لقد جُعِل أسبوع المعلم في الذكرى المباركة لشهيدنا العزيز الكبير المرحوم آية الله مطهري. إنّ للشهيد مطهري صفات ومميّزات عالية متعدّدة ولكن أرى أنّ الميزة الشاخصة في شخصيّته هي أنّه كان معلّمًا
كلمة الإمام الخامنئي في لقاء جمع من المعلمين والتربويين من جميع أنحاء البلاد في 6-5-2015
بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.أهلًا وسهلًا بكم أعزائي! لقد نشرتم أريج عطركم بأنفاسكم الطيّبة في أجواء هذه الحسينيّة.
الحقّ أنّ نفَسَ المعلّم هو نفَسٌ طيّب؛ وفي أيّ أجواء يحضر المعلّمون، يطمئنّ الإنسان بأنّ الرحمة الإلهيّة والبركات الإلهيّة ستحلّ إن شاء الله في تلك الأجواء وذلك المكان. أرجو من الله أن يوفّقكم، أيّها المعلّمون وأيّها المسؤولون في قطاع التربية والتعليم، لتؤدّوا هذا العمل العظيم وهذه المسؤوليّة الكبرى على أحسن وجه وأفضل حال.
شهر رجب؛ دعاء صغير لحل كل المشكلات !
إنّه شهر رجب ؛ شهر التوسّل، شهر التوجّه والدعاء. في هذا الشهر الشريف، يطلب المؤمنون من الله تعالى في دعائهم أمورًا كهذه: اللّهم فاهدني هدى المهتدين وارزقني اجتهاد المجتهدين ولا تجعلني من الغافلين المبعدين . كم هي مهمة هذه الفقرات الثلاث! والفقرة التي تليها أيضًا، وهي المغفرة، تمثّل أساس جميع الأعمال: "واغفر لي يوم الدين" . ما تطلبونه من الله تعالى هو "هداية المهتدين واجتهاد المجتهدين". تأمّلوا في هذين العاملين، فإذا ما توفّرا عندي وعندكم، فسوف تحلّ جميع المشكلات؛ أي أن تنالنا هداية المهتدين بالهداية الإلهيّة وكذلك أن يظهر اجتهاد المجتهدين وصنّاع تاريخ البشريّة في سلوكنا وفي كلامنا وشخصيّتنا. في الفقرة الثالثة [من الدعاء] تمّ تحديد الآفة والمشكلة الأساس: ولا تجعلني من الغافلين المبعدين. إنّ الغفلة هي أكبر آفة؛ الغفلة عن المسير وعن الهدف، الغفلة عن القدرات والفرص، الغفلة عن العدو، الغفلة عن الواجب الملقى حاليًا على عاتقي وعاتقكم، الغفلة هي عدونا الأكبر. الغفلة هي أوّل عدو يُقعدنا ويمنعنا عن مواجهة أعدائنا الآخرين؛ "ولا تجعلني من الغافلين المبعدين"؛ الغفلة تؤدّي إلى البعد؛ البعد عن الله، البعد عن الهدف، البعد عن النجاح. إنّ مضامين الأدعية هي المعرفة والتوحيد ودروس الحياة؛ فلنقرأ الأدعية ونتنعّم بأجواء هذا الشهر، بهذه النظرة وهذا التوجّه.
ما هو سر "مطهري"؟
لقد جُعِل أسبوع المعلم في الذكرى المباركة لشهيدنا العزيز الكبير المرحوم آية الله مطهري. إنّ للشهيد مطهري صفات ومميّزات عالية متعدّدة ولكن أرى أنّ الميزة الشاخصة في شخصيّته هي أنّه كان معلّمًا؛ لقد كان معلّمًا في الحوزة وفي الجامعة وكذلك كان معلّمًا في أجواء حياته العاديّة. كانت خطبه وكلماته تعليمًا ودرسًا أيضًا لأنّها كانت مفعمة بالإخلاص والاجتهاد والسعي والمثابرة. ولقد شاهدت عن قرب، نماذج عن جهده العلمي. كان لديه ملف من الملاحظات والمذكّرات والتعليقات حول كلّ موضوع؛ حين كان يشاهد أيّة نقطة حول موضوع ما، كان يدوّنها فورًا ويضعها في مكانها الخاص! ولقد أراني مجموعة من الملفّات التي دوّن فيها ملاحظاته حول المواضيع المختلفة. تعجّبت كثيرًا حينها! يا له من إنسان مثابر ونشيط ومجتهد! حسنٌ، لقد كانت النتيجة أنّه وبعد مضيّ خمسة وثلاثين عامًا على شهادة هذا الرجل، لا تزال كتبه وأفكاره حاضرةً ومفعمةً بالحياة. واليوم، فإنّ هذه الكتب والأفكار والتعاليم مفيدة ومؤثّرة ونافعة لجيل الشباب وكذلك للباحثين والمحقّقين. بالتأكيد لا نريد أن نقول أنّها تكفي [لكلّ المسائل]، كلا، فإنّ هناك أفكارًا جديدةً وكلامًا جديدًا وشبهات أخرى وينبغي أن تقوم مجموعة من الأشخاص وتعمل بأسلوب مطهري ومنهجه؛ لكن هذا الاسم اسمٌ خالد وحاضر دومًا.
