على الرغم من الثقة التي حاول أركان الإدارة الأميركية الظهور بها خلال الإعلان عن "مؤامرة إيرانية" لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، فإن صحفاً ومواقع الكترونية أميركية وصفت الإعلان بـ"الح
على الرغم من الثقة التي حاول أركان الإدارة الأميركية الظهور بها خلال الإعلان عن "مؤامرة إيرانية" لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، فإن صحفاً ومواقع الكترونية أميركية وصفت الإعلان بـ"الحكايات الخيالية"، وقد أكدت مجلة "نيوزويك" على عدم وجود "أدلة دامغة تدين طهران"، وأشارت الصحيفة إلى أن "هذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها إيران بمثل هكذا أمور لم تفعلها"، وذكَّرت بـ"الاتهامات غير الصحيحة، كأسلحة الدمار الشامل، التي وجهت إلى العراق"، وأضافت "نيوزويك" تعليقاً على الاتهامات الأميركية: "أن تمتلك الإدارة الأميركية أدلة على أن النظام الإيراني كان يحاول قتل السفير السعودي في أميركا هو أمر يبعث على الصدمة، إنما ليس بالمفاجئ".
ودعت الصحيفة الأميركية إلى "ضرورة توخي الحذر عند التعامل مع اتهام مماثل، ففي النهاية ليس هناك من أدلة دامغة تدين طهران"، وأقرت "نيوزويك" بضعف الاتهامات عندما لم تستبعد احتمال صدقيته "مهما كان ضئيلاً"، وأوضحت: "إذا أردنا أن نضع الاتهام في ميزان الاحتمال بأن المخطط قد تمّ فعلاً، فسيكون هناك ثلاثة اتجاهات تسم التفكير الإيراني في المرحلة الراهنة، قد تأخذنا إلى أبعد مما يمكن أن نتصوّر"، وتصل الصحيفة إلى فكرة استبعاد الاحتمال وتدعو إلى عدم الأخذ "بنظرة الصحف الغربيّة إلى إيران على أنها دولة غير عقلانيّة مصممة على إيذاء أميركا بأي ثمن، إذ أن النظام الإيراني ليس نظام صدام حسين الذي يتهور إلى حد الانتحار عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ مصالحه".
وفي مجلة «أتلانتيك» يطرح الكاتب ستيف كليمونس السؤال التالي: "هل إيران تريد حقاً القضاء على السفير السعودي في أميركا؟"، ليأتي جوابه أنه "أمام كل الاحتمالات التي يمكن أن تشير إلى ضلوع إيران بالمخطط، لا يمكن تجاهل حقيقة أن إيران لم تشعر يوماً بالخجل من دعمها "للإرهاب" (حركات التحرر والمقاومة) في حال تلاقى هذا الدعم مع مصالحها، ومن الصعب هنا أن نرى مصلحة لإيران في ذلك المخطط"، ويُتبع كليمونس سؤاله السابق بمجموعة من الأسئلة التي تخدم فرضية استبعاده لصحة المخطط: "ماذا يمكن أن يعني مقتل السفير السعودي في أميركا حقاً بالنسبة لطهران؟"، ويضيف "ولو امتلكت طهران النية والقدرة على تنفيذ ذلك المخطط فلماذا تستهدف شخصاً عادياً (سفير) وليس شخصاً رفيع المستوى؟"، و"لماذا في هذا التوقيت، لقد مرّ عقد يملؤه الاضطراب بعد 11 أيلول/سبتمبر لماذا لم تستغله إيران؟، فترة الغزو على العراق مثلاً؟" وفي النهاية، يرى كليمونس أنه "ربما يكون هذان الإيرانيان قد خططا لهذه العملية، ولكن ليس بالضرورة بعلم طهران، أو انهما من عناصر فيلق القدس (الحرس الثوري الإيراني)مثلاً".
صحيفة "لوس أنجلس تايمز"، كعادتها كانت أكثر جرأة في موقفها، وفي محاولة لإضفاء صدقية على الاتهامات الأميركية من زاوية انتقادها، اعتبرت أن الموقف الايراني هو إثبات آخر على "ازدواجيّة المعايير الأميركية" حيث "قتلت الطائرات الأميركية، قبل أسبوعين، القيادي في القاعدة أنور العولقي على الأراضي اليمنيّة، فما الذي يسمح لها أن تقتل أعداءها على أراضي الغير، فيما لا يمكن لدولة أخرى أن تفعل ذلك أينما وجد هؤلاء الأعداء؟"، على حد تعبير الصحيفة، وذكرت "لوس أنجلس تايمز" على صدر صفحتها الأولى: "حقيقة التنسيق بين أميركا واليمن قد تسبغ على مقتل العولقي أبعاداً مختلفة، ولكن هل كانت الطائرات الأميركية ستتركه حتى لو لم تحصل على الموافقة؟ تذكّروا: لم يكن هناك أي تنسيق مع الحكومة الباكستانيّة عندما قتلت أسامة بن لادن في أيار/مايو الماضي".
وتربط الصحيفة الأميركية بين الأداء العسكري الاستخباري الخارجي للولايات المتحدة ومزاعم عن عمليات استخبارية إيرانية في الخارج كي ترسخ في ذهن قرائها أن طهران من المحتمل أن تكون قد ارتكبت هذه "المؤامرة"، ورأت "لوس أنجلس تايمز" أن هناك "فارقاً كبيراً كذلك بين بن لادن والمخطط الإيراني المزعوم، إلا أنه مع استمرار تصرف أميركا بكامل حريتها في العراق وأفغانستان ودول أخرى، يصبح الأمر محسوماً: لا يجوز لأميركا أن تتصرّف كما تشاء من دون مساءلة في جميع أنحاء العالم، في وقت تحرّم على الدول الأخرى أن تحذو حذوها".
بدوره، أكد المحلل الاميركي الشهير "جاستين ريموندو"، أن مزاعم واشنطن بحق طهران أشبه بـ"الحكايات والقصص الخيالية"، وفي مقال له تحت عنوان " المؤامرة المنسوبة لإيران مفبركة تماماً" على موقع "آنتي وار" (ضد الحرب) كتب ريموندو أن "عبارات هذا الاتهام تشبه الحكاية، وإذا أردنا أن نعلم مدى الفبركة فيها، فإنه علينا أن نلقي نظرة إلى تقرير المدعي العام الاميركي بريت باهارارا"، الذي قال في مؤتمر صحفي انه لم يحصل اي انفجار في اي مكان ولم يتعرض أي شخص للخطر، وأكد ريموندو أن هذه التصريحات تدل على أن "جميع هذه القضايا مفبركة من البداية حتى النهاية".
وأضاف المحلل الأميركي أن هذا هو "إنجاز آخر من إنجازات أميركا المفبركة ضد "الإرهاب"، والتي اختلقت جريمة في ذهنها ومن ثم قامت بحله"، ورأى ريموندو أن "هذا نموذج عام من عمليات اميركا ضد "الإرهاب" لأن الحصول على الإرهابيين الحقيقيين واعتقالهم أمر صعب جداً، وإنهم بدلاً من ذلك ينصبون الفخ للمسلمين المهاجرين ومن ثم يستدرجونهم نحو هذا الفخ وفي الوقت المناسب يصطادونهم"، ومضى ريموندو قائلا: "هذه القصة المفبركة تمت في إطار الدعاية الحربية ضد إيران كما أن الولايات المتحدة استخدمت نفس الاسلوب بشأن العراق، وأعلنت أن العراق يمتلك سلاح الدمار الشامل ".