23-11-2024 05:55 AM بتوقيت القدس المحتلة

قواعد السيطرة على الثورة في اليمن

قواعد السيطرة على الثورة في اليمن

الأحداث التي عصفت بالساحة اليمية إبان الأشهر المنصرمة والتي تفاقمت في الآونة الأخيرة قد كشفت عن أهميتها الاستراتيجية بحيث استقطبت العديد من القوى على الساحة السياسية باختلاف الدوافع والأهداف فدخلت بعضها علناً في اللعبة

 



الأحداث التي عصفت بالساحة اليمية إبان الأشهر المنصرمة والتي تفاقمت في الآونة الأخيرة قد كشفت عن أهميتها الاستراتيجية بحيث استقطبت العديد من القوى على الساحة السياسية باختلاف الدوافع والأهداف فدخلت بعضها علناً في اللعبة فيما رجحت غيرها اللعب خلف الكواليس. 

وبطبيعة الحال فإنّ أيّة أزمة تحدث في منطقة الشرق الأوسط لا تخلو من تدخل أمريكي صهيوني بريطاني، لذلك فإنّ الأزمة اليمنية هي الأخرى مشمولة بهذه القاعدة لكن هذه المرّة أوكلت مهمّة قتل المسلمين وتدمير بناهم التحتية إلى حلفاء تقليديين على رأسهم السعودية التي انضمّت إلى ركبها كلّ من الإمارات وقطر وبعض الحكومات التي تلهث وراء دولارات النفط، لذلك فالمعادلة في هذه المرّة تختلف بالكامل عن تلك المعادلات التي سبقتها. 

يذكر أنّ واشنطن وتل أبيب ولندن تمنح الأولوية في اليمن إلى مصالحها السياسية والاستراتيجية لكنّ الأزمة اليمنية بالنسبة إلى الرياض ومن لفّ لفّها هي مسألة حياة أو موت، لذا فإنّ المصالح المشتركة لجميع أعداء اليمن المشار إليهم تكمن في عدم السماح بنشوء هوية جديدة للسيادة اليمنية أو على أقلّ تقدير القيام بتدابير عسكرية وسياسية وأمنية من شأنها إضعاف السيادة اليمنية الجديدة إلى أقصى ما يمكن والحيلولة دون فاعليتها على المستويين الداخلي والخارجي. 

فضلاً عن ذلك فإنّ القواعد الاستراتيجية للسياسة الأمنية – العسكرية لواشنطن وتل أبيب ولندن قد دخلت في عنق الزجاجة لدرجة أنّها جعلت ساسة هذه البلدان المناهضة للإسلام قاصرين عن ارتكاب حماقة جديدة والتدخل بشكل مباشر في اليمن وخوض حرب لا تعرف عواقبها فرجّحوا خسارتهم الاستراتيجية على الخسارة العسكرية المتوقعة، لكنّ ساسة الرياض ومن لفّ لفّهم ولا سيّما بعض بلدان الخليج الفارسي المغلوبة على أمرها والمضطرّة لمسايرتهم لضعفها وهزالة ساستها، قد رجّحوا ارتكاب مغامرة حمقاء تجسدت في مجازر بشعة ضد الشعب اليمني. إنّ البلدان المحاذية للخليج الفارسي وعلى رأسها السعودية تعاني من سخط عمومي لكنّها وقعت في ورطة لا مفرّ منها بعد أن ذهب ماء وجه ساستها وفقدوا مصداقيتهم، لذلك قدم آل سعود رشاوى هائلة من نفط المسلمين لشراء بعض الضمائر المريضة التي لا تعير للإنسانية أدنى وزن لكي يضفوا على تحالفهم الشيطاني صبغة إقليمية عربية، وبالطبع فالجميع يعرف حقّ المعرفة أنّ هذه الحماقات التي ترتكب في اليمن إنّما تهدف إلى الحفاظ على قدرة الصهاينة في المنطقة وضرب كلّ من يهدد أمن كيانهم في الأراضي المحتلة. 

ويمكن القول إنّ أحد الأسباب الأساسية لإعلان الرياض بوقف ضرباتها الجوية في اليمن – كما زعمت قبل أيام – هو الضغوط الأمريكية على ساسة آل سعود تحذيراً لهم من سخط إيران والشعب اليمني عليهم الأمر الذي من شأنه توسيع نطاق الحرب جغرافياً وصدور ردود أفعال لا تطيقها واشنطن والغرب. ومن الجدير بالذكر هنا أنّ الأمر الذي أصدره البيت الأبيض لحكومة الرياض بتقليص الضربات الجوية والإبقاء عليها في نطاق محدود يعدّ نسخة مماثلة للأمر الذي أصدره الأمريكان للصهاينة في حروبهم ضد الفلسطينيين بغية التقليل من العواقب الوخيمة لسياساتهم الهوجاء والحفاظ على ماء وجههم أمام الرأي العام العالمي، وفي الحين ذاته فقد أكّد الأمريكان ضرورة الحفاظ على مبدأ "نقض سيادة الشعب اليمني" للحيلولة دون تمكن أنصار الله وسائر القوى الشعبية من القضاء على تنظيم القاعدة الإرهابي الموالي للرياض والذي يتحرك بأوامر مباشرة منها وكذلك لإبقاء العملاء من أمثال منصور هادي وزمرته على راس الهرم في هذا البلد الجريح. 

