اسامة بن لادن وأبو مصعب السوري في جبال تورا بورا في افغانستانمن معسكر الفاروق في أفغانستان، ظهر إلى العلن تنظيم عالمي، يتبنى نظريات "الجهاد" ضد الولايات المتحدة الأميركية، والأنظمة العربية المتعاملة معها.
احمد فرحات
من معسكر الفاروق في أفغانستان، ظهر إلى العلن تنظيم عالمي، يتبنى نظريات "الجهاد" ضد الولايات المتحدة الأميركية، والأنظمة العربية المتعاملة معها، تحت شعارات الولاء والبراء لمحمد بن عبد الوهاب، وعلى مبادى "مفاهيم ينبغي أن تصحح" للسيد قطب.
محطات كثيرة تنقلت بها هذه الجماعة، وبعد تلقيها الضربة الأشد بعد سقوط تنظيم طالبان في العام 2001، بدأت بالتفتيش عن ملاذات أكثر أمناً، في العراق واليمن وسوريا، وغيرها من المناطق العربية.
في سوريا، التي يحب أن يدعوها أنصار هذا التيار بـ "الشام"، تخبط تنظيم القاعدة، في خلافات ومواجهات داخلية، "شرعية" وعسكرية، حطمت رغبات الزعيم الحالي أيمن الظواهري، وشتت المناصرين، بين داعش وجبهة للنصرة، وبين أحرار الشام، وجماعات كثر، لكل منها شرعها، ومنهجها، وكل يدعي الإنتماء إلى "السلفية".
هذه الإخفاقات في مشروع القاعدة التكفيري، دفعتها إلى تعديل سلوكها على اساس براغماتية سمحت له بالتعامل مع معظم الأحداث التي دارت في المنطقة العربية في الآونة الأخيرة.
ومن المنظرين الذين اعتمدوا "الحرب الناعمة" في الدعوة إلى السيطرة على مقدرات الشعوب المدعو عبد الله بن محمد، الذي وضع نظرية "حرب العصابات السياسية"، وهي من أخطر ما استطاع الفكر التكفيري التوصل إليه، على المستويين الخطابي والعملاني.
ويرى هذا المنظر التكفيري، أنه لكل "صراع بشري مفاتيح للنجاح تناسب وقته"، وأن "أساليب الحكم القديمة لا تناسب عصرنا الحديث بسبب تطور الفكر السياسي حول دور الأنظمة واحتياجات وحقوق الشعوب وسطوة النظام الدولي".
وتقوم هذه النظرية، على سيطرة الحركات المسلحة على مفصال الحكم والجيش والمؤسسات في مجتمع ما، وإنشاء تحالف سياسي مع الآخرين، والسماح لبعض الأحزاب والقوى المحلية المقبولة لدى النظام الدولي بتصدر واجهة الحكم. وهنا يتمترس تنظيم القاعدة خلف هذه القوى، مقابل دعمها ومنع القضاء عليها.
ونجد لهذه النظرية تطبيقا عمليا في سوريا، حيث تقوم حركة "أحرار الشام"، بوصفها حركة معتدلة ومقبولة لدى الأطراف الغربية بالإدارة السياسية، وتتمترس خلفها جبهة النصرة، في ثنائية تعبر متطورة، عن تلك التي كانت في أفغانستان قبل العام 2001، بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة.
التمكين في العصر الحديث
واتبع بن محمد نظريته "حرب العصابات السياسية" بأخرى هي "التمكين في العصر الحديث"، اعتبر فيها أن مشكلة التيار الجهادي مع مصطلع التمكين تكمن في أنه يختصره في السيطرة المسلحة"، ودعا إلى تخطي العقبات التي تحول دون الدخول في التريبات السياسية مع بقية القوى في المجتمع.
