المعركة وصلت إلى أوج ضراوتها، الجبهة اكتظت بكل أشكال العمل العسكري، من تقني واستخباراتي إلى التسليحي بأعلى درجاته، علاوة على العدد الذي كان لا بد من إعطائه هامشا أوسع من معارك سابقة عله يجدي نفعاً هذه المرة.
خليل موسى - دمشق
المعركة وصلت إلى أوج ضراوتها، الجبهة اكتظت بكل أشكال العمل العسكري، من تقني واستخباراتي إلى التسليحي بأعلى درجاته، علاوة على العدد الذي كان لا بد من إعطائه هامشا أوسع من معارك سابقة عله يجدي نفعاً هذه المرة، أما الحدود فقد فتحت على مصراعيها، والضخ الإعلامي بدأ بأغزر مجالاته، كل هذا جعل المعركة تأخذ زخمها، لكن لم تكن النتائج كما أراد المهاجمون، بل كانت الهجمة كما انسكاب الماء على الاسفنج.
الحكاية في جسر الشغور ظهرت للوهلة الأولى على هيئة ضربةً ثقيلة وموجعة، نفسيا وميدانيا، ولكن سرعان ما اتخذ الجيش السوري الخطوات المناسبة للحفاظ على إمكانية المواجهة والصمود، ومن ثم البدء بالهجوم المضاد وتحديد بداية للعد العكسي، فظهر مصطلح "إعادة التموضع" مرة جديدة في مصطلحات استخدمها الجيش العربي السوري، وهنا كانت الهجمة التي بدأتها جبهة النصرة بعد تدفق كبير بالعتاد والعديد من جهة الأراضي التركية باتجاه ادلب بعدها جسر الشغور.
في حوار خاص لموقع قناة المنار مع الخبير العسكري الدكتور حسن أحمد حسن، حول ما جرى في معركة جسر الشغور، شرح الدكتور حسن كيف تمت الواقعة وما الذي يجري، كما شرح مصطلح "إعادة التموضع" الذي شغل جميع الاوساط وسط ضجيج الحرب النفسية التي تجددت بعد عامين وبكثافة عالية، لنصل إلى أسباب الصمود الأسطوري الذي شغل الأعداء مثلما رفع من معنويات الشعب والأصدقاء.
الواقع الميداني في الشمال قبيل معركة جسر الشغور ..
بدأ الدكتور حسن حديثه عن أولوية الجيش العربي السوري حيث المعروف بأن الجيش العربي السورية ومنطقة انتشاره الأساسية هي باتجاه الجنوب أي العدو الصهيوني وبالتالي وجود الجيش في المناطق الشمالية والشمالية الشرقي كان وجود رمزي، مع بداية هذه الحرب المفروضة على الشعب السوري، وكان لا بد من نشر بعض الوحدات في المناطق التي شهدت تدفقاً للمسلحين، وخاصة المناطق الحدودية وبشكل أكثر خصوصية عبر الحدود التركية، الوحدات التي تم نشرها سواء في إدلب أو في جسر الشغور كانت على شكل نفاط تفتيش وحواجز ونقاط رصد ومتابعة ومفارز متباعدة، نشرت لتنفيذ مهمة محددة، "يعني أخذت ترتيب قتالي لتنفيذ مهمة محددة وهي منع العصابات المسلحة عندما تتقدم بالأفراد او بالعشرات أو بالمئات، من إمكانية إحداث اختراق في تلك المنطقة او تلك".
ولكن ما الذي حدث؟! ..
حدث تطور نوعي سواء في نوعية الأسلحة أو في نوعية المقاتلين وعددهم، وباعتراف قائد جبهة النصرة السعودي الجنسية "عبدالله المحيسني" الذي قُتل في معركة جسر الشغور، اعترف بإدخال 12 ألف مقاتل مسلح في الأسابيع الاخيرة عبر الحدود التركية، ومزودين بجميع أنواع الأسلحة، بما في ذلك دبابات راجمات صواريخ عربات نقل جنود، وصواريخ تاو الامريكية الصنع، فضلا عما يعرف في العلوم العسكرية بالحرب الالكترونية، أي عبر التشويش على الاتصالات، "او ما هو معروف بعصب المعركة الذي هو سلاح الاشارة"، للإشراف المباشر على العمليات.
أمام هذا الواقع الجديد يصف الخبير العسكري بقاء العناصر والوحدات العسكرية أنه "من الحماقة والجنون والغباء العسكري إبقاء الوحدات سواء التي تم نشرها في جسر الشغور أو إدلب"، والسبب هنا "نوع من دفعها للانتحار بكل ما في الكلمة من معنى" وبالتالي خسارة العناصر المقاتلة التي تشكل العامل البشري وهو الأهم، إضافة لضياع المواقع.
وهنا مما تقدم يصف ضيفنا القرار الذي اتخذ من قبل القادة الميدانيين "بقمة النباهة العسكرية، ومن منطلق المردودية والتكلفة فكان لا بد من إعادة التموضع".
ماذا يعني "إعادة التموضع" في العلم العسكري؟؟
يقول الخبير العسكري د. حسن أحمد حسن عن تجميع تلك القوات، يعني "أخذ وقفة تعبوية كما يسمى بالعلم العسكري"، أي "إعادة نشرها بترتيب قتالي، يتناسب مع الوضع المتشكل"، وهذا الوضع المتشكل الجديد هو الذي فرض "إعادة التموضع"، فكان قرار عسكري صائب 100% لما يتعلق بمنطلق العلم العسكري.
