أمام بعض من يدَّعون تمثيل اللبنانيين ويرسمون الخطوط الحُمر بإسم الشعب وبالنيابة عنه، لها الحقّ شريحةٌ واسعة جداً من المجتمع اللبناني، أن تعبِّر عن رأيها في اليقظة الشعبية لقرى الأطراف
أمين أبوراشد
أمام بعض من يدَّعون تمثيل اللبنانيين ويرسمون الخطوط الحُمر بإسم الشعب وبالنيابة عنه، لها الحقّ شريحةٌ واسعة جداً من المجتمع اللبناني، أن تعبِّر عن رأيها في اليقظة الشعبية لقرى الأطراف المُتاخمة للحدود حيث ينتشر الإرهابيون التكفيريون الغرباء، وليس بالضرورة أن يكون اللبناني منتمياً "حزبياً" الى حزب الله – وهذا شرفٌ عظيم –، ليُعلن الإنتماء الى سياسة الحزب ومدرسة المقاومة وقيادتها، وهو ما نُعلنه بصرخة أقلامنا وبحناجرنا وبكل الوسائل المُتاحة لنا كلبنانيين، مسلمين كنا أم مسيحيين، لأداء واجبنا وإثبات أهليتنا ضمن المعادلة الذهبية، وأن نُشارك على الأقل في مراقبة حدود قُرانا، وأن نقف خلف الجيش والمقاومة دفاعاً عن الأرض والوطن وبعد..،
في عزِّ المواجهات، ومنذ بدايات المقاومة، يتحدَّث البعض عن خطوطٍ حُمرٍ أمامها، من منتصف الثمانينات مروراً بمعجزة تحرير الوطن عام 2000، الى ردع عدوان تموز وتحقيق النصر عام 2006، وصولاً الى مواجهتها للتكفير الإرهابي الزاحف من الشرق، لتعود مجدداً التصريحات عن خطوطٍ حُمر، وكان آخرها ما يتعلق ببلدة عزيزة كريمة هي عرسال، علماً بأننا لا نرغب بتبيان أين كانوا بعض "رسَّامي" الخطوط الحمر عندما كان "أحمر" الشهادة يختلط بالحديد المُنصهر لدبابات العدو في "وادي الحُجَير"، وأين هُم أنفسُهُم الآن من المواجهات البطولية في أقسى المعارك بالقلمون، لإبعاد شبح مشاهد جهنَّم التي يؤديها التكفيريون بحق البشر والحجر وكل مقومات الحياة والحضارة الإنسانية أينما حلُّوا؟!
وإذا كان البعض يظنُّ أن تصريحاً من هنا وإطلالة من هناك لأشخاص سياسيين لا يتعدَّى حجمهم الجماهيري عائلتهم الصغيرة وجيران الحيّ، يُبيح لأيٍّ كان رسم الخطوط الحُمر في وقتٍ تخوض فيه المقاومة أشرس المواجهات مع مخلوقات شيطانية تشكِّل خطراً على كافة اللبنانيين دون استثناء، فيجب أن يكون هذا البعض ضنيناً بالتراب اللبناني وبالسيادة وبالشعب أكثر من المقاومة، التي في عزِّ المواجهات عام 2000 و2006 كانت حريصة - بفاعلية مُذهلة - على احتضان من ألزمهم العدوان من العائلات على مغادرة منازلهم واللجوء الى مناطق أكثر أمناً وهنا بيت القصيد:
في العام 2000 كان هناك احتضانٌ لمن نزحوا من بيوتهم بما عُرف عن الشعب اللبناني من كرم الأخلاق والأخوَّة الطبيعية، لكن احتضان العام 2006 كان مُغايراً، لأن أبناء المناطق الحاضنة شعروا وكأنهم يستقبلون عوائل أبطال سطَّروا ملاحم شرف في العام 2000، فكان التعاطف أشمل وأعظم، ومنذ ذلك التاريخ باتت ثقافة المقاومة مقرونة بالهوية اللبنانية، وبكل تلقائية وعفوية تشكَّلت المعادلة الثلاثية، ووجد الشعب نفسه نصيراً للجيش والمقاومة وليس بحاجة للمرور عبر طبقة سياسية أو بيانات وزارية تعترف بهذه المعادلة، وحقٌّ لهذا الشعب اليوم أن يرفض من يسعون لإحداث شرخٍ بينه وبين حُماة الوطن، وحقُّه أن تتشكَّل مجموعات أهلية أو بلدية منضبطة تحت سقف القانون سبق وأثبتت نجاحها خلال السنوات السابقة في مراقبة قراها وبيوتها وأرزاقها، وليتوقَّف الإعلام غير المسؤول عن نقل التصاريح المسمومة وتأليب شرائح الشعب على بعضها، والحديث عن "تعبئة عامة" سبق لقائد المقاومة أن أكَّد عدم الحاجة إليها في الوقت الحاضر.
عرسال..، كفى هذه البلدة التي تعايشت مئات السنوات مع محيطها أن تبقى "قميص عثمان" من أجل حسابات ضيِّقة جداً لسياسيين ليسوا أبناء المنطقة ولا نوابها، وليسوا أحرص من عشائر أبناء بعلبك الهرمل على حسن الجوار معها، حتى عندما كانت السيارات المفخَّخة تمرُّ منها لتمزِّق الأبرياء في الهرمل أو الضاحية أو بئر حسن، وليسوا أكثر خبرةً من المقاومة في خوض المعارك وتحييد المجتمع المدني عن أية مخاطر، ثُمَّ من قال لهم أن المقاومة ستدخُل عرسال، طالما أن سيِّد المقاومة دعا الدولة والجيش مراراً لدخول عرسال وحماية أهلها من المسلحين التكفيريين الذين دخلوها تحت ستار النزوح وجعلوا من المخيمات معسكرات ومحاكم ميدانية لأبناء عرسال.
للآخرين ان يضعوا عبر الشاشات الخطوط الحُمر التي تخدِم سياسة الزواريب، وللمقاومة خطوطها الحُمر على مستوى الوطن، وأوَّل خطوطها هي سلامة المدنيين وعائلاتهم من أية ارتدادات لمعارك الحقّ التي تخوضها من جهة، واحتواء النعرات المذهبية التي حملتها وتحملها الرياح القادمة من "ربيع العرب" من جهة أخرى، وهذه المقاومة التي اعتادت الطعنات بالظهر من البعض لحسابات دونيَّة، لا خطّ أحمر أمامها لطرد آخر غريب تكفيري من جرود عرسال أو أية منطقة لبنانية محتلَّة والشعب اللبناني يُدرك، أن سلاح المقاومة كان وما زال مع سلاح الجيش ضمانة وطنية، ولكلٍّ من الجيش والمقاومة دوره.
كفى مزايدات على حساب أبناء عرسال، ولتتفضَّل الحكومة التي لم تتوافق بعد على ما يجب فعله لحماية البلدة أن تتحمَّل مسؤولياتها أمام شعبها، وكفى سموماً مذهبية لن تقدِّم أو تؤخِّر في مسيرة مقاومة لها قيادتها الحكيمة التي ترسم لها خطوط المواجهة مع العدوان حيثما كان، وخطُّها الأحمر الشامخ بلون الشهادة واحدٌ أحد، كرامة الوطن وسيادته على ترابه وسلامة شعبه، ومن لديه رأيٌ آخر فليرجع الى الشعب وليسمع صوته في صناديق استفتاء على امتداد لبنان...