22-11-2024 03:31 AM بتوقيت القدس المحتلة

محمد فهمي: «حان وقت أن تدفع الجزيرة ثمن خداعها»

محمد فهمي: «حان وقت أن تدفع الجزيرة ثمن خداعها»

خلال وجوده في السجن التقى فهمي عدداً من الطلاب والنشطاء المنتمين إلى جماعة الأخوان، والذين كانت «الجزيرة» قد سلّمتهم كاميراتٍ لإعداد الصور والمواد، من دون أيّ توثيق لمصدر المادة وكيفية الحصول عليها

«خسرتُ جنسيتي، وصحتي، وعائلتي، وعملي، وسمعتي، ومالي لأجل غطرسة جزيرة قطر»، يقول محمد فهمي عن تجربته مع القناة. عمل الصحافي المصري في «الجزيرة» ثلاثة أشهر فقط، لكنّها كانت كفيلة بإيقاعه في هوة لم يخرج منها حتى الآن. «السفير» التقت فهمي فروى لنا تفاصيل حبسه في السجون المصرية لمدّة تفوق 400 يوم، مع زميليه الاسترالي بيتر غريست والمصري باهر محمد، في ما عُرف بقضية «خلية الماريوت»، وتحدّث عن أسباب رفعه قضية ضدّ الشبكة الإعلاميّة، مطالباً بتعويض قدره 100 مليون دولار، لردّ بعض ما خسره خلال السنتين الماضيتين.

أجرى اللقاء وئام يوسف/ جريدة السفير

«الجزيرة».. مصنع الفبركة

محمد فهمي في مؤتمره الصحفيوقع محمد فهمي في مصيدة خداع الجزيرة منذ اليوم الأول لعمله معها، كمدير لمكتب «الجزيرة الإنكليزية» في مصر، في 6 أيلول/ سبتمبر 2013. يقول إنه باشر وزملاؤه العمل من فندق الماريوت، ولما سألَ عن قانونية وجودهم، أكدت القناة أنّه «قانوني»، وأنّ ما عليهم فقط إعداد المواد الإخبارية وإرسالها. اكتشف فهمي وزملاؤه بعد حين، أنّ القناة حجبت عنهم حقيقة أنّ الشرطة المصرية قد داهمت مكتب «الجزيرة الإنكليزية» وأقفلته، ليهرب مديره السابق إلى الدوحة.

وافق فهمي على العمل مع «الجزيرة الإنكليزية» لما عُرِفَ عن مهنيتها وعدم انحيازها لأي جهة. وكان شرطه الأول أن تُنشرَ المواد التي ينتجها على «الجزيرة الإنكليزية» حصراً، وأن يتلقى المعلومات بنفسه من مصادرها، فوافقت القناة على ذلك. وبعد أسابيع قليلة، خرقت «الجزيرة» الاتفاق، وعرّبت التقارير وعرضتها على «الجزيرة العربية» و «الجزيرة مباشر»، ما وضع الصحافيين في موقع مساءلة، لأن الحكومة المصرية كانت قد أقفلت مكتب «الجزيرة» العربية بحكم محكمة إدارية. لم تأبه القناة للخطر المحدق بمحمد وزملائه، ورغم تحذيرهم المتواصل لها، إلا أنها خرقت القانون المصري ومن دون علمهم، ما أدّى إلى إلقاء القبض عليهم في 29 كانون الأوّل/ ديسمبر 2013.

لكلّ دولة قانون عمل ينفّذ وفقاً لاتفاقات دولية، ويتصدّر هذا القانون توفير مكان آمن للموظفين. «لكنّ آخر ما يهمّ «الجزيرة» هو أمان موظفيها»، كما يقول محمد فهمي، معلِّلاً ذلك بأنّ لا خبرة لديهم في تقدير الوضع الأمني للموظفين، يُضاف إلى ذلك أنّها تضع القصة والخبر قبل الصحافي، لذلك موّهت الحقيقة ولم تخبره وزملاءه بخطورة وضعهم القانوني ليكتشفوا بعد سنة من المحاكمة، أنّ تصاريح البثّ غير صحيحة أيضاً.

خلال وجوده في السجن التقى فهمي عدداً من الطلاب والنشطاء المنتمين إلى جماعة الأخوان، والذين كانت «الجزيرة» قد سلّمتهم كاميراتٍ لإعداد الصور والمواد، من دون أيّ توثيق لمصدر المادة وكيفية الحصول عليها، و «هذا ليس بصحافة المواطن»، على حدّ قوله. يضيف أنّ «الجزيرة» لا تكون بذلك مجرّد ذراع سياسية للخارجية القطرية، فهي ليست منحازة لجماعة الأخوان فقط، بل هي راعية لها أيضاً.

متاجرة بالصحافيين

حكم على فهمي في 23 حزيران/ يونيو 2014 بالسجن مدّة سبع سنوات، بالرغم من أنّ المواد التي أنتجها صحيحة وحيادية وغير مفبركة، وهذا ما أُثبتَ في أثناء المحاكمة. لكنّه وحسب قوله، كانَ ضحيةَ «العنجهية القطرية» التي جعلت من قضية فهمي وزملائه، سلعةً تحاربُ من خلالها الحكومة المصرية، وتصدح بها في أروقة البيت الأبيض والأمم المتحدة ونيويورك.

