28-11-2024 02:50 PM بتوقيت القدس المحتلة

محمود رمضان لموقع المنار: لهذه الأسباب استقال أنطونيو كاسيزي...

محمود رمضان لموقع المنار:
لهذه الأسباب استقال أنطونيو كاسيزي...

شكّك الخبير في القانون الدولي والمستشار القانوني أمام المحكمة العليا في نيويورك الدكتور محمود رمضان بالسبب الصحي الذي استندت إليه المحكمة الخاصة بلبنان لتبرير استقالة رئيسها القاضي أنطونيو كاسيزي.

حسين عاصي

السبب الصحي ليس كافياً.. حتى لو كان قائماً!
كاسيزي ارتكب أخطاء فادحة ووقع في المحظور
لو كان السبب الصحي دقيقاً لكانت الاستقالة تامة
كاسيزي تعرّض لضغوط لاعادة إحياء قرار الاتهام
مهما عظُمت الضغوط يبقى لدى القاضي ضمير
المحاكم الدولية عامةً غير منزّهة ولا تحكم بالقانون
استقالة كاسيزي لن تترك أثراً والبديل جاهز دائماً
لماذا لا تقدم عائلة الحريري على تمويل المحكمة؟
يمكن للبنان عدم تمويل المحكمة بذريعة العجز...
اللبنانيون يريدون الحقيقة ولكن.. ليس كيفما كان!

شكّك الخبير في القانون الدولي والمستشار القانوني أمام المحكمة العليا في نيويورك الدكتور محمود رمضان بالسبب الصحي الذي استندت إليه المحكمة الخاصة بلبنان لتبرير استقالة رئيسها القاضي أنطونيو كاسيزي، موضحاً أنّ هذا السبب حتى لو كان قائماً فهو ليس كافياً ليستقيل كاسيزي، لافتاً إلى أنه لو كان صحيحاً، لكان كاسيزي استقال نهائياً من المحكمة ولم يواصل عمله فيها كقاض في غرفة الاستئناف.
وفي حديث خاص لموقع "المنار" الالكتروني، تحدّث الدكتور رمضان عن عددٍ من الأسباب غير المعلَنة وراء استقالة كاسيزي، لافتاً إلى وجود بعض الأمور والقضايا التي لم يفصل فيها كاسيزي، ملمّحاً إلى أنّ رئيس المحكمة المستقيل يمكن أن يكون قد تعرّض لضغوط لاعادة إحياء القرار الاتهامي بإضافة أسماء مسؤولين في دول عربية شقيقة ولا سيما سورية كما لتجريم المتّهمين الذين لا يزالون قيد الشبهة، وهو الأمر الذي أوقعه في الحيرة خصوصاً أنّ القاضي ومهما عظُمت الضغوط عليه يبقى لديه جزء من ضمير يمنعه من محاكمة الأبرياء.
وتوقّف الدكتور رمضان عند ملف تمويل المحكمة الدولية، مشيراً إلى أنّ الدولة اللبنانية يمكنها أن تتذرّع بأنها عاجزة عن تسديد خدمة الدَّين المترتّب عليها، مقلّلاً من شأن ما يُحكى عن عقوبات ستفرَض على لبنان بحال لم يتقيّد بالتمويل. ولفت إلى وجود جهات معنية باستشهاد الرئيس رفيق الحريري أكثر من غيرها، في إشارة إلى عائلته، متسائلاً لماذا لا تقدم العائلة الكريمة التي تمتلك من المقدرات ما لا تمتلكه الدولة ربما على المساهمة في التمويل. وشدّد على أنّ اللبنانيين يريدون الحقيقة والعدالة، ولكنهم لا يريدونها كيفما كان وبالاستناد إلى خزعبلات على غرار الاتصالات.

