22-11-2024 03:14 PM بتوقيت القدس المحتلة

"هربنا.. عندما قرر حزب الله أن نخرج"*

منذ خمسة عشر عاماً، أدرك الاسرائيليون أن ما يحدث ليس بالظرف الآني، بل إنه بداية لعهد جديد بالنسبة لكيان اعتاد منذ نشأته على ثقافة الانتصار السريع والقدرة الدائمة على الحسم

في 24 أيار/مايو عام 2000، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك أثناء مؤتمر صحافي، "بعد 18 عاماً، خرج الجنود من هذه المأساة اللبنانية التي استمرت 18 عاماً وحصدت ثمناً باهظاً، لقد جاء هذا اليوم الى نهايته، الآن انني مسرور لأننا اعدنا ابناءنا الى البلاد". هكذا خاطب باراك الرأي العام الاسرائيلي عشية تحرير جنوب لبنان، وهكذا مهّد للهزيمة التي "شكلت محطة مفصلية للمسار الانحداري لاسرائيل"، بحسب الخبير في الشؤون الاسرائيلية علي حيدر.

وقتها، أي منذ خمسة عشر عاماً، أدرك الاسرائيليون أن ما يحدث ليس بالظرف الآني، بل إنه بداية لعهد جديد بالنسبة لكيان اعتاد منذ نشأته على ثقافة الانتصار السريع والقدرة الدائمة على الحسم، ولعل ما كتبه حامي شليف في صحيفة معاريف في 23 أيار/مايو عام 2000 يعكس ذلك، حيث قال "تلقينا أمس وابلاً من الصور التي ستحفر ذكرى سيئة في وعينا الجماعي، لا توجد انسحابات سارة ولا حتى انسحابات مجانية ورائحة الإهانة تعبق في الأجواء، العدو يحتفل على الملأ والجيش الاسرائيلي يبحث عن سبل للنجاة".  كما قال شليف، لم يكن الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان مجانياً، فما سبق أيار 2000 مسار طويل من الهزائم المتراكمة اثبتت عدم القدرة على البقاء، بالرغم من جميع المحاولات، وصولاً الى التسليم باستحالة القضاء على ارادة المقاومة، وما تلا ذلك التاريخ من تغيرات كبيرة داخل الكيان.

عندما ادركت "اسرائيل" أن المقاومة مستمرة بالرغم من كل شيء..

في حديث لموقع المنار، يشرح الخبير في الشؤون الاسرائيلية علي حيدر تداعيات الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان، مستنداً الى ما قاله رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحاق شامير بأن حزب الله " اثبت أن هناك عرباً من نوع آخر، بعد أن اثبتنا للعرب دوماً أنه يجدر بهم ألا يحاولوا ارغامنا على تقديم تنازل لهم بالقوة لأنهم في النهاية هم الطرف الذي سيقدم تنازلاً".

قبل الحديث عن مرحلة ما بعد التحرير عام 2000، يرى حيدر أنه لا يمكن فصل هذه المرحلة عن ما سبقها، فقرار الانسحاب الاسرائيلي "لم يأت نتيجة أن هناك رئيس وزراء لديه رؤية محددة لمستقبل وواقع الاحتلال في الحزام الأمني، هذا القرار اتى بعد أن استنفذت اسرائيل كافة الخيارات البديلة التي كانت تراهن عليها من أجل استمرارية الاحتلال من دون دفع اثمان مؤلمة".

ويضيف حيدر أن قرار الانسحاب اتى بعد الفشل الاسرائيلي من منع استمرارية المقاومة وتعاظمها وتطورها، لافتاً الى أن "اسرائيل" لجأت الى كل الوسائل لقمع المقاومة أو اخمادها، "بدءاً بالاجراءات الوقائية والدفاعية في الحزام الأمني (لكن المقاومة استطاعت الاستمرار باختراق هذا الحزام)، اضافة الى عمليات اغتيال لكوادر المقاومة من وراء الحدود، اغتيال القادة، شنّ عمليات عسكرية (عدوان 1993 و1996)، قرار الانسحاب اتى بعد كل هذا، أي بعد فشل كل الرهانات وبعد فشل كل ما ابدعه العقل الاسرائيلي من أجل البقاء ".

