معاول تنظيم "داعش" الهدامة تواصل زحفها مقتربة من مدينة تدمر السورية الزاخرة بآثارها الحضارية العريقة، ما أثار القلق من أن تلاقي هذه الآثار مصير نمرود ومتحف الموصل.
معاول تنظيم "داعش" الهدامة تواصل زحفها مقتربة من مدينة تدمر السورية الزاخرة بآثارها الحضارية العريقة، ما أثار القلق من أن تلاقي هذه الآثار مصير نمرود ومتحف الموصل.
لا يدمر تنظيم "داعش الحاضر وينشر الخراب والركام ليمنع المستقبل فحسب، بل ويدمر الماضي بطريقة ممنهجة لطمس ذاكرة المنطقة الحضارية باقتلاع صروح وشواهد الحضارات الإنسانية فيها.
وهو يسعى بذلك إلى ترسيخ قطيعة مع الحضارة الإنسانية المدنية ولا يستثني في ذلك حتى المعالم الأثرية الإسلامية التي لا تروق لأفكاره المتعصبة والمغالية والتي يعبر عنها بطريقة انتقامية همجية ومتوحشة.
ودعا في هذا الصدد مدير الآثار في سوريا مأمون عبد الكريم مؤخرا إلى تعاون دولي لمنع دخول مسلحي هذا التنظيم إلى مدينة تدمر بعد أن أصبحوا على مرمى حجر منها، واصفا خطر تنظيم داعش بقوله :"نحن نتعامل مع مجموعة من المجرمين يهتكون الحضارة. هذه لم تعد قضية سياسية، بل صراع بين الحضارة وبين الهمجية".
وتعد مدينة تدمر الواقعة وسط سوريا إحدى اقدم المدن التاريخية في العالم، وتنتشر الصروح المختلفة فيها على مساحات واسعة وتعود معالمها الحضارية إلى القرنين الأاول والثاني الميلاديين، وقد ازدهرت بشكل خاص في عهد الملكة زنوبيا ونافست الحضارة الرومانية وقتها، وأدرجتها منظمة اليونسكو عام 2013 على لائحة التراث العالمي المعرض للخطر.
وتدمر الأثرية التي عرفت في اللغة اللاتينية باسم بالميرا تقع وسط مدينة تدمر الحديثة، وهي إحدى أهم المدن الأثرية عالمياً، حيث ورد اسمها في ألواح طينية تعود إلى القرن الثامن عشر ق.م، سكنها الكنعانيون والعموريون والآراميون، وتتميز بأن معالم الحاضرة القديمة شبه متكاملة فيها، وتتوزع الأطلال فيها على مساحة تتجاوز 10 كم2 ويحيط بها سور دفاعي من الحجر المنحوت، وآخر للجمارك من الحجر واللبن، وتتوزع بيوتها بشكل مخطط شطرنجي.
تعد معابد "بل" و"بعلشمين" و"نبو" و"اللات" و"أرصو" من أهم معالم تدمر، إلى جانب الشارع الطويل وقوس النصر والحمامات ومجلس الشيوخ، والسوق العامة، ووادي القبور، والمدافن البرجية، كما يوجد فيها متحف كبير يضم آثاراً تعود لأكثر من 30 قرناً من الزمن.
تلك هي تدمر، المدينة التي تمكنت من الصمود في وجه الزمن وتجاوزت كل المحن، وها هي الآن أمام خطر غير مسبوق، أن تصل إليها يد تنظيم "الدولة الإسلامية" المدمرة، وأن تمحى صروحها الأثرية من الوجود وتضيع هباء منثورا، كما حصل لمثيلاتها في نينوى والحضر والموصل بالعراق.
متطرفو داعش، لم يألوا جهدا في تدمير تحف التاريخ وصروحه في أي منطقة تطأها اقدامهم، حيث قاموا بتخريب آثار إسلامية في مدينة الرقة الواقعة شمال سوريا والتي غدت معقلا رئيسا لهم، كما دمروا تمثال أسد آشوري هناك يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وهدموا كنيسة أرمنية في دير الزور شرق البلاد.
ولم تسلم بلدة معلولا العتيقة، الشهيرة بمعالمها المسيحية الفريدة حيث هاجمها مسلحو جبهة النصرة، التي لا تختلف عن داعش في ولعها بتدمير آثار الحضارات القديمة، وحطّموا كل صلبان الأديرة والكنائس.
وثّق تنظيم داعش همجيته في فبراير الماضي، حيث نشر شريطا مصورا لرجاله وهم منهمكون تحطيم الآثار الآشورية والكلدانية وتحفها النادرة الموجودة في متحف الموصل.
ونشر التنظيم في أبريل شريطا مصورا لجريمة أخرى، ظهر فيها مسلحوه وهم يدمرون مدينة نمرود الأشورية العريقة التي يعود بناؤها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
عرض هذا الشريط المصور مشاهد لعناصر التنظيم وهم يدمرون آلواحا حجرية تاريخية نادرة بالمطارق والآلات الثقيلة، مختتما المشهد بانفجار سوى هذه المدينة التاريخية بالأرض.
مدينة نمرود هذه التي قضى عليها تنظيم "داعش"، تعد إحدى أهم عواصم الإمبراطورية الآشورية القديمة، وهي من أبرز الاكتشافات الأثرية في القرن الماضي، وتقع هذه المدينة التاريخية على ضفاف نهر دجلة، وتبعد عن مركز محافظة نينوى 30 كلم، أسست جنوب الموصل في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وأصبحت في القرن التاسع قبل الميلاد عاصمة الإمبراطورية الآشورية الحديثة في زمن الملك آشور ناصربال الثاني.
وكان مصير مدينة الحضر الأثرية التي يعود تاريخا إلى القرن الثاني قبل الميلاد مماثلا لنمرود، حيث دمرت أثارها وسويت بالأرض.
وتعد هذه المدينة موقعا أثريا احتفظ لقرون بمعالمه ووصل إلينا سليما، وهو يعود إلى الحقبة الرومانية ويضم مزيجا أثريا فريدا. ويقع في الصحراء على مسافة نحو 100 كم جنوب غرب مدينة الموصل.
وفي ليبيا، تعرضت مساجد وأضرحة ومزارات تاريخية للتدمير والتخريب من قبل جماعات تحمل أفكار داعش، من بينها مسجد أحمد باشا القرمانلي، أحد أجمل وأشهر مساجد طرابلس" الذي يعود إلى القرن 18.
كما تعرضت مدرسة عثمان باشا التاريخية للتخريب والنهب، وتم تفجير مبان ملحقة بضريح عبد السلام الأسمر في مدينة زليتن شرقي العاصمة طرابلس، ودُمر ايضا ضريح القائد العثماني مراد آغا، المُشيد في القرن السادس عشر في منطقة تاجوراء بالعاصمة طرابلس.
وعبّرت المديرة العامة للـ"اليونسكو" إيرينا بوكوفا مؤخرا عن هذا الوضع الكارثي بالقول إن نهب وتدمير المسلحين للمواقع الأثرية في الشرق الأوسط بلغ "مدى غير مسبوق"، مضيفا أن هذا التدمير، استراتيجية ممنهجة يستخدمها تنظيم "داعش" لترهيب السكان، واصفا ذلك بجريمة حرب.