكمن في أنه يقوم على الدراسات والبحوث التي تحدّد للجامعات الاختصاصات واليد العاملة المطلوبة والتي سيحتاجها القطاع في لبنان عندما تبدأ عمليات التنقيب عن النفط، من هنا ضرورة التوعية، لئلا نسلك الطريق الخاطئ ونخرّج طلاباً باختصاصات هندسيّة لا تحتاجها السوق. هذا القطاع جديد، ومن الطبيعي ان نواجه الصعوبات مع غياب اليد العاملة والكفاءات التي تديره".
يمكن للقطاع النفطي أن يشغّل الآلاف من اليد العاملة اللبنانية، خاصة أن الدولة اللبنانية اشترطت في عقودها مع الشركات الاجنبية أن تكون 80% من العمالة من اللبنانيين، ما سيحلّ الكثير من مشكلة البطالة في البلد، فهناك شواغر كثيرة يمكن لها أن تؤمّن عملاً مربحاً للشباب بمداخيل تتعدى 3000 دولار شهرياً، حتى ان دولاً عدة أبدت رغبتها بتبادل الخبرات اللبنانية وتدريب الكوادر التي سيحتاجها هذا القطاع.
لبنان غير جاهز
في سياق آخر، يقول الدكتور ميشال بوفاضل، مدير مركز الموارد الطبيعية في جامعة جرسي للعلوم والتكنولوجيا، إن "لبنان غير جاهز للبدء في التنقيب عن النفط على صعيد اليد العاملة، خاصة تلك المتعلقة بمعالجة مشاكل البيئة والتلوث التي تسببها عمليات استخراج النفط. هذا الامر يرتب على الدولة إجراء دراسات جدية في هذا الموضوع خاصة بعد التلوث الذي احدثته الحرب على لبنان عام 2006 وعدم قدرة اللبنانيين على استدراك الاضرار البيئية للعدوان.
من هذا المنطلق لا بد من البدء بتحضير وتدريب اخصائيين في المجال البيئي بوسعهم التصرف في حال طرأت مستجدات او مشاكل بيئية، وهنا يبدأ دور الجامعات، اذ من واجبها ان تبني كفاءات مؤهلة في مختلف المجالات".
بدوره يؤكد البروفسور ربيع مهتار العمل من جامعة تكساس "اهمية بناء القدرات للطاقات البشرية بما ان لبنان يفتقر إلى اليد العاملة المؤهلة المطلوبة، ما سيؤدي حتماً إلى استقدام الموظفين من الخارج مع بدء العمل في قطاع النفط".
من المتوقع ان يستفيد قطاع البترول في لبنان من التنمية المحلية ليس فقط من خلال الإيرادات المحتملة، ولكن أيضاُ من خلال الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة التي تساهم في زيادة انتاجية الانشطة الاقتصادية وخلق فرص العمل، لذلك يعوّل الشباب اللبناني كثيراً على قطاع النفط والغاز، فلا يفوت الطلاب الذين يتخصصون في المجالات المتعلقة بهذا القطاع فرصة إلا ويعربون خلالها عن حماسهم للبدء في العمل.
في هذا الصدد يشرح رئيس موقع lebanongasandandoil.com جورج طشجيان "ان المطلوب هو توجيه الطلاب الى المعاهد الفنية المتخصصة، فليس من المنطقي ان يتجه الجميع نحو الهندسة، علماً ان العامل الذي يعمل في مجال تلحيم أنابيب النفط يتقاضى ما لا يقل عن 200 دولار في الساعة، وفي لبنان ليس لدينا اي عامل في هذا المجال. من هنا لا بدّ من التركيز على الخدمات البترولية والصناعات البتروكيميائية، وتطوير القطاع التربوي بحيث يتمكّن الطلاب من الاستفادة من فرص تعلّمية وخبرات مهنيّة تهّيئ للاستكشافات المرتقبة مقارنة بالتجارب العالمية الناجحة بما يتماشى مع متطلبات السوق".
تنطوي تحديات قطاع النفط والغاز على فرصة تاريخية لإنعاش الاقتصاد وتنويع مرافق الإنتاج، وحل مشاكل البطالة والهجرة والدين العام، فهل سيكون القطاع التعليمي اللبناني مواكباً لنقلة من هذا الحجم، أم سنكون أمام فرصة جديدة مهدورة؟