كي لا تستمر أكثر من اللزوم تلك المسرحية الإعلامية الزائفة المواكِبَة لهوية وأهداف "عاصفة الحزم"، وَجَب تكرار التوضيح أنها سعودية بامتياز مع تحالفٍ أميركي، لا بل أن أميركا انساقت خلف الرغبة السعودية في العدوان على اليمن.
أمين أبوراشد
كي لا تستمر أكثر من اللزوم تلك المسرحية الإعلامية الزائفة المواكِبَة لهوية وأهداف "عاصفة الحزم"، وَجَب تكرار التوضيح أنها سعودية بامتياز مع تحالفٍ أميركي، لا بل أن أميركا انساقت خلف الرغبة السعودية في العدوان على اليمن، وفق ما صرَّح به الدكتور نبيل خوري الرئيس السابق للبعثة الديبلوماسية الأميركية في اليمن لإذاعة "بي بي سي" يوم أمس، وانساق معها الحلفاء الأتباع للنظام السعودي، وجامعة عربية هزيلة دُعيت وتداعت في اليوم التالي لأخذ العلم وإضفاء شرعية غير شرعية على العدوان، والثابت أن ظروف وتوقيت إعلان هذه العاصفة هي محض سعودية عائلية، ولا علاقة لها بحماية الحرمين الشريفين ولا بالحرص على المقدَّسات الإسلامية، لأن هناك حرمٌ ثالث يتعرَّض للتهويد من العام 1948 ولم نجد هذه الشهامة بالدفاع عنه ولو كلامياً.
إن التوريث العائلي لدى النظام السعودي، تنتقل معه تلقائياً الكلمة الوصيَّة للمؤسس عبد العزيز بن سعود لأبنائه بأن "خيرُكم وشرُّكم من اليمن"، وهو السبب الأول الذي دفع الى التهوُّر والإرتجال في هبوب العاصفة، عندما شارفت القوات الحوثية ومعها الجيش والقبائل من مختلف التلاوين اليمنية على الوصول الى عدن، في وقتٍ كان الحوار جارياً بين المكوِّنات اليمنية كافة وبات المتحاورون على قاب قوسين من الإتفاق بمعزلٍ عن المبادرة السعودية السابقة، ونجاح هذا الحوار أكَّده المبعوث الأممي جمال بن عمر يوم تقديمه إستقالته تزامناً مع "عاصفة الحزم" التي عطَّلت كل حوار وأجَّجت العُنف على حدِّ قوله.
لماذا لم تنطلق "عاصفة الحزم" في عهد الملك عبدالله بعد فشل المبادرة السعودية، رغم التحوّلات اليمنية في الميدان؟ فلأن لكل فرعٍ من الأجنحة داخل العائلة السعودية حساباته الخاصة على حساب الأجنحة الأخرى، وقد تداولت وكالات الأنباء كلمة "السُّديريين" واستلامهم السلطة مع الملك سلمان، فظنَّ بعض العامة أن "السُّديريَّة" جناحٌ فكريٌّ أو سياسي له أفكاره الخاصة ضمن العائلة أو المذهب الوهَّابي، لكنه ليس أكثر من جناح يضمّ أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز من إحدى زوجاته الإثنتين وعشرين وهي الشيخة حصَّة السُّديري، والخلاف والصراع بين أجنحة العائلة الحاكمة ليس أبعد من قرابة الرحم بين الأخوة، وربما شاء الجناح السديريّ استعراض قوَّته عبر "عاصفة الحزم" أمام باقي الأجنحة.
يُضاف الى الخلفيات الداخلية السعودية، الحقد على إيران النووية، بدليل تزامن إنطلاق "عاصفة الحزم" مع أسبوع مفاوضات التفاهم بين إيران ودول "خمسة زائد واحد" مما يعني أن التصعيد ضدّ اليمن مستمرّ لنهاية يونيو/ حزيران، موعد البتّ بالملف النووي، ولو أن هذا التصعيد لم يشكِّل حتى الآن أكثر من إزعاج لإيران و"مراجل" سعودية في غير محلِّها، لأن الخطوط الإيرانية الحُمر لن تُقاربها دول التحالف وإلّا فإن الثمن سيكون باهظاً على المملكة وحتى على العرش.