التربية :صناعة الإنسان والمستقبل
حسنٌ، إن أهم المسائل التي سأتعرّض لها اليوم تتعلّق بالتربية والتعليم. كما أن هناك مسائل أخرى قد نتناولها ولكن الأساس في كلامنا هو قضيّة التربية والتعليم؛ وهي القضيّة التي تحوز لديّ، أنا العبد لله، أهميّة فائقة. والسبب أنّ التربية والتعليم في الحقيقة مركز أساسي لخلق وصناعة عالم المستقبل، الذي سيأتي بعد عشرين عامًا، خمس وعشرين عامًا، إذ سيكون هناك جيل آخر يمسك زمام الأمور ويدير الحياة، وإنّ أيامنا الحالية هي زمن توليد وإنتاج هذا الجيل وإيجاده؛ وإن من يعدّ هذا الجيل وينتجه هو المعلّم وقطاع التربية والتعليم. إنّكم تخلقون جيلًا جديدًا، فكيف ستقومون بعمليّة الخلق والإنتاج هذه؟ هذا أمر بالغ الأهميّة.
إنّ مستقبل البلاد ومستقبل عالمنا مرتبط بالجهود الحاليّة للتربية والتعليم؛ هذا ليس أمرًا بسيطًا. ليس لدينا أيّ قطاع أو جهاز آخر حائزٌ على هذا القدر من الأهميّة والحساسيّة. نعم، يدرس الشباب في الجامعات وكذلك في الحوزات العلميّة ويتلقّون التربية في الأجواء الاجتماعيّة؛ ولكن الدور المؤثّر للمعلّم لا بديل له، إنّ الدور الذي يمكن أن يؤديه في التأثير الفكري والروحي [المعنوي] في هوية طفل اليوم ورجل وامرأة الغد - في مرحلة الطفولة وبداية الشباب طوال هذه الأعوام الاثني عشر- هو دور لا نظير له ولا بديل؛ حتى أن الأم والأب والبيئة المحيطة، لا يمكن لأي منهم أن يقوم بهذا الدور. المعلم هو هكذا شخص؛ جهاز التربية والتعليم هو هكذا جهاز. ومن حيث التواصل مع البيئة والحياة اليومية للناس فإن التربية والتعليم كجهاز، له التواصل الأكبر والأكثر. لديكم حوالى 13 مليون تلميذ، إذا أضفنا آباءهم وأمهاتهم ـ الذين يبلغون حوالى 26 مليوناَ ـ يصبح المجموع 39 مليونًا إضافة إلى مليون معلم وعامل في قطاع التربية والتعليم؛ فهناك ما يقارب 40 مليون إنسان يرتبط بشكل مباشر مع قطاع التربية والتعليم! فأي قطاع أو جهاز آخر تعرفونه لديه هذا التواصل والتأثير الهام على المجتمع مثل التربية والتعليم؟ حين نعتمد ونراهن على قطاع التربية والتعليم، فلهذا السبب.
التربية: استثمار رابح وليس إنفاقا واستهلاك!
حسنٌ، سأطرح فكرةً حول هذا القطاع -وقد ذكرناها مرارًا - ونكررها هنا: إنّ كلّ ما ننفقه ونرصده من موازنات على هكذا قطاع، هو في الحقيقة ليس مصروفًا واستهلاكًا، بل هو استثمار، فلننظر إلى اقتصاد التربية والتعليم بهذه النظرة.
إن اقتصاد التربية والتعليم لا يشبه اقتصاد أي قطاع أو جهاز آخر؛ فكل ما تنفقونه هنا في هذا المجال، إنما تستثمرونه في الحقيقة؛ هذه هي الجملة الأساسية والعبارة الأصلية التي أتوقع من مسؤولي البلاد والمسؤولين الحكوميين والشعب أن يلتفتوا إليها. حسنٌ، هذا فيما يتعلق بأهمية قطاع التربية والتعليم.
