وفي ظل عدم توافر القدرة لدى وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية على تنفيذ هذا الإغتيال بدون وجود طرف لبناني للمساعدة، قام الموساد الاسرائيلي بتقديم المساعدة المنشودة عبر عملائهم
في الجزء الثاني من التحقيق كشف الستار عن كيفية استخدام الأمم المتحدة كأداة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، واستعرضنا كيف خيّب رفيق الحريري آمال الأميركيين بعلاقته واجتماعاته المتكررة مع سماحة السيد حسن نصر الله، وما علاقة رفض الحريري لبناء القاعدة الجوية الأميركية التي كانت تنوي الولايات المتحدة إنشاءها شمالي لبنان بتسريع عملية الإغتيال. وبعد أن أخذ القرار باغتيال الحريري نكشف النقاب عن المتورطين في عملية اغتيال رفيق الحريري وكيف قاموا بالتحضير للعملية،
في الوقت الذي كانت تتم فيه اجتماعات اللجان البرلمانية في بيروت قامت الـ C.I.A. - فرع الأمم المتحدة - بوضع "خريطة أرضية" وأخرى "سمتية" (map grid) بالأقمار الصناعية لمنطقة الـ"سان جورج" وفندق فنيسيا انتركونتيننتال والمباني المجاورة لهما مع إسهام فاعل من الموساد الإسرائيلي (وحدة 504)، وتم جمع وفصل وتحديد المواعيد والتواقيت والإجتماعات الدورية الثابتة لتحركات رفيق الحريري اليومية. وقد استخدم مبنى مقر قيادة الأمم المتحدة الحديث (الأسكوا) والمؤلف من ثمانية طوابق وذي الواجهات الزجاجية، في رصد تحركات الحريري من وإلى البرلمان اللبناني بما فيها الشوارع والتقاطعات المحيطة به .
وفي ظل عدم توافر القدرة لدى وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية على تنفيذ هذا الإغتيال بدون وجود طرف لبناني للمساعدة، قام الموساد الاسرائيلي بتقديم المساعدة المنشودة عبر عملائهم في ما يسمى بـ"جيش لبنان الجنوبي" المنحل "وحدة الإغتيالات الإسرائيلية (504)" حيث أن أكثرهم قد تم تدريبهم في الكيان الصهيوني . وبالرغم من تواجد هذه العناصر اللبنانية التابعة للموساد الإسرائيلي، إلا أن هذا النوع من عمليات الإغتيال السياسي تتطلب عملاً انتحارياً لا يمكن ضمان استعداد هذه العناصر اللبنانية الموسادية لتنفيذه. فتم الاتفاق على إشراك عناصر تابعة لمجموعة تتفرع عن جند الشام "مجموعة النصرة والجهاد"، فيها عناصر لبنانية وفلسطينية ومركزها في محيط صيدا، جنوب لبنان، حي التعمير في منطقة عين الحلوه، وذلك للقيام بمثل ذلك النوع من الإغتيال بواسطة انتحاري.
وكان رفيق الحريري مصنفاً في الوسط الديني السني على أنه يمثل المملكة السعودية في لبنان وتم اختياره بموافقة سوريا، ومن المعروف أن الحكومة السعودية كانت تقاوم آنذاك المتطرفين الإسلاميين وهي في حرب مع منظمة القاعدة. وفي هذا السياق، قام جهاز الإستخبارات المركزية في السفارة الأميركية في الرياض بالتعاون مع الإستخبارات الأسترالية والأمن السعودي برئاسة الأمير بندر بن سلطان، بالإتصال مع خلية العتيبي (سعود العتيبي رئيس فرع القاعدة في السعودية) وخلية الغامدي في مكة. تم هذا الإتصال بواسطة عنصرين من الـ C.I.A. من أصل لبناني وبواجهة إسلامية متطرفة، من أجل تأمين اجتماع يحضره أيضاً لبنانيون متطرفون ذوي جنسية استرالية يزورن مكه تحت غطاء تأدية شعائر دينية. لقد تم التخطيط والإرشاد والتوجيه والتمويل تحت غطاء ومسمى منظمة القاعدة، تم بعدها تصفية خلية العتيبي بواسطة الـF.B.I. والأمن السعودي، وذلك بعد أن حققت مبتغاها حيث كانت الوصلة الأصعب لدى جهاز الاستخبارات الأميركي هي في تأمين استخدام متطرفين لبنانيين في عملية الاغتيال دون انكشاف الخطط والمخطط والمنفذ.
