قدّر تقرير شبه رسمي الحجم الإجمالي لهجرة السوريين خلال السنوات الأربع الأخيرة بما يراوح من 1 إلى 1.2 مليون مهاجر، مرجحاً ارتفاع معدل صافي الهجرة الاعتيادية
تتزاحم المؤشرات السلبية لتداعيات الأزمة على الحالة السكانية، لترسم واقعاً مخيفاً من شأنه ترك «ندبات» قد يصعب محوها أو معالجتها على المدى المتوسط.
قدّر تقرير شبه رسمي الحجم الإجمالي لهجرة السوريين خلال السنوات الأربع الأخيرة بما يراوح من 1 إلى 1.2 مليون مهاجر، مرجحاً ارتفاع معدل صافي الهجرة الاعتيادية (للدراسة أو للعمل أو لأسباب أخرى) إلى ما لا يقل بالمتوسط عن 15 بالألف، أي ما بين 250 إلى 300 ألف مهاجر سنوياً، وليصبح بذلك الحجم التراكمي لصافي الهجرة الكلي لمرحلة الأزمة وما قلبها بحدود 4.3 ملايين مهاجر.
وفي ما يتعلق بتقديرات العدد الإجمالي لحالات اللجوء إلى دول الجوار أو بعض الدول العربية والأجنبية، يشير تقرير «التقديرات الأولية لانعكاسات الأزمة على الواقع السكاني في سوريا»، الذي أعدته الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، إلى أن عدد حالات اللجوء التراكمي الفعلي حتى نهاية عام 2014 يرجّح أنها بحدود 2.8 مليون نسمة، يضاف إليهم الحجم التراكمي للزيادة السكانية خلال السنوات الأربع، المقدرة بنحو 75 ألف نسمة، ليصبح العدد نحو 3.1 ملايين نسمة.
ولا يقل واقع النزوح الداخلي خطورة عن الهجرة واللجوء الخارجيين، إذ تكشف التقديرات الأولية أن «ثلث سكان سوريا على الأقل قُدِّر لهم أن قاموا بحركة نزوح أو أكثر من مكان إقامتهم الاعتيادي إلى مكان آخر، سواء أكان هذا المكان الذي نزحوا إليه هو مكان إقامة عائلاتهم الأصلية كهجرة معاكسة أو غير ذلك»، ووفق التقديرات نفسها، فإن «أكثر من ربع السكان (نحو 6 ملايين نسمة) هم الآن خارج مناطق سكنهم أو سكن عائلاتهم الاعتيادي قبل الأزمة».
ويتتبع معدو التقرير جغرافية النزوح الداخلية، فيؤكدون أن حركة النزوح تتم في أغلب حالاتها من منطقة لأخرى داخل كل محافظة وبحسب درجة الأمان والاستقرار أو تبدلهما من فترة لأخرى، ومع ذلك فإن محافظات اللاذقية وطرطوس ودمشق والسويداء تميزت بأنها أكثر المحافظات المستقطبة للسكان النازحين، مقابل حلب وإدلب وريف دمشق ودرعا التي كانت أكثر المحافظات الطاردة للسكان.
ويخلص التقرير الموزع على نطاق ضيق للدراسة والبحث، في هذا الجانب إلى أن «تسريع عودة النازحين والمهجرين إلى أماكن إقامتهم المعتادة بعد استرجاع حالة الأمن والأمان والاستقرار إلى سابق عهدها قبل الأزمة، لا يتطلب فقط ترميم وإصلاح أو إعادة بناء المساكن والبنى التحتية للمنشآت الاقتصادية والخدمية، بل يجب أن يترافق ذلك مع سياسات وبرامج وإجراءات تنموية تعالج الخلل الذي أصاب البنى الاجتماعية والثقافية، وترمم ما تضرر أو فقد من رأس المال الاجتماعي».
فجوات الأعمار
اللافت في استنتاجات التقرير أن متوسط الزيادة السنوية للسكان في تصاعد مستمر، وعلى ذلك فإن التراجع في حجم السكان الآني (ويقدره الباحثون حالياً بنحو 19.8 مليون نسمة مقارنة بما كان متوقعاً والبالغ نحو 22.7 مليون نسمة) لا يشير إلى تراجع الزخم (الدفع) السكاني للسكان السوريين، بل إلى الحركة السكانية (الهجرة واللجوء) غير الاعتيادية.
فالأزمة «أثرت بشكل حاد على معدل النمو السكاني العام وأدت إلى انخفاضه آنياً ليصبح سالباً، إذ يقدر هذا المعدل خلال السنوات الأربع الأخيرة بنحو -0.9% تقريباً، فيما يتوقع أن يشهد معدل النمو السكاني الطبيعي (بعد تحييد عامل الهجرة الخارجية واللجوء) ارتفاعاً طفيفاً من نحو 2.9% قبل الأزمة إلى حدود 3-3.1% خلال الأزمة، وذلك نتيجة حدوث تغيير سلبي في محددات السلوك الإنجابي واتجاهاته».