ثم أن هناك نوعٌ من الإرتجال الأحمق في المجاذفة السعودية، فلا تجربة العثمانيين الذين سقطوا على أعتاب اليمن ولا تجربة عبد الناصر، كانتا كافيتين لردع النظام السعودي عن هذه المُغامرة، رغم علمه بطبيعة اليمن الوعِرة من ناحية، وبتاريخ وطباع الشعب اليمني من ناحية أخرى، وإذا كان الطيران قادراً على التدمير والتهجير والقتل، فإن الشعب اليمني لن ينقرض بالطائرات، والمغامرة بعملية برِّية لن تكون نزهة في بلدٍ تضاريسه وعِرة ولديه 1300 كلم من الحدود مع المملكة من ضمنها 450 كلم من الجبال العالية بمغاورها والكهوف وتطلّ على مناطق سعودية شاسعة في نجران وجيزان وعسير وجوارها، ثم أن الجيش اليمني الذي كان عديده نحو 60000 عنصر، 60% منه موالي للرئيس السابق علي عبدالله صالح و15% للرئيس المستقيل عبد ربّه منصور هادي وبقية العديد خلع البذلة العسكرية والتحق بعشائره، والحصيلة على الأرض حتى الآن يمنٌ مدمَّر وشعبٌ ليس لديه ما يخسره، وكوارث إنسانية وإجتماعية وإقتصادية سوف ترتدّ على الجوار السعودي قريباً جداً وعلى امتداد سنوات طويلة.
ومع دخول إحدى القبائل اليمنية واحتلالها مواقع عسكرية واستراتيجية في جنوب السعودية، تتَّضح ما ستؤول إليه عاصفة الحزم على مستوى العداء بين البلدين، وقصف ضريح مؤسس الحركة الحوثية في صعدة بأربع عشرة غارة يعكس التخبُّط السعودي في مغامرة الحزم ليس الآن بل من بدايتها، حيث أدَّت قنابل الغاز التي ألقيت على صنعاء الى الإعلان عن انتهاء العاصفة في 27 إبريل/ نيسان الماضي بهدف امتصاص نقمة المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الإنسان، فكانت "إعادة الأمل" أكثر فظاعة، ثم تَلَتها لائحة أهداف في "صعدة المدينة" و"مرَّان" حيث مساكن القيادات الحوثية المسؤولة عن الهجمات على الجنوب السعودي، الى أن تعالت صرخات المنظمات الإنسانية مجدداً، وتقرر تقديم عرض سعودي للشعب اليمني بهدنة إنسانية إعتباراً من يوم الثلاثاء 12 مايو/ أيار لمدة خمسة أيام، ووافق عليها الشعب اليمني بشخص السيد عبد الملك الحوثي، لكن بصرف النظر عن جدوى هذه الهدنة التي لا تكفي مدَّتها لتفريغ باخرة ونقل حمولتها الى مداخل المدن، فإن الأرياف والمناطق النائية سوف تتعالى فيها صرخات المشرَّدين والجائعين والمرضى وتزيد إرباك المعتدي ومن يقف خلفه من المجتمع الدولي.
السعودية خسِرَت معركة اليمن، لأن الحلّ لن يكون بعد كل هذه المجازر سوى توافق بين المكونات اليمنية على طاولة خارج الرياض، وسوف تتوقَّف العاصفة وتتكشَّف النتائج والإنعكاسات وتبدأ ردود الفعل الإنتقامية على جنوب المملكة، وقد تتخطاها الى الداخل مع وجود مليون يمني مقيم فيها وثلث الجيش السعودي يمني الأصل، مع ما سوف يترتَّب على النظام الحالي من تبعات أدبية داخلية، واهتزازات في موقعه الإقليمي، مع بقاء الرضى الدولي عن المملكة طالما هي أداة تنفيذية للغرب وإسرائيل وأكبر مستورد للأسلحة الأميركية، وطالما مساكين اليمن والعراق وسوريا باتوا حقل تجارب للسلاح الأميركي بأدوات العمالة...