تبدأ المرحلة التالية في التموضع الجديد "بعد إعادة التموضع وأخذ ترتيب قتال، ودراسة الموقف المتشكل الجديد، وتنسيق التعاون بين مختلف وحدات وصنوف الأسلحة، والوحدات الداعمة سواء أكان دفاع وطني ولجان شعبية او الأصدقاء الذين يقفون إلى جانب الجيش العربي السوري"، بدأنا نشهد الانطلاق من هذا الواقع المتتالي الذي تم امتصاص الموجات المتتالية من الهجوم، وهكذا جرى تفريغ الهجوم من قدرته على الانتشار والتمدد، وقضى على احتمالية "تشكليه رأس سهم للانطلاق في كلا الاتجاهين الاساسيين الذين يمكن للمسلحين الخرق من خلالهما، والاتجاهين هما الغرب أي الساحل السوري، والخرق باتجاه الجنوب والجنوب الشرقي أي سهل الغاب وحماه، وكلا الاتجاهين كان على غاية كبيرة من الخطورة.
القادة الميدانيون من خلال دراسة الواقع هذا وصلوا، إلى قرار صائب لأن الخطر الأكبر كان يكمن باتجاه الجنوب الشرقي، أي باتجاه سهل الغاب وباتجاه الحدود الشمالية الغربية لحماه، وفي ضوء ذلك اتضح تزامن ما جرى في جسر الشغور، وهذا التصعيد الميداني في حماه من قِبل العصابات الإرهابية المسلحة ومحاولة إشعال أكثر من معركة معاً.
لكن القادة الميدانيين كانوا متيقظين لهذه النقطة، لذلك أخذوا بالحسبان أنه قد يكون هذا، أو يجب أن يكون هو الاتجاه الرئيسي، وفعلا كان ذلك، إلى أن تم تفريغ هجوم الإرهابيين من محتواه، ومنذ عدة أيام بدأنا نشهد انقلابا بالصورة ، سيطرة الجيش أو تقدمه برفقة الوحدات الداعمة بأكثر من قرية، والسيطرة على مجموعة من التلال الحاكمة وأهمها، قرية حطاب وتلها، وعدد آخر من البلدات والتلال التي يمكن من خلالها السيطرة على الطريق المؤدي إلى المشفى الوطني، وبدء إسقاطه ناريا، من ثم الانتقال والتقدم باتجاه جسر الشغور بشكل مدروس، والهدف الأساسي واضح، وبعده فعلا حدث هذا التقدم من أكثر من محور يحيط بجسر الشغور، بعدها حدث إقامة سدود نارية من قبل الجيش السوري، تمنع المسلحين من اختراق مشفى جسر الشغور.
الصمود الأسطوري أصبح واضحا..
يتابع الدكتور حسن في شرحه لموقع قناة المنار، "هنا نصل للحديث عن بضعة عشرات أو الحديث عن مئتين أو أكثر من الجنود الصامدين داخل المشفى، عندما نتحدث عن قدرة هذا العدد القليل على الصمود أكثر من نصف شهر، أمام مواجهة امواج متدفقة من الإرهابيين، ومواجهة عقول ضباط الاستخبارات التركية والبريطانية والإسرائيلية ممن يخططون لهذه المعركة، وفي مواجهة الانتحاريين، حيث تم إرسال جبهة النصرة لعربات مفخخة مدرعة أو ناقلات جند للتفجير أمام المشفى الوطني، لكن هذه الحامية العسكرية الأخيرة في المنطقة للجيش السوري والمطوقة تماما، والتي تتعرض لهجوم الآلاف، "منطقيا في العلم العسكري يجب أن تكون ساقطة عسكريا"، فماذا يعني أن تستطيع، هذه الحامية بأعداد قليلة التشبث بمواقعها والدفاع بكل عِناد ورجولة، ومنع المهاجمين الانتحاريين الذين أتوا ليموتوا، لن يفلح هؤلاء بدخول المشفى هذا المعقل الصامد، ولو دل هذا الموقف يدل على إرادة وانتماء وثقة بالنفس والدولة، وهم على يقين بأن الجيش والوحدات العسكرية الموجودة هناك في طريقها إليهم، إلى جانب التدريب عالي المستوى الذي تلقوه في خوض المعارك من هذا النوع.
وهذا ما يفسر صمودهم الأسطوري داخل المساحة المتكون منها المشفى الوطني في جسر الشغور فكانوا مثل الجزيرة وسط بحر من الإرهابيين.
من خلال ما يجري اليوم على الأرض في جسر الشغور، إن كان داخل المشفى الوطني، أو في محيط المدينة حيث يتقدم الجيش من عدة ثغور سيطر عليها، يكون وضع أكثر من مطمئن رغم كل التهويل الذي تم والأفكار التي كانت تتحدث عن اتجاه الساحل، فنرى انه كان شكلا من أشكال الحرب النفسية التي انتهت وفشلت مع بدايتها هذه المرة وقد تم تكرارها بعد عامين من أول استخدام كثيف لها في سورية، ولكن الشعب السوري استطاع تجاوزها والمضي باتجاه التضامن مع جيشه الذي كان أحدا العوامل المساعدة على تمتين الصمود وتقويته.