أبقيت الأوامر والخطوات التنفيذية في عملية الإغتيال آنيه ووقتية ومجزأة وبدون تحديد الوقت والهدف والمكان والمهل. وقد كانت مجموعة العتيبي، ومجموعة جند الشام، ومجموعة المتطرفين اللبنانيين الأستراليين، عمياء عن الرابط والجامع وهو الـ ـ C.I.A. تم تأمين إقامة اللبنانيين الأستراليين، وعددهم سبعة، في شقة في أحد أحياء بيروت قبل أربعة أسابيع من يوم الاغتيال بمساعدة عنصرين تابعين لمجموعة جند الشام (عناصر لبنانية وفلسطينية) في بيروت وبالتنسيق مع الشيخ الجوزو، على حد تعبير الدكتور الصواف.
نقلت سيارة الـ"ميتسوبيشي" المسروقة من اليابان في 12 تشرين الأول 2004 عبر دولة الإمارات المتحدة، وتم تجميع أجزائها كاملة بواسطة عناصر الـ C.I.A. في السفارة الأميركية في لبنان، حيث تم تلغيم السيارة بعدة أجهزة إلكترونية في بواطنها، ومنها جهاز تشويش خاص (C- GUARD EXP) ومضاد، وترمومتر، وصاعق إلكتروني، وجهاز Navigator مصغر ومتطور وخاص ، وجهاز لاقط ومرسل عن بعد مربوط بنظامGPS-11) ) مع القمر الصناعي ، وكذلك جهاز مرسل ولاقط الوحدة (8200) مع الاواكس. ثم تم تسليم السيارة لعناصر الموساد الإسرائيلي، ودائماً كان الرابط على الارض عناصر لبنانية تابعة للموساد الإسرائيلي تحت تغطيه تنفيذية من عناصر الـF.B.I. المتواجدين في السفارة الأميركية في بيروت .
بعد ذلك تم ترحيل ثلاث دفعات من الـ T.N.T الممزوج مع الفوسفور بقدرة تفجيرية تبلغ الطن الواحد، وذلك في أوقات متواترة، عبر ممر ضيق ضمن خريطة ألغام إسرائيلية، وذلك بواسطة العناصر اللبنانية للموساد، وتم التنفيذ والإشراف مباشرة من قبل مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مائيير داغان ومدير وكالة الموساد الإسرائيلية. تم تجميع المواد المتفجرة وتحميلها وتسليمها بواسطة عملاء الموساد وعناصر من جند الشام بما فيهم اللبنانيين الأستراليين السبعة في محيط صيدا (حي التعمير) في مكان خارج عن سيطرة الأمن اللبناني وأمن حزب الله .
في اليوم السابع عشر قبل الاغتيال، تم إبلاغ رفيق الحريري بضرورة زيارته للولايات المتحدة الأميركية وذلك من أجل التنسيق والتشاور مع الخارجية الأميركية والرئيس جورج بوش. أبلغ السفير الأميركي في بيروت آنذنك جيفري فيلتمان الرئيس الحريري بضرورة الاجتماع في السفارة الأميركية وذلك من أجل الترتيب للاجتماع المزمع حصوله في واشنطن. وفي اليوم الثالث عشر قبل اغتياله، زار الحريري السفارة الأميركية في بيروت لمقابلة السفير فيلتمان وكذلك لوضع الفيزا الدبلوماسية لدخول الولايات المتحدة. وفي إجراء تقليدي معتمد في السفارات الأميركية، تم استلام هاتفه الخليوي لحظة دخوله السفارة، وخلال فترة ساعة من اللقاء التشاوري، تم خلالها إلغام الهاتف النقال للحريري بشريحة إلكترونية ذات دائرة مغلقة و Navigator وبذلك أصبح الرئيس الحريري ضمن دارة سيطرة مغلقة ترصد تحركاته من خلال القمر الصناعي وطائرة الأواكس، وكذلك تم نسخ ذاكرة الهاتف النقال من أجل التنصت على الهواتف التي تتصل به للكشف المبكر على تحركات الحريري، وهكذا أصبحت تحركات رفيق الحريري تحت الرصد والمراقبة ومكشوفة تماماً.
الجزء الأول: عملية "كوندور".. ما هي الدوافع الأميريكية لاغتيال الحريري؟
الجزء الثاني: عملية "كوندور".. كيف سرّع لقاء نصر الله - الحريري عملية الإغتيال؟