المعلم حامل الراية
في هذا القطاع الكبير، أين هي النقطة المحورية والمركز الأصلي؟ ومن هو حامل الراية وصاحب الميدان الذي يدير الساحة في الحقيقة وعلى الجميع أن يوَفّروا الإمكانات لعمله؟ إنه المعلم؛ وهو قائد الميدان الأساسي. فكل الأجهزة والإدارات الأخرى، والمؤسسات والوثائق والقرارات والمناهج والكتب الدراسية وكل الآخرين هم سند لهذا القائد الأساسي في الميدان.
المعلم الجيد هو ذلك الإنسان ذو التأثير الاستثنائي الذي لا بديل له كما أشرنا؛ حين يكون لدينا معلمٌ جيدٌ فإنه سيتمكن من تربية أشخاص عظماء؛ حتى لو كان [ذلك] في نظام تعليمي كنظام الكتّاب القديم؛ وكما تلاحظون فإن هذا قد حدث فعلًا في الماضي. فالمعلم الجيد يمكنه أن يخلق ويوجد أشخاصًا عظماءَ وكبارَ وشخصياتٍ بارزةً حتى لو كان في جهاز لا يملك عناصر الانسجام أو القدرات اللازمة والكافية، إذن فالأصل هو المعلم.
المعلّم :أي جيل يجب ان يخلق ؟
حسنٌ، ماذا سيفعل المعلم؟ وما هو واجبه؟ لقد دونت هنا ما يلي:
خلقُ جيلٍ يمتلك هذه الخصوصيات: جيلٌ عالم، مؤمن، لديه ثقة بالنفس، يتمتع بالأمل والنشاط والسلامة والصحة الجسدية والمعنوية، ذو بصيرة ولديه إرادة وهمة عالية، قليل المصروف وكثير النفع والإنتاج؛ يريد المعلم أن يربي جيلًا كهذا؛ [هذا] ليس بالأمر البسيط. حين يُقال أن المعلم يمارس عمل الأنبياء، فهذه كلمة ننطق بها؛ فلندخل إلى عمق ومعنى هذه الكلمة، فماذا تعني في الحقيقة؟ "يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" . هذا عمل الأنبياء؛ عملهم هو نجاة البشرية؛ عمل الأنبياء هو خلق مجتمع إنساني أرقى وأكمل وأعلى؛ هذا هو عمل الأنبياء؛ نحن نقول "المعلم يمارس عمل الأنبياء" و"التعليم عمل الأنبياء". وهذا هو عمق الكلام ولبّه. وهكذا يكون المعلم.
ما العمل ؟
حسنٌ، توجد مقتضيات لهذا الأمر؛ إحداها مسألة الاقتصاد التي ذكرتها، اقتصاد التربية والتعليم, معيشة المعلمين, إحدى المقتضيات. نحن ندرك مدى نواقص الأجهزة الحكومية، لسنا غرباء عن الاشكالات والقيود الموجودة؛ ولكن على المسؤولين الرسميين أن تكون همتهم مركزة على هذه القضية بشكل خاص. كما طرحنا وذكرنا، هذا استثمار ينتج أرباحًا ويعطي قيمةً مضافة؛ ليس مجرد إنفاق وتكاليف صرفة؛ هذا الموضوع يجب أن يكون من المسائل ذات الدرجة الأولى في الأهمية لدى الإدارات الرسمية ومراكز التخطيط واتخاذ القرار في الحكومة. إن لم نقم نحن بهذا، فإن العدو سيستغل هذه المسألة، فهو حاضر ويراقب ويرى ماذا نفعل في هذا المجال.
سيقوم العدو باستغلال هذا الأمر بالذات، واستخدامه لغاياته السيئة من خلال وسائل إعلامه وإذاعاته وعناصره وأدواته ومن خلال الأفراد الحاقدين على النظام وعلى الإسلام. بالتأكيد فإن المعلمين واعون بصيرون وكذلك يتحلّون بالنبل والشهامة والإيمان؛ وأنا أعتقد بهذا وأؤمن به؛ ولقد جربناه وخبرناه طوال هذه السنوات، ونشاهده اليوم على مستوى البلاد كلّها؛ فمعلمونا ليسوا غافلين عن مؤامرة العدو.