تركت القناة موظفيها يغرقون في التهلكة، وكلّ ما أغدقته عليهم في المرحلة الأولى محامٍ لم يكن كفؤاً على النحو المرجوّ، كما يقول فهمي. وزادت الطين بلة عندما رفعت قضيةً دوليّة على الحكومة المصرية في المحكمة الاقتصادية في لندن، تطالب فيها بتعويضات عن معدات ولوازم قدرها 150 مليون دولار، وذلك قبل شهر واحد من الحكم، متجاهلةً نصيحة محامي القناة بألا يفعلوا، ما ضيّق الخناق على المعتقلين. سأل فهمي «الجزيرة» من سجنه في رسالة عبر أهله، عن سبب رفع الدعوى في ذلك الوقت الحساس لقضيته، من دون أي صدى لسؤاله.

طوال خمسة عشر عاماً من العمل، دأب محمد فهمي على نقل الصورة الحقيقيّة للحدث بين «سي أن أن» و «الحرة» و «تلفزيون دبي» و «لوس أنجلس تايمز» و «نيويورك تايمز»، إلا أنّ سوء التقدير والمصادفة جعلا رداءه بدلةً بيضاءَ في السجن، بعد أن كان لسنوات سترة واقية من الرصاص، وملابس الصليب الأحمر.

بقي فهمي خلال فترة وجوده في السجن واثقاً ببراءته، متسلحاً بتاريخه المهني الزاخر ودعم أهله، إلى جانب المنظمات الحقوقية العالمية التي ناشدت الحكومة المصرية الإفراج عنه. يؤكد أنه راسل قناة «الجزيرة» منذ اللحظات الأولى لحبسه، ليكون خذلانه كبيراً، خصوصاً بعد ادّعائها أنّها دفعت أتعاب محاميه، بينما كان قد دفع من حسابه الخاص ما يزيد عن 150 ألف دولار للمحامين.

من الميدان إلى ما وراء القضبان

«أن توضعَ شهراً كاملاً في الحبس الانفرادي، في جناح الإرهاب، بسجن العقرب في طرة، مع أخطر الإرهابيين، وأنتَ صحافي، لهو من أكثر لحظات الحياة قسوةً وعبثاً»، يقول فهمي. «وكيف لمن كان في ميدان التحرير منذ إلقاء أوّل أنبوبة غاز في «ثورة يناير»، وشارك رقصاً في الميادين خلال «ثورة 30 يونيو».. أن يُصَنّف مع الأخوان والإرهابيين؟»، يسأل.

كان الحلّ الوحيد أمام فهمي للإفراج عنه أن يتنازل عن الجنسيّة المصرية، فيعامل معاملة زميله الأسترالي بيتر غريست، لكونه يحمل الجنسية الكندية، بذلك ينطبق عليه قانون الإفراج عن الصحافيين الأجانب وترحيلهم إلى بلادهم. وافق على ذلك الإجراء بعد ضغط من جهة سياديّة في الحكومة المصرية أكدت له أنّ ذلك هو الطريق الوحيد لينال حريته، إلا أنها لحظة فارقة ومن أصعب أوقات حياته وأكثرها إهانة، كما يصفها، مشيراً إلى أنّه يسعى بكلّ جهده لاستعادة الجنسيّة.

مشهد من قناة الجزيرةرفع فهمي قضية ضد قناة «الجزيرة» في كندا موكلاً محاميين كنديين، إلى جانب محاميه في مصر الدكتور محمد حمودة. كما تدافع عنه المحامية أمل علم الدين والمحامي خالد أبو بكر في القضيَّة الجنائيَّة ضده في مصر.

وكانت علم الدين قد كتبت في مذكرةٍ عن مسؤوليات مصر الدولية تجاه المحاكمة العادلة وقدّمتها لمحكمة النقض المصرية مع ملحق مقدمة النقض. يقول محمد فهمي إنّها «فعلت ما لم تفعله الجزيرة، فهي تواصلت مع جميع الأطراف بما فيهم الحكومة المصرية، بينما لم تتواصل «الجزيرة» إلا مع البيت الأبيض، واستخدمت القضية لتهاجم مصر في الأمم المتحدة ولدى منظمات حقوق الإنسان».

«لستُ صحافي الجزيرة»

لا يعتبر فهمي عبارة «صحافي الماريوت» مسيئة له، لكنّ أكثر ما يشعره بالإهانة أن يُقال عنه «صحافي الجزيرة»، مشيراً إلى أنّه سيسعى جهده ليستعيد «صورته الحقيقية»، حالما ينتهي من قضيته التي ما تزال عالقة في مكان ما، ولا يعرف سببه. يستشهد بفرانز كافكا في روايته «المحاكمة»، ويقول بتصرّف: «أنت تحاكَم وأصبحت في دائرة، لا أحد يعلم من يحرّك هذه الدائرة، ولا يعلم أحد من هو المسؤول عما يحدث، وأنت بين صراع جيوسياسي وتدفع ثمن الحرب الباردة بين قطر ومصر».

لن ينسى محمد مَن وضعه في هذا الكابوس، وتسبب في عاهة مستديمة في كتفه إثر إصابتها ثم إهمالها في السجن، وهو على يقين بفوزه بالقضية. «سيكون ذلك اعترافاً بهزيمة الجزيرة، فكما أهانوه وأهانوا الملايين حان وقت أن يدفعوا الثمن»، على حد قوله، واعداً بتوثيق تجربة سجنه في كتاب بعنوان «خليّة الماريوت»، باشر بكتابته.