السبب الصحي ليس كافياً
الخبير في القانون الدولي الدكتور محمود رمضان توقف في حديثه لموقع المنار عند استقالة رئيس المحكمة الدولية القاضي أنطونيو كاسيزي من منصبه كرئيس للمحكمة وخلفياتها ودلالاتها. وفيما أكّد أنّ هذه الاستقالة ليست الأولى على صعيد هذه المحكمة، لفت إلى أنّ الاستقالات السابقة لم تكن على مستوى القضاة بل على مستوى الاداريين. وأشار إلى أنّ هناك سبباً معلَناً لهذه الاستقالة وهو السبب الصحّي، الذي يمنع القاضي كاسيزي من القيام بمهامه كرئيسٍ للمحكمة ومما يتوجّب عليه قضائياً وقانونياً. وفيما فضّل التريّث قليلاً قبل إصدار الأحكام في ما يتعلق بالأسباب غير المعلَنة، أشار إلى عدد من النقاط التي يمكن استخلاصها من خلال استعراض رئاسته للمحكمة، وأوّل هذه النقاط أنّ السبب الصحي ليس كافياً لتبرير الاستقالة حتى لو كان قائماً، علماً أنّ الدكتور رمضان شكّك في أنّ هذا السبب قائم بدليل أنّ القاضي كاسيزي لا يزال عضواً في المحكمة، ولو كان هذا السبب صحيحاً، لكان استقال من المحكمة بصورة نهائية.
وفي سياق الأسباب غير المعلَنة التي يمكن استخلاصها للاستقالة، لاحظ الدكتور رمضان وجود بعض الأمور والقضايا التي لم يفصل فيها كاسيزي كرئيس للمحكمة ولا سيما الطلب المقدّم من المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيّد والمتعلق بالحصول على مستندات التحقيق التي تستند إلى أقوال بعض الشهود الذين زوّروا الحقيقة، علماً أنّ كاسيزي وبدلاً من أن يحسم الموضوع كرئيس للمحكمة حوّل الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مرتكباً بذلك خطأً فادحاً، وإن حاول التراجع عنه في اليوم التالي، فصحيح أنّ المحكمة قامت بقرار دولي ولكنها يجب أن تمارس عملها بحرية، إذ إنّ القاضي لا يمكن أن يخضع لمؤثرات من هنا وهناك بل يجب أن يخضع لقناعته أولاً وأخيراً. وأشار الدكتور رمضان إلى وجود أمور أخرى لا تزال غير مبرّرة وغير واضحة بالنسبة لمسار المحكمة، لافتاً في هذا الاطار إلى ما أشيع وما ثبت عن كاسيزي نفسه الذي عاد للتدريس الجامعي حين انتهت مهمته كمدّعٍ عام بمحكمة كوسوفو، حيث أشار إلى أنه لا يوجد في التاريخ محكمة دولية غير مسيّسة، وكذلك عندما اضطر إلى استصدار عدة قرارات صادرة عن المحكمة بأن تكون الدولة اللبنانية هي المسؤولة عن التبليغ وكأنها ساعي بريد لا أكثر. وذكّر بقرار القاضي كاسيزي بأنّ المحكمة يمكنها أن تقبل شهادة الشهود الخطية في محاولة منه لحماية الشهود، معتبراً أنّ هذا القرار لم يكن سوى بدعة وهرطقة تخالف الشرعية الدستورية، مشدداً على أنه وقع في المحظور بإقرارها.