إنّ أولئك الذين يطلقون شعار "المعيشة" [وحقوق المعلمين]، يلصقون بهذا الشعار مطالب أخرى، ذات أهداف لإثارة الفتنة والمصالح الفئوية لتيارات خاصة، والجميع يدرك أن دوافع هؤلاء ليست سليمة، ولا ينطلقون من الحرص على المعلم وتكريمه؛ بل يسعون وراء أهداف أخرى مختلفة, كما أن وسائل الإعلام الأجنبية تعمل على إثارة هذه المسألة ، ليس حرصًا منهم ولا محبة أو دعمًا للمعلمين أبدًا؛ بل الهدف الأساس هو خلق المشاكل للنظام ومواجهته والضغط عليه؛ الدافع هو الحقد والنوايا السيئة تجاه الإسلام واستقلال البلاد ونظام الجمهورية الإسلامية؛ مع هذا فإنّ علينا أن لا نوفّر لهؤلاء الذريعة والحجة المناسبة لهذا التحرّك. فلتتنبه الأجهزة والإدارات الحكومية ومتولّو المسائل المالية والاقتصادية وليلتفتوا إلى هذا الأمر؛ ليجعلوا هذه القضية من قضاياهم الأساسية وأولويتهم الأصلية. هذا هو المطلوب. وكما أشرت فإنّ على المعلّمين أن يراقبوا ويرصدوا هذا الأمر؛ ولحسن الحظ فإنّ معلّمينا واعون لذلك. [ها هم] بعض الذين يكنّون العداوة والجفاء للنظام والثورة يظهرون أحقادهم بأشكال مختلفة؛ يبثون سمومهم وبغضهم وفتنتهم، فهم معادون للنظام، ينطلقون من مواجهة النظام وإضعافه وليس من محبتهم للمعلمين وحرصهم عليهم؛ حين يجدون أي شعار أو ذريعة أو نقطة ضعف فإنّهم يستغلونها أيضًا للهدف نفسه.
"جامعة المثقفّين وإعداد المعلمين
هناك مسألة أخرى تتعلّق بجامعة المثقفين [دار إعداد المعلمين] وقد أشرت سابقًا إلى هذه المسألة سواءٌ في اللقاءات الخاصة مع الوزير المحترم أو اللقاءات العامة مع المعلّمين؛ هذه الجامعة مهمة جدًا. فكلّ العمليّات التي تؤدّي إلى استقطاب المعلم، للتدريس والتربية والتعليم، يجب أن تكون صحيحة وسليمة وموافقة لمعايير الإسلام والثورة. إذا قمنا بالعمل بهذا الشكل نكون قد ضمنّا تلك النتيجة التي تريدونها، فستكون نتيجة يرضاها الله وتؤمّن مستقبل البلاد -كما ذكرت في سياق الحديث- ستوجِد جيلًا عظيمًا مفعمًا بالأمل؛ وما لم يتم رعاية هذه المعايير فلن تتحقق النتيجة المطلوبة ولن نصل إلى الهدف المنشود.
في جامعة المثقفين: المواد الدراسية مهمّة والمناهج ومضامين الدروس مهمة، وكذلك نوعية الأساتذة والمدرسين مهمة أيضًا، وكذلك الهيئة العلمية. وعليه فمن هو ذلك الشخص والإنسان؟ وكيف سيتم إعداده وتربيته لنرسله بعدها إلى "أولاد الناس" كي يقوم بتربيتهم وبنائهم وجعلهم أناسًا عظماء؟ هذا أمر بالغ الأهمية. ولذا فإن مسألة تحديد اللياقة والكفاءة للتدريس في هذه الجامعة ومواصفات الأساتذة والكتب الدراسية والمضمون والمناهج في هذه الجامعة، كلها أمور مهمة.
وثيقة التحوّل ؛ صبرٌ وجِدٌّ وانسجام
يوجد مسألة أخرى هامة في التحول البنيوي في التربية والتعليم : إن الجميع قد أدرك أن نظامنا بحاجة ماسة إلى التحوّل البنيوي. لو لم يكن في نظامنا السابق للتربية والتعليم عيب، سوى أنه على مرور الزمان لم يتم فيه تجديد وإبداع، لكان هذا كافيًا كي يرفضه الإنسان ويؤمن بوجوب إيجاد تحول بنيوي فيه.
