23-11-2024 02:04 PM بتوقيت القدس المحتلة

رحلة من بنين الى ليبيا املا بالابحار نحو حياة افضل في اوروبا

رحلة من بنين الى ليبيا املا بالابحار نحو حياة افضل في اوروبا

هربا من الحرب والفقر وبحثا عن حياة أفضل، يرمي عشرات آلاف المواطنين الأفارقة والآسيويين بأنفسهم في تهلكة السفر عبر البحار.

  هربا من الحرب والفقر وبحثا عن حياة أفضل، يرمي عشرات آلاف المواطنين الأفارقة والآسيويين بأنفسهم في تهلكة السفر غير الشرعي عبر البحار.

 آلاف المهاجرين غير الشرعيين لقوا حتفهم خلال السنوات القليلة الماضية غرقا قبالة سواحل القارة الاوروبية، التي يجدون فيها الملاذ الأخير لـ"حياة أفضل".

 
 يقف إلياس قرب الجسر نفسه في العاصمة الليبية منذ شهرين، في يده هاتف نقال وفي جيبه صورة لاعب كرة قدم شهير، ينتظر الحصول على عمل يجني منه مالا يعينه لاحقا على الابحار نحو أوروبا. يتسابق الياس إبن الـ18 عاما على العمل يوميا مع عشرات اخرين ينتظرون توقف سيارة في المكان ليهرعوا اليها، في رحلة عمل قصيرة غالبا ما تتخللها حالات من الاساءات اللفظية والجسدية.

 يقول الياس الآتي من بنين والذي يتحدث الانكليزية والفرنسية بطلاقة، في مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية، انه جاء الى ليبيا ليناضل من اجل مستقبله، مؤكداً أنه عندما يحصل على المال الكافي، سيذهب الى اوروبا. ويضيف "البحر خطير لكن عندما تاتي الفرصة ساذهب، احيانا نعبر البحر وننجح واحيانا نعبر البحر ونخسر".

 حال الياس في العاصمة الليبية طرابلس كحال آلاف آخرين، يأتون الى ليبيا التي تعصف بها الفوضى الأمنية ويعملون لاشهر حتى يتمكنوا من ادخار مبلغ يضعهم على متن مركب يبحر بهم بطريقة غير شرعية نحو السواحل الاوروبية القريبة، فهناك الجنّة بالنسبة لهم.

ويواجه هؤلاء ما ان يصعدوا على متن المركب ثلاثة احتمالات، اولها القبض عليهم في البحر واعادتهم الى البر ليخسروا بذلك كل ما انفقوه ويعاودوا العمل لادخار المال، وثانيها ان يتم انقاذهم ونقلهم الى اوروبا، واخرها غرق المركب والموت في البحر.

وفي طرابلس، يقيم الوافدون والراغبون بالهجرة في منازل وغرف صغيرة ويجدون انفسهم في مواجهة ظروف معيشية قاسية، علما ان المهاجرين الذين تم القاء القبض عليهم وعددهم نحو سبعة الاف في ليبيا حاليا يعيشون في مراكز ايواء تواجه السلطات صعوبات في التعامل مع احتياجاتهم فيها. 

 ويعيش الياس بحسب ما يقول مع ثلاثة اشخاص اخرين في غرفة صغيرة، يدفعون معا ايجارا شهريا من 150 دينارا "نحو 110 دولارات"، ويوضح "انام على سرير صغير جدا، وهناك حمام واحد في الغرفة احاول قدر المستطاع ان ابقيه نظيفا".

 ويقول الياس "عندما لا يكون هناك عمل اجلس في الغرفة واشاهد مباريات كرة قدم على هاتفي، احب فريق تشلسي الانكليزي، ولاعبي المفضل هو ديدييه دروغبا، صورته في جيبي دائما. كنت العب كرة القدم مع اصدقائي في بنين لكنني لم اعد افعل ذلك هنا، اشتاق الى كرة القدم كثيرا واشتاق الى اصدقائي اكثر".