هنا وصلت "اسرائيل" الى مرحلة التسليم بالعجز على القضاء على حزب الله، "اضافة الى تسليم اسرائيلي بالعجز على ردع المقاومة وليس فقط القضاء عليها"، بحسب حيدر، فالمقاومة مستمرة بالرغم من كل شيء.

"أنت لا تخرج الجيش الاسرائيلي من لبنان، انت تدخل حزب الله الى اسرائيل"

عندما اتخذ ايهود باراك قرار الانسحاب من جنوب لبنان، اتصل به قائد ما يُسمى فرقة الجليل في ذلك الوقت آفي ايتام قائلاً "أنت لا تخرج الجيش الاسرائيلي من لبنان، انت تدخل حزب الله الى اسرائيل". يستعين الخبير في الشؤون الاسرائيلية بمقولة ايتام لتوصيف مدى تأثير تحرير عام 2000 على العقلية الاسرائيلية، خصوصاً لجهة المخاوف من تعميم تجربة هزيمة "اسرائيل" على المنطقة العربية.

فبالرغم من أن لكل بلد عربي ظروفه ثبت من خلال تجربة لبنان أنه "عندما تتوفر الارادة، وتتوفر المقاومة وبعض من الاحتضان الشعبي والاحتضان الاقليمي الذي يرفد المقاومة ببعض القدرات، يصبح بالامكان الانتصار على اسرائيل"، يقول حيدر، مضيفاً أنه في لبنان "تمّ شق الطريق وفرض النموذج".

بعد تجربة لبنان، يشير حيدر الى أن "اسرائيل" ادركت محدودية قوتها في لبنان، وأن هامش القوة لديها ليس بالمدى الواسع الذي كانت تتصوره، "وقتها قامت ببناء سياسات على اساس هذا التحول، أي بناءً على عدم امكانية تنفيذ ما يُسمى بمشروع اسرائيل الكبرى، وهذا ما يفسر مقولة أن لبنان وضع المسمار في نعش اسطورة بناء اسرائيل الكبرى"، وهذا كان من اهم التداعيات الاستراتيجية للانسحاب الاسرائيلي من لبنان.

بحسب المطلعين على الشأن الاسرائيلي، فإنه بعد أيار 2000 لم يعد المجتمع داخل "اسرائيل" يؤيد حرباً بهدف التوسع، يؤكد حيدر ذلك بالقول "إن اسرائيل تعتبر الآن في ذروة قوتها، فلم يسبق لها منذ نشأتها أن كانت بما هي عليه من قدرات على المستوى العسكري والتكنولوجي، بالرغم من ذلك لم تعد تفكر في التوسع خارج حدودها والبقاء".

هنا يلفت الخبير في الشؤون الاسرائيلية الى أن "هذا لم يغير من حقيقة أن اسرائيل كيان عدواني قد يشنّ حرباً في أي وقت"، موضحاً أن "الرهانات الاسرائيلية تتأثر في التحولات المحيطة سلباً أو ايجاباً، فاخراج اسرائيل من ارض لا يعني خروج هذه الأرض من اطماع اسرائيل، التطورات هي التي تجدد أو تحجّم رهانات اسرائيل، وهذا يثبت ان الحفاظ على التحرير اصعب من تحقيقه"، وهذا ما يدركه حزب الله جيداً وينعكس في رؤيته واستراتيجياته قولاً وفعلاً.

عنوان المقال اعلاه هو نفسه عنوان مقال للمحلل السياسي الاسرائيلي يوآف ليمور نُشر في صحيفة معاريف في 26 أيار/مايو عام 2000