فهذه الأوضاع والتقلبات السياسية في الاستراتيجية المتبعة ضد الشعب اليمني برهان ساطع على وجود مخاطر جمّة محدقة بحكومة آل سعود أمنياً وقانونياً وسياسياً، كما أنّها تهدد مصالح الأنظمة الغربية الداعمة لآل سعود مما حدا بها لاتخاذ الاجراءات المذكورة أعلاه كقاعدة أساسية للحفاظ على قواعدهم الاستراتيجية في المنطقة، إذ إنّ استمرار الضربات الجوية وصبّ حميم الصواريخ الصهيوأمريكية على رؤوس الأبرياء، من شأنه - على أقلّ تقدير - الإبقاء على معادلة الحرب الداخلية في اليمن وكذلك السيطرة على زمام الأمور في أيّ حوار يجري حول هذا البلد لتأسيس حكومة وحدة وطنية بغية دسّ جواسيس تل أبيب وواشنطن فيها بمساعي سعودية مخلصة! 

ولا يخفى على عاقل أنّ أحد الأهداف الأساسية لثورة الشعب اليمني هو مقارعة التمدّد الصهيو-أمريكي في المنطقة على أكتاف عملاء معروفين يخفون وجههم الحقيقي بنقاب إسلامي، لذلك فإنّ أهمّ الخطوات التي يجب اتخاذها لإيقاف هذه الحرب البربرية تتلخص بما يلي: 

1) العمل على إرغام الرياض بإيقاف هجماتها الجوية في حرب غير متكافئة لا يروح ضحيتها سوى الشعب اليمني المسلم، وهذا الأمر يقتضي استمرار التحذيرات الجادّة وتفعيل القابليات التي تهدد الاستراتيجية المشتركة بين أمريكا وإسرائيل والسعودية في المنطقة. 

2) اتّخاذ اجراءات قانونية على الصعيدين الإقليمي والدولي بغية الضغط على أعداء الشعب اليمني لكون هذه الاجراءات من شأنها أن تكون عتلة ضغط على ساسة آل سعود وأسيادهم في تل أبيب وواشنطن. 

ففي بادئ الأمر يجب توثيق أنّ مجازر آل سعود في اليمن ترقى إلى مستوى جرائم إبادة جماعية بتحريك ودعم وتوجيه أمريكي إسرائيلي، لذلك لا بدّ من مطاردتهم قانونياً، كما يجب محاسبتهم على نقضهم لسيادة اليمن علناً ومحاصرة شعبه جوياً وبحرياً، وقبل ذلك فلا بدّ من رفع هذا الحصار الجائر. 

3) القضاء على تنظيم القاعدة الإرهابي المدعوم سعودياً واستئصال الزمرة التي خانت الشعب اليمني وأثبتت عمالتها للأجانب والتي تتجسد اليوم بمنصور هادي وجلاوزته الذين تلطخت أيديهم بدماء أبناء شعبهم، فهذا الاجراء يعدّ بمثابة أولوية لاجتثاث فتيل الأزمة الداخلية التي تعصف بهذا البلد الجريح ولا بدّ من اتّخاذه بشكل فوري. 

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود ارتباط وطيد بين أحداث اليمن وما يجري في كل من سوريا والعراق، فعلى سبيل المثال تنشيط دور داعش والنصرة في بعض المدن السورية بأمر مباشر من الرياض وتل أبيب ولا سيّما في القلمون وإدلب وأطراف حلب وحتّى حماة وحمص، وكذلك الضربات الجوية الإسرائيلية لمنطقة القلمون، هي في الحقيقة مجرد خداع للرأي العام بغية تغيير وجهة أنظار العالم عن الساحة اليمنية كي يعيث فيها غربان آل سعود كيفما شاؤوا وسط صمت إعلامي مثير للاشمئزاز. 

4) القيام باجراءات إنسانية على صعيد علاج الجرحى وتوفير المعونات الإنسانية للشعب اليمني من قبل مختلف المنظمات الدولية والإقليمية تحت مظلّة لجنة خاصّة لدعم هذا الشعب المحاصر، فضلاً عن تقديم دعم سياسي وقانوني ومالي لمؤازرة العملية السياسية في داخل البلاد. 

5) التنسيق بين مختلف القوى على الساحة اليمنية وتقريب وجهات النظر فيما بينها بهدف تفعيل دور الحوار السياسي بإشراف منظمة الأمم المتحدة ولا بد أن يتمّ هذا الأمر بنحو يحول دون أيّ تدخل خارجي، وهو بطبيعة الحال يتطلب مساعي فورية نظراً لضرورته في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها اليمن. 

6) جميع المراقبين الاستراتيجيين يرون أنّ ما يجري على الساحة اليمنية اليوم يعدّ اللبنة الأولى للشروع بمعادلة إقليمية استراتيجية جديدة إلى جانب ما يجري في العراق وسوريا، ومن هذا المنطلق نلاحظ في الفترة الأخيرة كيف انتعشت حركة الغواصات النووية الإسرائيلية في السواحل السعودية المحاذية للبحر الأحمر لأهداف عديدة الأمر الذي أثلج صدر حكومة الرياض وأثار استغراب وسخط البلدان المستقلّة في المنطقة.
وبكلّ تأكيد فإنّ ما يجري في اليمن من أحداث بطبيعة الحال من شأنها أن تنصبّ في مصلحة محور المقاومة وتهدّد المصالح الأمريكية والغربية ما حدا بالصهاينة والأمريكان بإصدار أمر لآل سعود لزعزعة أوضاع هذا البلد خشية قلب المعادلة ومواجهة خسارة استراتيجية فادحة. 


حنيف عبد الله - باحث عراقي وخبير في الشؤون العسكرية




موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه