23-11-2024 08:11 PM بتوقيت القدس المحتلة

قولنا والعمل... فعل مقاومة

قولنا والعمل... فعل مقاومة

لم يضعف المقاومون ازاء كل محاولات التوهين والتثبيط لعزائمهم. فقدموا أرواحهم على مذبح الوطن، وأكملوا المسير... فكان التحرير. عام 2000

ندى رعد

أحبّ وطني، وطني لبنان، وكلّنا للوطن.

كما حال شعوب الارض، يتربّى الفرد على حبّ وطنه. فمنذ اليوم الاول لعامه الدراسي الاول، يبدأ الطفل بتعلّم النشيد الوطني مع اكتسابه الحروف الابجدية. ويتسابق التلامذة فيما بينهم على إلقائه دون أي أخطاء لغوية، فيكسب المتميّز علامات إضافية أو تهنئة من الأساتذة. النشيد اللبناني تعلّمناه منذ صغرنا وحفظنا معانيه المنضوية على التعلق بالوطن، بسهوله وجباله، فهو "منبت للرجال"، وببحره وبره، "درة الشرقين"...

وكبرنا في موطننا ندرس تاريخه العاصف بالحروب الاهلية والغزوات الشرقية والغربية وتنازع الدول عليه كقطعة الحلوى. كبرنا أكثر واذ بنا نكتشف أنّ أبناء الوطن الواحد يختلفون على رواية تاريخه، فيُخوّن المناضل ويكرّم الخائن، ويصبح المستعمر "أمّا حنونة" والبلد العربيّ الجار "محتلّا".

فلنترك التاريخ لأهله، فالماضي مضى والجدل حوله لا يفيد.

على مقربة من موطني، أقيمت دولة صهيونية على أنقاض وطن عربي في منطقة عربية. أطماعها كثيرة، وحلمها بسط سيادتها على دول عربية أخرى، من ضمنها لبنان. شعارها من "النيل الى الفرات"، وغايتها إقامة دولة تاريخية كبرى لليهود. اسرائيل هذه، لم توفّر وسيلة لتحقيق مرادها: فشرّدت الفلسطينيين، واستوطنت ديارهم، ارتكبت المجازر بهدف تركيعهم وثنيهم عن المطالبة بما يملكونه. بات الفلسطينيون مشتتين في أصقاع الارض. وانتقلت اسرائيل الى لبنان.

حروبٌ ومجازر بالجملة إرتكبها المحتلّ بحقّ قسم من شعبي يعيش على مقربة من الارض المحتلة، ووّسع المحتلّ عدوانه فوصل الى العاصمة بيروت، وكاد يعلنها ولاية تابعة له الى أن... انتفض شبان ورجال ونساء بوجه العدوان وقالوا لوطنهم: "نحن أسد غاب متى ساورتنا الفتن"، فبدأ العمل المقاوم بمختلف أطيافه السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية لصدّ الاحتلال، وطرده من موطني لبنان.

وضحك العالم وسخرت اسرائيل وسأل المستسلمون، وبعضهم من لبنان: هل تقاوم العين المخرز؟

لم يضعف المقاومون ازاء كل محاولات التوهين والتثبيط لعزائمهم. فقدموا أرواحهم على مذبح الوطن، وأكملوا المسير... فكان التحرير. عام 2000، اندحرت "اسرائيل" بقواتها وعملائها الى ما وراء الحدود. إنكفأ الغول خلف القضبان يتخبّط حائرا لا يفهم ما جرى له.

وهنا في لبنان، احتفل المقاومون وأهاليهم وتراب بلادهم بتطهير الوطن، "فالشيخ والفتى لبّوا صوت الوطن" لكن كيد العدو ما زال رابضا على حدود وطني، فهو لا زال حيّا يتنفّس، يخطّط لضربنا وينفّذ عدوانه بعد ستّ سنوات ظنّا منه أنّ لبنان سيكون عاجزا عن رده.

واذ بالمقاومين من جديد يلحقون به هزيمة مدوّية في ربى وطني، ويعود الغول لقفصه أوهن من بيت العنكبوت. بات العدو يخشى لبنان ويدرك أنّه لوحده ليس بقادر على هزيمته. فقرّر الالتفاف عليه وتغيير تكتيكاته. جنّد كل مقوماته السياسية وعلاقاته الدولية فاستحضر من سجون الارض كلّ قاتل وسفّاح ومن مغاور الجبال كلّ هارب من القانون، واستمال فنّانين ومدمني المخدرات وسذّج العقول ودمجهم مع تائهين في بحور الجهل يدّعون العلم والايمان ويفتون بما ترفضه العقول.

وصلوا جميعا الى حدود وطني كما استباحوا دولا مجاورة، قتلوا وفجّروا وبدؤوا يتحضّرون  لاعلان لبنان ولاية تابعة لهم. عاثوا في الارض الفساد تحت لواء الدين، ونشروا الفتن لاضعاف وتفتيت جسد الوطن من الداخل. فهم كإسرائيل، غدة سرطانية، خبيثة بطبيعة الحال.

ولأنّ الغدّة السرطانية لا بدّ من استئصالها، انتقل المقاومون من السهول الى الجرود، ف "شرقُنا قلبه أبدا لبنان". مهمّة ليست بسهلة لكنّها غير مستحيلة. أعدوا العدّة وطردوا العدو من الجزء الاكبر للسلسلة الشرقية وباتوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان التحرير الجديد.

لكن في لبنان، فئة لم تقرن "القول بالعمل في سبيل كمال الوطن"، فالنشيد الوطني بالنسبة لهم مجرّد لحن يعزف في بداية احتفالاتهم، ويتفنّنون بإنشاده بمقامات الموسيقى والغناء المختلفة. قد لا توافق تلك الفئة على ما تقدّم، لكن حتى يبقى "مجد لبنان وأرزه رمزا للخلود"، لا بدّ أن يصونه أبناؤه من ضربات المعتدين أينما وجدوا على تراب الوطن. فالشعارات عن بُعد ليست ناجعة لدحر جحافل الارهاب المتربّصة بنا.

رجال المقاومة، صانوا سهول وطنهم كما جروده، وهم لا ينتظرون علامات إضافية من هنا أوتهنئة من هناك. يكفيهم أنّهم منذ ثلاثة وثلاثين عاما أو يزيد، يسطرون البطولات ويعلّمون العالم كيف تُصنع الانتصارات.