لحسن الحظ إنّ وثيقة التحوّل التي تم صياغتها وإبلاغها رسميًا منذ عدة سنوات, وتم وفقًا لها التخطيط والبرمجة على يد خبراء قديرين، متخصّصين بارزين في التربية والتعليم، هي وثيقة جيدة ومتينة؛ أولئك المتخصّصون وأهل التجربة والعلم قد شهدوا وصادقوا على هذه الوثيقة، ويقولون أنّها وثيقة في غاية الإتقان والأهمية . لذا فإنّ هذه الوثيقة يجب أن تطبق بالكامل. وبالتأكيد فإنّ هكذا أعمال ليست سريعة الإنتاج وفورية المردود، لا ينبغي أن نتوقّع نتائج خلال سنة أو سنتين أو خمس سنوات؛ هذه أمور تحتاج إلى صبر وتحمّل ومثابرة، تحتاج إلى عمل وجهد مستمر.
هناك نقطة وهي وجوب المحافظة على انسجام هذه الوثيقة. لقد أشير إلى أنّ هناك عدد من مواد ومن مقرّرات هذه الوثيقة قد تمّ تطبيقه، حسن ولكن يجب تطبيق كل مواد هذه الوثيقة، فهي مجموعة منسجمة ومتكاملة. فإذا قمنا مثلًا بتطبيق بعض المواد، ونفّذنا أربعين مادة وتركنا بقية المواد والمقرّرات، فلن نصل إلى النتيجة المرجوة. يجب المحافظة على انسجام هذه المجموعة من مواد الوثيقة. حين تطبق جميع المواد عمليًا فإنّ العمل سيتقدّم إلى الأمام ويتحرّك بسرعة وبشكل صحيح وجيّد.
وجوب التعرف على وثيقة التحول التربوي؛
النقطة التالية هي أنّ على جميع العاملين في قطاع التربية والتعليم التعرّف والاطلاع على هذه الوثيقة، ليدركوا ما هي أهداف ومهام ومواد هذه الوثيقة. ذلك المعلم الذي يدرس في المقطع الدراسي الفلاني في تلك المدرسة أو الثانوية، عليه أن يتعرف على هذه الوثيقة ويعرف جيدًا ماهو المطلوب منه شخصيًا وفق رؤية التحوّل البنيوي. وكذلك مدير المدرسة والثانوية وكل عامل، على كل منهم أن يعرف ما هي مهمته وواجباته وتكليفه تجاه التلاميذ على أساس هذه الوثيقة. يجب أن تحدد المهام والواجبات والأهداف المطلوبة وفق الوثيقة. يجب التخطيط والبرمجة كي نبلغ مواد ومطالب هذه الوثيقة على المستوى الواسع للتربية والتعليم ليجري فهمها وبحثها والتداول فيها.
هناك مسألة أخرى [وهي] أن تمدّ وسائل الإعلان و الإعلام الوطنية يد العون. وأحيانًا يتم اقتراح أن يكون هناك قناة إعلامية خاصة تعنى بهذا الموضوع كي تستطيع تبيين وتوضيح هذا الأمر. هذا الأمر يحتاج بالطبع إلى أن يجلس مسؤولو التربية والتعليم مع مسؤولي الراديو والتلفاز ويعاونوهم.
برنامج الخطة السادسة
هناك موضوع مهم آخر في قضية الوثيقة والذي ولحسن الحظ أشار إليه الوزير المحترم، وهو برنامج الخطة [التنموية] السادسة. إنّ سياسات الخطة السادسة يتم تدوينها الآن، ثم سيتم تدوين البرنامج نفسه، ثم يتم المصادقة عليه ليطبق لاحقًا. بالطبع، سيتم ضمن هذا البرنامج وفي ذيله ملاحظة مسألة التربية والتعليم والوثيقة الوطنية للتحول البنيوي، كي نعرف ما الذي سيكون لدينا في العام 2025.(افق 1404 ه ش )
هناك نقطة أساسية، وأوجّه كلامي لمسؤولي التربية والتعليم أن يلتفتوا ألا تحلّ البرامج الجاهزة أو التغييرات السطحية واليومية مكان التحول البنيوي؛ لا يجب أن يفرحنا ويرضينا أننا نقوم بالتغييرات؛ فالتغییرات السطحية غير مهمة؛ الأساس، هو مواد التحول البنيوي لكي يتجدّد هذا البناء تدريجيًّا؛ هذا أمر مهم.