 وتشير منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته قبل يومين الى ان "اللاجئين والمهاجرين في انحاء ليبيا يواجهون خطر الاغتصاب والتعذيب والخطف من اجل فدية من قبل المهربين، وايضا الاستغلال من قبل الافراد الذين يقومون بتوظيفهم".

 ويشرح الياس الذي ترك في بنين عائلته المؤلفة من ام واب واربعة اشقاء وشقيقتين بعدما عجز عن ايجاد عمل، ان العمل في طرابلس حيث يجني 50 دينارا "نحو 36 دولار" في اليوم " يكون جيدا في بعض الاحيان، وسيئا في احيان اخرى، يدفعون في مناسبات، ولا يدفعون في مناسبات اخرى. الامر يرتبط بشخصية المرء نحن كلنا بشر لكننا لا نملك شخصية واحدة".

 ويوضح انه تعرض للسرقة قبل اسبوعين حين اقتحم مسلحون الغرفة التي كان نائما فيها في غرب المدينة وقاموا بسرقة الهواتف النقالة والاموال العائدة له ولزملائه تحت تهديد السلاح.

 ويقول "لا املك اية اموال حاليا، لقد سرقوا الثلاثة الاف دينار "نحو 2100 دولار" التي كنت قد ادخرتها، لكنني اعاود العمل من الصفر".

 ويأتي معظم المهاجرين الحالمين بالهجرة الى اوروبا للاراضي الليبية برا، واكبر تدفق للمهاجرين مصدره شمال النيجر حيث ينقل هؤلاء عبر شبكات من المهربين الذين يأتون بهم الى منطقتي الكفرة وسبها اللتين تعدان اهم مناطق تجمع المهاجرين في جنوب ليبيا، في رحلة تحمل خطر الموت او التوقيف منذ لحظة دخولهم ليبيا.

ويقول الياس "امضيت ستة اشهر في الجزائر قبل ان آتي الى ليبيا، اجتزت الحدود مع اخرين في باص ليلا، ثم عبرنا الصحراء ووصلنا الى هنا. كانت رحلة قاسية، كل ما يمكنني قوله عنها هو ان الحياة صعبة فعلا لكنها بسيطة في الوقت ذاته".

 ويقول الشاب البينيني، "كل ما تراه عيناي هنا احفظه في ذهني ولكن عندما اغادر الى حياة افضل، ربما في بلدي لن اتذكر أيا من هذه الاشياء التي رايتها او مررت بها".

 ويؤكد الياس "اريد ان اصبح رجلا غنيا في المستقبل، ليس لدي فكرة كيف، ولكنني متفائل. قد ندرك ما يحمله يومنا لنا لكننا لا يمكن ان نتبأ ابدا بما قد يحمله الغد زمن المعجزات لم ينته بعد". 

 اذا هي رحلة شاقة يخوضها عشرات الآلاف في كل عام، غير عابئين بمخاطرها وصعوباتها، بحثا عن أمل لا يجدونه الا في أوروبا. فيما يبقى المجتمع الدولي صامتا عما يجري، وتبقى التحركات خجولة هنا وهناك لإيقاف الكوارث التي تقع كل يوم في المتوسط، وكله بهدف الهروب من واقع مرير الى واقع جميل بحسب تصور هؤلاء المهاجرين.

الدول الغربية تحذر من خطر الهجرة غير الشرعية، وتتحدث عن المشكلات الاجتماعية التي تنتج عن هذه الهجرات اضافة الى خطر الارهاب على حد وصف الدوائر الاوروبية، لكنها في الوقت ذاته تتناسى هيمنتها على دول افريقيا الفقيرة منذ عشرات السنوات، وعملها على تفقير وتجهيل الدول والمجتمعات في افريقيا بهدف مصادرة ثرواتها.

المستقبل لا يبدوا افضل بالنسبة للهجرة غير الشرعية، بل ما هو قادم ينذر بعدد كبير من الضحايا على "شواطئ الانسانية".