كاسيزي وقع في حيرة..
الدكتور رمضان أعرب عن اعتقاده بأنّ رئيس المحكمة المستقيل يريد أن لا يكون تحت الضوء بل أن يكون قاضياً عادياً بمعنى أنه لا يريد تحمّل المسؤولية، علماً أنّ مسؤولية رئيس المحكمة كبيرة وغير محدودة. وأعطى مثالاً على ذلك ما يتعلّق بمحاكمة الشهود الذين اعترف المدّعي العام للمحكمة بأنّ شهادتهم غير دقيقة ورغم ذلك لم يشر أحد إلى وجوب إحالتهم على الأقل للتحقيق، وهنا يتحمّل رئيس المحكمة جزءاً كبيراً من المسؤولية.
وتحدّث رمضان أيضاً عن العوائق التي تحول دون جلب المتهمين، وهؤلاء كما هو معروف لا يزالون قيد الشبهة ولم يظهر عليهم حكم حتى الآن، ملمّحاً في هذا الاطار إلى أنّ ثمة من يضغط على القاضي كاسيزي لكي يتخذ قراراً بإدانتهم وتجريمهم حتى قبل المحاكمة، هذا إذا لم يكن حكم بحقهم قد صدر فعلاً. أما الأخطر من كلّ ذلك فهو، بحسب الدكتور رمضان، أن يكون قد تعرّض لضغوط لاعادة إحياء الملف الاتهامي، نظراً لما يحصل في المنطقة من أحداث وتطورات، وذلك عبر إضافة أسماء جديدة على لائحة المتهمين ويمكن أن يكون من بينهم مسؤولون في دول عربية شقيقة وتحديداً في جارتنا سورية وذلك بالتزامن مع الأحداث التي تشهدها في هذه المرحلة.
ورأى الدكتور رمضان أنّ ما سبق يمكن أن يكون قد أوقع القاضي كاسيزي في حيرة، فهو بالنتيجة قاضٍ، والقاضي مهما عظُمت الضغوط عليه يبقى ثمة جزء من ضمير لديه، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يقبل بمحاكمة أبرياء. ولفت في هذا السياق إلى أنّ المحاكم الدولية عامةً ليست منزّهة فهي لا تحكم بالقانون، كما أنّها تبتعد كثيراً عن الحكم بنزاهة. وباعتبار كاسيزي قاضياً معروفاً وتاريخه يشهد له، اعتبر الدكتور رمضان أنه يمكن أن يكون فضّل أن يكون بعيداً نظراً لما يمكن أن تشكّله له هذه المحكمة من إحراج.

البدائل حاضرة..
وفي سياق استعراضه للأسباب غير المعلَنة لاستقالة كاسيزي، لفت الدكتور رمضان إلى أنّ رئيس المحكمة المستقيل هو أيضاً على بيّنة مما يحصل في لبنان من اختلاف ليس فقط في وجهات النظر على التمويل بل اختلاف جذري حول شرعية ومشروعية المحكمة برمتها، خصوصاً أنها صدرت بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة وهي لا تمتلك المشروعية التي تستكمل من خلالها قانونيتها ودستوريتها، كما أنّ إجراءات إنشائها لم تكن سليمة، إذ إنها محكمة خاصة بلبنان وليست محكمة دولية بالمعنى المطلق، وهي تشكّلت بموجب طلب من جهة لبنان لم تكن تمتلك حتى الشرعية المطلوبة، في إشارة إلى حكومة فؤاد السنيورة غير الدستورية. وإذ أقرّ بأنّ هذا الطلب اقترن بتوقيع عدد كبير من النواب، لفت إلى أن الوسائل الدستورية لم تعتمَد في تشكيلها، كما أنّ مجلس النواب لم يناقشها. ورأى الدكتور رمضان أن رئيس هذه المحكمة يعرف تمام المعرفة أنّه يمكن أن يحدُث شرخ في لبنان يؤدي إلى ما لا تُحمَد عقباه نتيجة هذه الخلافات حول التمويل ومسار المحكمة وهو كرئيس لها يحاول تجنّب هذا الشرخ.
وخلص الدكتور رمضان إلى أنّ السبب الصحي حتى لو كان قائماً فهو ليس كافياً إطلاقاً ليستقيل رئيس المحكمة، وهو لو كان صحيحاً، لكان دفع بالقاضي كاسيزي للاستقالة من المحكمة بصورة نهائياً وليس لاستئناف عمله كقاض في غرفة الاستئناف، كما ذكرت المحكمة في بيان الاستقالة. ورداً على سؤال عمّا إذا كانت هذه الاستقالة ستترك أثراً على مسار المحكمة وطبيعة عملها بشكل عام، استبعد المستشار القانوني أمام المحكمة العليا في نيويورك ذلك بصورة قطعية، مؤكداً أن هذه الاستقالة لن تترك أثراً على الاطلاق باعتبار أنّ البديل جاهز دائماً، موضحاً أنّ الذي يعيّن القضاة وخصوصاً الأجانب منهم لديه دائماً البدائل.