الفرص متاحة والظروف مساعدة
لحسن الحظ، إنّ الظروف مساعدة؛ فعندما أنظر على مدى الوطن؛ أعتقد أن ظروفكم اليوم، أنتم والمسؤولون المحترمون للتربية والتعليم، بهدف التطوير النوعي للتربية والتعليم، ولأجل التحول الأساسي والبنيوي في هذا الجهاز المهم والحساس، هي أكثر جهوزية. في الماضي القريب كان لدينا 18 مليون تلميذ، أما اليوم فهم أقل من 13 مليون؛ هذه فرصة. في الماضي القريب، كان لدينا مشكلة عسيرة بالنسبة للأماكن التعليمية؛ فكان هناك دوامان أو ثلاثة في مختلف مناطق البلاد؛ لحسن الحظ إنّ هذه المشكلة قد حُلّت اليوم. في معظم مناطق البلاد، للمدارس وضع جيد؛ والناس راغبون، يأتون ويدخلون المدارس يجب أن [يحافَظ] على هذه الحركة. إذن، إنّ الظروف متوفرة اليوم كي نستطيع أن نقوم بهذا التحول؛ فلحسن الحظ هناك استقرار، البلد يتمتع بالأمن، المسؤولون يقومون بأعمالهم بحب واندفاع. هذا هو اليوم الذي نستطيع إن شاء الله أن نوصل التربية والتعليم من الناحية النوعية، من ناحية المضمون، ومن الناحية البنيوية إلى نقطة أساسية. وكما قلت أنّ المعلّمين هم محور هذا التحوّل؛ إنّ الذي يقف في وسط الميدان، أنتم أيّها المعلّمون الأعزّاء؛ من هنا أريد أن أحيّي كلّ معلّمي البلاد وآمل أن يحفظ الله المعلمين الأعزاء كافة في ظل عونه ونصره.
هيبة الجمهوريّة الإسلاميّة
هناك مسألة من خارج قضايا التربية والتعليم وهي من المسائل الأساسية للبلاد، وهي عبارة عن نوع تعامل ومواجهة الأعداء لنظام الجمهورية الإسلامية. طوال هذه السنوات الخمسة والثلاثين الماضية، طالما كانت هذه الحركة الشعبية العظيمة محط أنظار أعداء الجمهورية الإسلامية، أطلقوا الكثير من التهديد والشعارات، بذلوا كل ما في وسعهم، وفعلوا كل ما قدروا عليه، لكن الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية كانا يمثلان الرهبة والهيبة في نظر الأعداء؛ يجب علينا أن نحافظ على هذه الهيبة؛ أن نبقي هذه الرهبة في صدورهم، فهي حقيقة واقعية وليست وهمية.
نحن بلد كبير، شعب يتجاوز الثمانين مليونًا، بلدٌ ذا رصيد ثقافي عريق وتاريخ عميق، أصيل أكثر من العديد من مناطق العالم، شعب يتحلى بالشجاعة والهمة والعزم، نحن شعب مقتدر يدافع عن هويته وشخصيته؛ وقد برز نموذج لهذه القيم طيلة ثماني سنوات من الدفاع المقدس، حيث اجتمعت كل قوى الدنيا، في الشرق والغرب، وعملاؤهم التابعون لهم والقوى الرجعية وغيرها الكثير، تكاتفوا وتعاونوا يدًا بيد كي يركّعوا الشعب الإيراني ولكنهم فشلوا وعجزوا. أليس من الطبيعي أن يكسب هذا الشعب هيبة وعظمة في عيون القوى الدولية؟ يجب المحافظة على هذه العظمة. نحن نظام قال عنه الزعماء السياسيون لبلدان متعددة وكذلك الخبراء والمحللون-البعض قال لنا مباشرة والبعض الآخر لم يمتلك الجرأة والشهامة على قوله لنا، ولكنه قال في مجالسه الخاصة وأخباره وصلت إلينا- بأن هذه العقوبات وأنواع الحظر التي فُرِضت على إيران وهذه الضغوطات التي مارسوها على الجمهورية الإسلامية لو أنها فُرِضت على أي بلد آخر، لكانت هدمته وأزالته من الوجود ولكان الآن في خبر كان! ولكن الجمهورية الإسلامية صمدت ولم تهزها كل هذه العقوبات والضغوطات؛ هذا الأمر ليس بالأمر البسيط؛ بل هو حادث عظيم وأمر خطير واستثنائي، وبالتأكيد فإن الإعلام العالمي يحجب هذه الحقائق ويضع دومًا غطاءً ويذر الرماد في العيون لمنع المشاهدين والرأي العام من رؤية الكثير من هذه الحقائق والوقائع؛ ومع هذا كله فإن الكثير من شعوب العالم خاصة من المجاورين لنا، صاروا يرون الحقائق ويعرفون ماذا يحدث؛ كذلك فإن زعماء العالم يدركون هذه الحقائق؛ أنظروا إلى تصريحاتهم وكلامهم، إلى هؤلاء الرؤساء والمسؤولين والناطقين باسم الإدارات المتعددة في الغرب وأوروبا وأمريكا وغيرهم من الذين يطلقون من حين إلى آخر تصريحات لا معنى لها ولا قيمة؛ تجدون كيف أنهم في العمق قد صدّقوا ولمسوا هذه العظمة والرهبة والقدرة واللياقة في الشعب الإيراني وهم يرون ويدركون ولكنهم ينطقون ويتكلمون بشكل آخر مخالف.