وتعتبر هذه النظرية إنقلاباً في الفكر القاعدي، الذي انتهج العنف المسلح الذي عبر له المدعو "أبو بكر ناجي" في كتابه "إدارة التوحش"، وهذا ما يضع هذا الفكر في مرحلة جديدة، قد ينبثق عنها بما يشبه "جيش سري" داخل الإدارات الحكومية والمؤسسات العسكرية والأمنية، في الدول الإسلامية.
وهذه النظرية تعتبر إحدى مخرجات ما يسمى "الربيع العربي" بالنسبة لتنظيم القاعدة، والتي اعتبرها "قفزة ماراتونية لم تكن تخطر على قلب بشر"، بحسب بن محمد في كتاب آخر له، صدر في العام 2011، في إنطلاقة الأحداث في المنطقة العربية.
وفي هذا الكتاب الصادر تحت عنوان "الجمع القيم لسلسلة المذكرة الإستراتيجية"، ركز عبد الله وهو أحد أبرز منظري تنظيم القاعدة، على الفوضى المتلازمة لنجاح أي مشروع تكفيري، داعياً إلى استغلال حاجة السكان إلى الحاجات الأساسية، بعد تأمينها لهم، واستثمار ذلك في كسب التعاطف الشعبي.
وحدد هذا المنظر ذو التأثير على بعض قادة الحركات المسلحة، ساحتي "الشام واليمن"، منطلقاً للتحرك في نظرية الذراعين، بالإعتماد على حشد وتركيز الطاقات في تلك المنطقتين، "مع تحويل باقي الجبهات كالعراق وغيرها إلى مراكز دعم وامداد بشري وفني".
وعن كيفية الوصول إلى الهدف بالسيطرة على الشام واليمن وإقامة "الخلافة"، يشدد الكاتب على اهمية امتلاك الأسلحة والذخائر، وذكّر بأن اول عمل قامت به القاعدة في اليمن بعد اندلاع الثورة ضد علي عبد الله صالح، هو الإستيلاء على مصنع ومخزن للذخيرة في أبين.
وبعد الإنتهاء من مرحلة القتال، تبدأ مرحلة التمكين، بالسيطرة على مناطق واسعة (إقليم أو محافظة)، بناءً على اختيار مسبق لأفضلية الموقع الجغرافية والبشرية، وتعيين مجلس محلي لإدارة شؤون هذا الإقليم، وتكون هذه المنطقة قاعدة للإنطلاق إلى مناطق أخرى.
ووضع تنظيم القاعدة الخطوات العملية لتحقيق مشروعه، وقسمها إلى 3 مرحل، "التأمين الدعائي" و"التأمين الذاتي"، و "التأمين الإستراتيجي".
وخط التأمين الإستراتيجي لخلافة تنظيم القاعدة، بحسب صاحب كتاب "الجمع القيم لسلسلة المذكرة الإستراتيجية" سيكون ممتداً من الشام إلى اليمن، والذي يربط المخازن البشرية للمنطقة، وهي أهل الشام ومصر واليمن.
وإذا تمت إقامة "الخلافة" لمسلحي تنظيم القاعدة، تكون الخطوات اللاحقة على الشكل التالي بحسب اهميتها:
1- إغلاق قناة السويس وتضييق باب المندب.
2- تدمير صناعة النفط.
3- تهجير الأقليات.
ويقول منظر تنظيم القاعدة عبد الله بن محمد إنه يجب جعل الشام ثاني منطقة محظورة على غير المسلمين بعد جزيرة العرب، بحجة ان هذه الأقليات فرضها الواقع العسكري والثقافي الذي رسمته القوى الكبرى.
ويحاول تنظيم القاعدة التكيف مع المتغيرات الدولية، والتمايز عن ممارسات تنظيم داعش "ابنه الشرعي" في المنطقة، من خلال اعتماد نظريات، تهدف فيما تهدف إليه إلى طمس الجرائم التي ارتكبها وما زال في سوريا والعراق واليمن، خصوصاً بعدما ضاق الشعب السوري بممارسات جبهة النصرة "تنظيم القاعدة في بلاد الشام"، وخرج في تظاهرات وحمل السلاح ضدها في أكثر من منطقة.