كَثُر الحديث في الآونة الاخيرة في المنابر الاعلامية والسياسية عن ما يسمى "معركة القلمون"، ونسجت حولها الكثير من الروايات العسكرية والامنية، وصولا الى أعداد المقاتلين وتوقيت ساعة الصفر وغيرها من الامور.
كَثُر الحديث في الآونة الاخيرة في المنابر الاعلامية والسياسية عن ما يسمى "معركة القلمون"، ونسجت حولها الكثير من الروايات العسكرية والامنية، وصولا الى أعداد المقاتلين وتوقيت ساعة الصفر وغيرها من الامور اللوجستية تحضيرا لـ"المعركة الكبرى".
والبحث في معركة القلمون جاء تزامنا مع ما سبق ان اسماه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احد خطاباته بـ"ذوبان الثلج" على الجبال على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا، حيث نبه السيد نصر الله يومها من خطورة التحضيرات الارهابية في تلك المنطقة وخطر أية اعتداءات مفترضة على القرى الحدودية كما على الداخل اللبناني، وترافق ذلك مع طرح السيد نصر الله لما يسمى "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب".
ورغم ان الارهاب يهدد الجميع في لبنان دون استثناء، ولا يفرق بين 8 او 14 آذار، ولا يستثني من يحاول احيانا التبرير له من خلال دفع كرة المخاطر باتجاه محور المقاومة ومحاولة الايحاء بأن هناك من استجلب الخطر الارهابي الى لبنان، فإن آلية الاستجابة على الصعيد الوطني في لبنان بالنسبة لمهمات استراتيجية هي بطيئة نسبيا وليست على المستوى المطلوب، فرغم كل هول الاجرام الذي تمارسه الجماعات الارهابية حتى بين أبناء جلدتها فإن هناك في لبنان من ما زال يتحدث عن سياسة "النأي بالنفس" مثلا عما يجري حولنا في المنطقة.
فإذا ما أراد الارهاب ان يستهدفنا ماذا نقول له لا تأت الى لبنان فنحن نريد ان ننأى بأنفسنا عنك وعن اجرامك؟ وباتباع هذه النظرية ماذا يمكن ان نحضر للمواجهة في معركة القلمون هل علينا كتابة قصيدة شعرية او مطالعة قانونية او فتح منبر سياسي للرد على المجرمين الارهابيين؟ أليس كان الاجدى بمن أضاع كل هذا الوقت باختراع المعارك الوهمية والبحث عن انجازات على الشاشات من خلال التصويب على المقاومة والتهجم على الحوار بين الافرقاء في لبنان، أليس الافضل له ان يؤسس لتفاهم سياسي عام في لبنان لمكافحة الارهاب وتوقف البعض عن تقديم الدعم للجماعات الارهابية سياسيا وماليا واعلاميا؟؟
وبغض النظر عن قرب بدء المعركة في القلمون من عدمه، ما هي الاستراتيجية او حتى الخطوات التي أعدها لبنان لمواجهة المجموعات الارهابية في هذه المعركة؟ وكيف حصّن لبنان جيشه واجهزته الامنية وشعبه والداخل بشكل عام؟ وهل ستقوم المقاومة بمواجهة الارهاب بينما يستمر البعض في القصف عليها والتطاول عليها رغم انها تقدم الشهداء للدفاع عن كل لبنان؟ ام ان الجميع في لبنان سيقفون صفا واحدا كالبنيان المرصوص دعما لكل من يدافع عن اللبنانيين وارضهم؟
وماذا حضّر لبنان وسياسيوه واجهزته الامنية والعسكرية لمواجهة خطر الارهاب الذي يلوح من جبال القلمون؟ هل فتحت القنوات مثلا للتنسيق مع سوريا الذي ينطلق منها خطر هذه المجموعات؟ ام استمر تعنت البعض في رفض التنسيق اللبناني السوري لمواجهة الارهاب التكفيري؟ فلمصلحة من ان يواجه لبنان وحده الارهاب بدون هذا التنسيق؟
وماذا فعل رجال الدين مثلا لتوعية الناس وتثقيفهم ضد الارهاب والتفكير؟ وهل جرت محاولات لاقناع الناس بمخاطر السير خلف الافكار المدمرة للتكفيريين؟ هل قامت وسائل الاعلام المختلفة من كل الاتجاهات بدورها في هذا المجال؟ هل الاحزاب اللبنانية ومعها الجامعات والمدارس والنقابات والجمعيات اقامت الندوات او المؤتمرات لاظهار سوء المعتقدات الوهابية الارهابية التكفيرية وانعدام سبل بقائها واستمراريتها؟ وبالتالي اين لبنان الدولة والمؤسسات والرأي عام والشعب من كل ذلك؟
حول كل ذلك توجهنا بالسؤال الى المحلل السياسي اللبناني سركيس بوزيد الذي لفت الى ان "دعوة السيد نصر الله للوصول الى استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب كانت صائبة وبمحلها لان الهدف منها هو تشكيل جبهة وطنية عريضة واسعة عابرة للطوائف والمناطق والتكتلات الحزبية لمواجهة الارهاب"، واعتبر انه "لو تمت الاستجابة لدعوة السيد نصر الله كان من الممكن إعادة انتاج الوحدة الوطنية اللبنانية المهزوزة اليوم نتيجة الفرز السياسي والطائفي الحاد والتباعد بين بعض القوى السياسية".