لا تفاوض تحت شبح التهديد!
لقد ذكرت مرارًا وكررت المواقف حول هذه المفاوضات والمسائل النووية وما شابه؛ تكلمنا الكثير وقلنا ما يجب أن نقول ولكن فلينتبه الجميع -مسؤولو السياسة الخارجية وكذلك مسؤولونا في الإدارات المختلفة وجميع نخب المجتمع - إذا لم يستطع شعب ما، أن يدافع عن هويته وعظمته كما يجب في مقابل الأجانب فإنه دون شك سيتعرض للخسارة والضربات القاتلة؛ في هكذا وضع لا فرصة للتجارب والاحتمالات المتعددة. يجب معرفة أهمية شخصيته وهويته. العدو الآن يطلق التهديدات، ففي الأيام القليلة الماضية، هدّد اثنان من المسؤولين الرسميّين الأمريكيّين بالعدوان العسكري على إيران ؛ ولا شغل لنا الآن ببعض التصريحات لأفراد ليسوا من أصحاب المسؤوليات العليا والمناصب الحساسة. أنا لا أعرف ماذا تعني المفاوضات تحت شبح التهديد؟ تفاوض تحت شبح التهديد! وكأن هناك سيفًا مسلطًا فوق الرؤوس! الشعب الإيراني ليس من هذا النوع؛ لا يرضى الشعب الإيراني بالمفاوضات في ظل التهديدات. لماذا يهدّدون؟ لماذا يرتكبون كل هذه الحماقات؟ يقولون أنه إذا لم تنجز هذه الأمور وتلك الأمور بالطريقة الفلانية فيمكن أن نشنّ هجومًا عسكريًا على إيران؛
أولًا: خسئوا ! ثانيا: لقد قلت في زمان الرئيس الأمريكي السابق -الذي كان يهدد في ذلك الوقت أيضًا - لقد انتهى زمن: "اضرب واهرب" وليس الأمر هكذا أن تقولوا نحن نضرب ونهاجم ثم نرجع من حيث أتينا! كلا، ستغرق أقدامكم هنا ونحن سنقوم بما يلزم. الواقع ليس بهذا الشكل؛ أن يسمح الشعب الإيراني لأحد بالتعرّض له والاعتداء عليه؛ نحن سنرد على أي عدوان.
الخطوط الحمر؛ والحاجة الى المفاوضات
فليلتفت الجميع إلى هذا المعنى، لينتبه مفاوضونا أيضًا؛ ليضعوا نصب أعينهم دومًا الخطوط الحمراء والخطوط الأصليّة التي تمّ تحديدها وبالطبع فهي نصب أعينهم إن شاء الله ولن يتجاوزوها؛ ولكن من غير المقبول أبدًا أن يتم إطلاق هكذا تهديدات، وأية تهديدات.
إن حاجتكم [أيها الامريكيون والغرب] إلى هذه المفاوضات ليست أقل من حاجتنا إليها؛ نعم نحن نرغب برفع الحظر والعقوبات، لكن إن لم يتم رفعها، نحن نعرف كيف ندير أمورنا بطرق وأساليب أخرى؛ ولقد جرّبنا هذا وتمّ إثباته. ولقد طرحت أنا العبد لله هذا الأمر في أحد الأيام ولحسن الحظ فاليوم يكرّره الاقتصاديون والمسؤولون في الأجهزة المختلفة والخبراء والمحلّلون المطّلعون على مسائل البلاد الاقتصادية، فهم يقولون دومًا إنّ المسائل الاقتصادية للبلاد ليست مرتبطة بالحظر بالشكل الذي إن تمّ رفعه فسوف تحلّ المشكلات الاقتصادية، كلا فالمشاكل الاقتصادية هذه إنما تحلّ بإرادتنا وتخطيطنا ونوايانا وتدابيرنا وبأيدينا نحن، سواء كان هناك حظر وعقوبات أم لم يكن. بالتأكيد إن لم يكن هناك عقوبات فإنّ المسائل تصبح أسهل وإن بقيت العقوبات فهي أصعب قليلًا ولكن في الحالتين فالحلول ممكنة وميسّرة.