وعلى ذلك فإن عدد سكان سوريا مع عودة حالات اللجوء والهجرة غير الاعتيادية على المستويين المتوسط والبعيد «لن يقل عن 42 مليون نسمة عام 2050 بمعدل زمني لتضاعف عدد حجم السكان يقدر بنحو 29.1 سنة، وبزيادة سنوية لا تقل عن نصف مليون نسمة، ويرجح ارتفاعها التدريجي لتتجاوز 600 ألف نسمة خلال العقد القادم».
في المقابل، تشير تقديرات التقرير الأولية إلى احتمال ارتفاع معدل الوفيات الخام في عام 2013 إلى نحو 0.07% ومعدل وفيات الأطفال الرضع إلى أكثر من 0.023%، ومعدل وفيات الأطفال دون الخمس سنوات إلى ما يقارب 0.025% ومعدل وفيات الأمهات إلى نحو 65 وفاة لكل مئة ألف ولادة حية، «ومن المتوقع في حال استمرار الأزمة أن تزداد المؤشرات الديموغرافية الحيوية تدهوراً في ظل الأعباء والتحديات الهائلة».
ليس هذا فحسب، بل إن استمرار الأزمة لفترة زمنية طويلة من شأنه إحداث خلل واضح في «عملية التحول الديموغرافي وانتظام عملية انفتاح النافذة الديموغرافية، ولا سيما لجهة تأثر فئات عمرية محددة أكثر من غيرها بتداعيات الأزمة، وقد تجلى ذلك على شكل فجوات أو نتوءات في مضلع الأعمار، وتحديداً في الفئة العمرية الأولى (0-4) سنوات وبعض الفئات العمرية النشطة إنجابياً (15-49) سنة».
مليونا عامل فقدوا وظائفهم
في ميدان النشاط الاقتصادي، يتناول التقرير تطورات بعض المؤشرات الرئيسية كقوة العمل والبطالة، إذ يتوقع معدو التقرير انخفاض حجم قوة العمل خلال الفترة الممتدة من عام 2011 إلى عام 2014 بنحو 16.4%، أي بنسبة توازي على الأقل نسبة انخفاض حجم السكان، كذلك سيكون هناك تغيير ملحوظ بين شطري قوة العمل بارتفاع نسبة المتعطلين على حساب المشتغلين. كذلك هناك خلل متوقع في التركيب التعليمي لقوة العمل، يتمثل بهجرة أصحاب الكفاءات والعمال المهرة وأصحاب الخبرات من سوق العمل المحلية إلى الخارج.
بالنسبة إلى معدل البطالة خلال سنوات الأزمة، تبدو التقديرات متقاربة جداً إلى تلك التي نشرتها سابقاً جهات بحثية مستقلة وأممية، إذ بالاستناد إلى حجم الضرر الذي لحق بالمنشآت الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، يتوقع التقرير أن تكون نسبة البطالة قد وصلت في عام 2013 إلى نحو 43%، فيما يتوقع أن تتجاوز حاجز 50% في عام 2014، فهناك ما يزيد على مليوني عامل فقدوا وظائفهم، وهذا ما عرض حياة ومعيشة أكثر من 6.4 ملايين نسمة للخطر وأدخل معظمهم دائرة الفقر المدقع.
ولا تقف التأثيرات السلبية عند ارتفاع المعدل الإجمالي للبطالة، فمن المتوقع أن تقترب نسبة البطالة بين الإناث من ضعف نسبتها لدى الذكور، كذلك إن شريحة الشباب هي الأكثر تأثراً في تقلص فرص العمل المتاحة، فالتقديرات الأولية تقول بوصول نسبة المتعطلين الشباب إلى نحو 42% من قوة العمل، وبين الشباب أنفسهم إلى نحو 66%.
أكثر من نصف السكان في حالة فقر
رغم تراجع تقديرات الباحثين المتعلقة بمعدل انتشار الفقر بفعل تداعيات الأزمة مقارنة بما أعلن سابقاً، سواء من قبل المركز السوري لبحوث السياسات أو منظمة الأسكوا، إلا أنها تبقى تقديرات تذكر بحجم معاناة السوريين وقسوة ظروف الحرب على معيشتهم، إذ يرجح التقرير أن أكثر من نصف السكان يعيشون في حالة فقر منهم 7 ملايين نسمة دخلوا في دائرة الفقر الأدنى، فمعظم الأسر السورية أنفقت مدخراتها واستنفذت استراتيجيات التأقلم المتاحة أمامها.
تستكمل مؤشرات الأزمة صورتها القاتمة مع التوقعات بارتفاع نسبة الأمية لتصل إلى أكثر من 20%، وزيادة نسبة عدم الالتحاق نهائياً بالدراسة إلى حدود 10%، كذلك إن نسبة التسرب ارتفعت إلى أكثر من 30%، هذا فضلاً عن الحالة التعليمية المتردية للأطفال المهجرين في دول اللجوء، فنسبة قليلة جداً من هؤلاء الأطفال يتاح لهم متابعة التعليم أو المواظبة عليه.