واشار بوزيد الى انه "كي يستطيع لبنان مواجهة الخطر الارهابي فهو بحاجة لوحدة موقف بين الجيش والمؤسسات العسكرية والامنية من جهة وبين الاطراف السياسية الفاعلة في هذا الموضوع من جهة ثانية وبين الشعب اللبناني من جهة ثالثة"، واسف ان "الاصطفافات السياسية والطائفية ما زالت قائمة في لبنان رغم وجود اتجاهات متباينة في 14 آذار حول مواجهة الارهاب لاسيما ان القوى المتطرفة بدأت تأكل من شعبية هذا الفريق الذي يواجه عدم رؤية او ضبابية في الرؤية على مستوى القيادة بالنسبة لمواجهة الجماعات الارهابية".
ورأى بوزيد ان "التحديات التي تواجه لبنان الآن وخاصة التحدي الارهابي ومن ضمنها معركة القلمون تفرض على لبنان تأكيد التشبث بمجموعة من الثوابت الوطنية وفي طليعتها الحفاظ على الكيان اللبناني والدولة فيه امام العدو الارهابي الخارجي الذي يهدد وجوده"، وشدد على "ضرورة الاتفاق على أسس ثابتة للحفاظ على الوحدة الوطنية في لبنان انطلاقا من دعوة السيد نصر الله لمكافحة الارهاب"، مؤكدا ان "الخطر الارهابي يؤدي تلقائيا الى تلاحم بين الجيش والشعب والمقاومة ويزيد من التعايش بين اللبنانيين".
وبخصوص دور الجيش اللبناني في مواجهة الارهاب لاسيما في معركة القلمون، قال بوزيد إن "الجيش يقوم بدوره ضمن القدرات المتوفرة له ولكن كي يقوم بدوره على اكمل وجه يجب توفير الدعم السياسي والمادي والمعنوي له"، ولفت الى ان "المؤسسة العسكرية تحتاج اولا لقرار سياسي وطني جامع ما يجعل الجيش يقوم بمهامته بشكل افضل واقوى واتمّ لانه محصن بقرار وطني جامع"، واشار الى انه "يجب على الحكومة الوقوف بشكل كامل ودائم مع الجيش ودعمه معنويا وماديا".
وسأل بوزيد "لماذا لا يحصل الدعوة لتعبئة عامة عسكرية او تشكيل ما يمكن ان يسمى انصار الجيش اللبناني او العودة لخدمة العلم او دعوة الاحتياط من الجيش كي يشارك اكبر شريحة ممكنة من اللبنانيين في دعم الجيش وفي مواجهة الارهاب وكي يصبح هذا الامر أولوية وطنية بامتياز لجميع افراد الشعب"، ورأى ان "الخطوة الاخيرة والمهمة تكون تأمين السلاح اللازم للجيش كي يقوم بمهمته على اكمل وجه"، واشار الى انه "رغم كل الوعود لم تصل الى الجيش الاسلحة اللازمة والمطلوبة حتى الآن"، محذرا من انه "اذا لم يكن هناك استنفار جدي وطني لمواجهة هذا الخطر الارهابي فإن مصير الدولة والكيان في لبنان على المحك".
وحول التنسيق مع سوريا، تساءل "كيف سيقاتل الجيش اللبناني وليس لديه القرار بالتنسيق مع الجيش السوري الذي يقاتل نفس الارهاب أي نفس الخطر"، وأكد على "وجوب ان ينسق الجيش اللبناني مع المقاومة لا ان يكون التنسيق بشكل خجول او ضمني"، واضاف "بمنطق الامور ان القوى التي تواجه نفس العدو يجب ان تنسق فيما بينها لذلك يجب ان يكون هناك تنسيق جدي بين الجيش اللبناني والجيش السوري والمقاومة باعتبار انها تواجه وتقاتل نفس العدو الارهابي الآتي من كل اصقاع العالم وليس فقط من منطقة جغرافية محددة او دولة بعينها".
الاكيد ان لبنان يجب ان يواجه الارهاب بكل مكوناته او بالحد الادنى بمعظم مكوناته إن أراد البعض "التنحي" عن القيام بواجباته في هذا الاطار، وبما الشعب اللبناني سيواجه كعادته الارهاب وهو طالما فعل ذلك ضد كل المعتدين على وطنه، فإن الجيش اللبناني قدم ويقدم الشهداء في مواجهة هذا الارهاب ليثبت بالدم وقوفه لتحصين حدود لبنان، تبقى المقاومة الحاضرة دوما في كل الميادين حيث يجب ان تكون للدفاع عن شعبها وبلدها، ما يعني بواقعية ان ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة" تبقى صالحة لحماية لبنان أمام العدو التكفيري كما هي امام العدو الاسرائيلي.