[إذا] موقعنا من المفاوضات هو بهذا الشكل. لكن الحكومة الأمريكية الحالية تحتاج إلى هذه المفاوضات وحاجتها حقيقيّة؛ حيث إنّ برنامجهم وجدول أعمالهم السياسيّة، يضمّ نقطة أساسيّة وهامة يمكنهم أن يقدّموها وهي أنّنا استطعنا أن نجعل الجمهورية الإسلامية في إيران تجلس معنا على طاولة المفاوضات، وأن نفرض عليها المسألة الفلانية . إنهم بحاجة إلى هذا الأمر. إذا لم تكن حاجة الطرف المقابل إلى المفاوضات أكبر من حاجتنا -وهي حتمًا أكبر- فهي بالحد الأدنى ليست أقل من حاجتنا؛ لماذا يهددون؟ أنا العبد لله لست موافقا على المفاوضات التي تتم في ظل شبح التهديد.
ليذهب [المفاوضون] إلى المباحثات وليصلوا إلى توافق وتفاهم، لا إشكال في هذا -بالتأكيد بشرط رعاية الخطوط الأساسية- ولكن لا يخضعوا أبدًا لمنطق القوة أو الضغط أو الفرض والإهانة، ليرفضوا التهديد ولا يقبلوا به مطلقًا.
الاعتداء على اليمن؛ إراقة ماء وجوههم
واليوم فإن ماء وجههم قد أريق في كل العالم. أنظروا إلى الحركة التي تقوم بها الحكومة السعودية في اليمن! لا يمكن تبريرها بأي منطق ولا بأي بيان. أن يرسل أحد طائراته لقصف بلد آخر لأنكم تؤيدون الرئيس الفلاني ولا تقبلون بالشخص الفلاني؛ يقرّرون الهجوم على شعب وقتله، يدمّرون البنى التحتية، يرتكبون الجرائم ويقتلون النساء والأطفال ويشعلون الحرائق والنار والدمار في كل مكان؛ لا تبرير ولا منطق لكل هذا. يدعم الأمريكيون هذه الحركة التي لا يمكن تبريرها وهذه الجريمة الكبرى. هل هناك فضيحة وإراقة لماء الوجه أكثر من هذا؟ لا احترام لأمريكا ولا ماء وجه لديها عند شعوب المنطقة؛ الكل يشاهد هذا الوضع بوضوح ؛ إنّ الأمريكيّين يعلنون بكل صراحة أنّهم يدعمون هذا العدوان ولا يخجلون أبدًا من هذا الدعم؛ ومع هذا فهم يقولون لنا لماذا تساعدون [اليمنيين]؟ كنا نريد ارسال مساعدات طبية وإسعافات وأدوية للمرضى؛ لم نكن نريد إرسال أسلحة؛ إن اليمنيين لا يحتاجون إلى أسلحتنا؛ كل ثكنات وقواعد اليمن وجيش اليمن بتصرف الشعب اليمني المكافح والثوري و"أنصار الله"؛ هم ليسوا بحاجة إلى أسلحتنا؛ أردنا إرسال الأدوية لهم. أنتم أتيتم وفرضتم حصارًا ومنعتم الدواء والغذاء عن شعب، منعتم عنهم الطاقة, ثم تصرحون بأنّه يمنع على أي أحد أن يساعدهم! حتى الآن لم تسمحوا للهلال الأحمر بأن يقوم بعمله الإنساني؛ في الوقت نفسه يقومون هم [الأمريكيون] من الجهة المقابلة بتقديم المعلومات العسكرية للسعوديين، يمدّونهم بالسلاح والذخائر والتجهيزات؛ وبالدعم والتشجيع السياسي؛ لا احترام ولا ماء وجه للأمريكيين.
إنّ الطريق الذي اختاره الشعب الإيراني هو طريق متين وقوي مستحكم ونهايته مشرقة سعيدة، وبتوفيق الله ورغمًا عن أنف العدو فإنّ هذا الطريق سيوصل الشعب إلى النتائج الطيّبة المرجوّة وسيكون النجاح حليف الشعب الإيراني؛ وسيرى الأعداء كيف أنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم المشؤومة ضد الشعب الإيراني.
رحمة الله على إمامنا العظيم الذي فتح هذا الطريق أمامنا،
رحمة الله عليكم أيها الإخوة والأخوات، أيها الأعزاء المؤمنون والمحبون الحاضرون دومًا في الساحة بهذا الشكل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.