لموقف لبنان صلب..
وفي سياق متصل، شدّد الدكتور رمضان على وجوب أن يكون الموقف اللبناني صلباً وصامداً، داعياً الحكومة اللبنانية للعودة إلى البروتوكول الموقّع بين الدولة اللبنانية ومنظمة الأمم المتحدة حول الاجراءات، لافتاً إلى أنّ المادة الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من هذا البروتوكول تجيز للدولة اللبنانية أن تطلب إعادة النظر بالقرارات التي تصدر عن المحكمة بشكل أو بآخر، بعيداً عن القول بأنّ لبنان يتقيّد بما يُسمّى المجتمع الدولي وما إلى ذلك من الفذلكات والبدَع لتمرير أجندات معيّنة، لافتاً إلى أنّ هذه المحاكِم تعتبَر عصا غليظة بوجه سائر الحكومات والأنظمة.
وانطلاقاً من هذه المبادئ، قارب الدكتور رمضان موضوع تمويل المحكمة، متحدثاً عن طريقين ليسا خافيين في عملية التمويل، فإذا امتنع لبنان عن التمويل، ثمّة دول يمكن أن تعوّض عدم تمكن لبنان من التمويل وهذا أمر بديهي. وأوضح أنّ الدولة اللبنانية يمكنها أن تتذرّع بأنها عاجزة عن تسديد خدمة الدَّين المترتّب عليها، داعياً للنظر لما جرى في اليونان والبرتغال وغيرها من الدول الأوروبية، مشيراً إلى أنّ أزمة لبنان أكبر من هذه الدول نظراً لعدد سكّانه ومساحته. وشدّد على أنّ هذا الشعب المسكين لا يمكن أن يُرهَق بزيادة أعباء فوق أعباء.

فلتموّل عائلة الحريري المحكمة!
وفي سياق متّصل، لفت الدكتور رمضان إلى وجود جهات معنيّة أكثر من غيرها باستشهاد الرئيس رفيق الحريري، ولا سيّما عائلته، متسائلاً لماذا لا تقدِم عائلته على تقديم بعض من هذا التمويل وهي المعنية بالقضية مباشرةً ولأننا ملتزمون بالقانون الدولي وبما يُسمّى المجتمع الدولي. وسأل لماذا لا تُقدِم العائلة الكريمة التي تمتلك من المقدرات ما لا تمتلكه الدولة ربما على المساهمة في التمويل.
وقلّل الدكتور رمضان من شأن التهويل بعقوبات ضدّ لبنان في حال لم يلتزم بالتمويل، لافتاً إلى أنه إذا لم يتأمّن مصدر التمويل لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى عائلة الحريري، بإنّ بالامكان البحث عنه في مجالات أخرى حيث يتولى الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون إرسال نداء للعالم لتمويل هذه المحكمة التي تسعى لترسيخ الحقيقة. وشدّد على أنّ العقوبات ليست واردة، لافتاً إلى أنّ قسماً كبيراً من الشعب اللبناني أثبت التزامه بالشرعية الدولية والمحكمة. وسأل: "ضدّ من ستفرَض العقوبات؟ وما هو نوع العقوبات؟ وعلى من؟ وهل المصارف هي المسؤولة؟ وهل الدولة التي أبدت كل استعداد لتمويل المحكمة ولكن عجزت عن ذلك بسبب إمكانياتها هي المسؤولة؟". ولفت إلى أنّ لبنان مرهَق بمبالغ طائلة، مشيراً إلى أنّ قسماً كبيراً من الشعب اللبناني يبحث عن وسيلة لتأمين الرزق اليومي، منبّهاً إلى أنّ أكثر من سبعين في المئة من الشعب اللبناني هم في وضعٍ دون الوسط.
وأكّد ختاماً أنّ اللبنانيين يريدون العدالة والحقيقة، مشيراً إلى أنّ كلّ اللبنانيين معنيّون بهذا الشأن ولكن ليس كيفما كان، وليس بالاستناد إلى خزعبلات من هنا وهناك على غرار موضوع الاتصالات فضلاً عن تغيّر الاتهام وتوسّعه بين الفينة والأخرى.