لطالما كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تشكل حدثا إستثنائيا في المشهد اللبناني منذ تشأتها وحتى اليوم، في كل عمل يصدر عنها أو كل خبر يتعلق بها، وليس آخرها طرح موضوع تمويلها.
لطالما كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تشكل حدثا إستثنائيا في المشهد اللبناني منذ تشأتها وحتى اليوم، في كل عمل يصدر عنها أو كل خبر يتعلق بها، وليس آخرها طرح موضوع تمويلها وما أظهره من إنقسام بين اللبنانيين حول وجوب الالتزام به من عدمه. ولطالما قدمت هذه المحكمة "مفاجآت" للبنانيين والعالم، مفاجآت تخالف المنطق القانوني حينا كتجزئتها القرار الاتهامي الصادر عنها وإعطاء نفسها وضع قواعد الاجراءات امامها، ومفاجآت أحيانا أخرى قد يحتاج المتابع الى تحليل معين للبحث في خلفياتها ومعرفة مسبباتها واهدافها كتقديم الاستقالات من قبل بعض العاملين فيها وهي ظاهرة قد تحتاج لوحدها بحثا مستقلا عن "أسطورة" المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
وفي خضم الحديث عن تمويل المحكمة والاسباب التي بدأت تساق لدعم الموقف الرافض لالتزام الحكومة اللبنانية بالتمويل، وصولا الى المطالبة بفك الارتباط بين لبنان والمحكمة الدولية، برز قبل أيام إعلان المحكمة أن رئيسها أنطونيو كاسيزي قدم إستقالته وتمَّ تعيين رئيس جديد لها هو دايفيد باراغوانث، من دون سابق إنذار مما يثير الريبة خصوصا أن المحكمة عللت إستقالة كاسيزي أنه لاسباب صحية، فهل هذه الأسباب الصحية تمنعه من القيام بمهام رئيس المحكمة ولا تمنعه من القيام بمهامه كعضو في غرفة الاستئناف في المحكمة؟
هل الاسباب الصحية هي التي أدّت الى تنحي كاسيزي أم أن هناك أسبابا أخرى؟
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه هل حقا أن الاسباب الصحية هي التي أدّت الى تنحي كاسيزي أم أن هناك أسبابا أخرى تقف وراء ذلك؟ وهل لموضوع التمويل ومن ثم المطالب بفك الارتباك مع المحكمة دور في ذلك، خصوصا أنه ظهر للعيان ومن دون أدنى شك مدى علاقة كاسيزي بـ"إسرائيل" بالاضافة الى تورط غيره من العاملين في المحكمة في "صداقة" عدو لبنان، فمن المؤكد أنه حين يطرح موضوع التمويل سيأتي من يسأل في لبنان سواء داخل الحكومة أم داخل المجلس النيابي أم في وسائل الاعلام وحتى في الشارع أو في المقهى أو في سيارة الاجرة، لماذا على لبنان تمويل محكمة "صديق إسرائيل" رئيسا لها؟ فهل من أعطى الضوء الاخضر لكاسيزي بالتنحي عن رئاسة المحكمة يريد تلميع صورة المحكمة وإبعاد بالحد الادنى شبهات صداقتها والعاملين فيها لـ"اسرائيل"؟ وإبعاد كاسيزي بهدف التلميع يدفعنا للسؤال هل من أتى بدلا عنه وهو القاضي دايفيد باراغوانث تاريخه مختلف عن تاريخ كاسيزي في صداقته لعدو لبنان ام انهما متشابهان وبالتالي نكون فقط غيرنا الاسماء والهدف واحد؟
وإن لم يكن تحسين صورة المحكمة في الوقت الضائع(حيث لن ينفع التلميع والتجميل) هو الهدف من وراء إستقالة كاسيزي فماذا يكون إذن هل حقا ما يقال عن أن كاسيزي سقط جراء صراع بينه ومدعي عام المحكمة دانيال بلمار؟ وهل ان المحكمة فيها صراعات وتيارات متنافسة أم أن فيها شخصيات قانونية وقضائية مرموقة تعمل بجد وإحترافية للوصول إلى معرفة حقيقة من قتل رئيس الحكومة الأسبق في لبنان رفيق الحريري؟
أسود: إستقالة كاسيزي تندرج في اطار توزيع الادوار في المحكمة الدولية للايحاء بجديتها
حول كل هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال الى عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النيابي في لبنان النائب زياد أسود الذي اعتبر ان "استقالة كاسيزي تندرج في اطار توزيع الادوار في المحكمة الدولية"، وذكّر أن "هناك العديد من الاستقالات التي شهدتها المحكمة من قبل وأن بعض هذه الاستقالات جدي وبعضها الآخر غير ذلك بهدف الايحاء دائما بجدية وديناميكية المحكمة وبأنها تسعى للوصول الى العدالة والحقيقة"، وأكد أن "هذه الاستقالة لن تؤثر وتغيّر في مسار المحكمة"، معتبرا ان "رحيل كاسيزي ووصول دايفيد باراغوانث هو فقط تغيير للوجوه خاصة ان هناك الكثير من علامات الاستفهام حول عمل هذه المحكمة وكيفية إطلاق الاتهام وخلفية هذا الاتهام وتفصيل قوانين المحكمة على قياس هذا الاتهام".
اسود: كاسيزي وباراغوانث هما وجهان لعملة واحدة
وشدد أسود في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني على انه "طالما ان الدافع الصحي هو الذي يقف وراء استقالة كاسيزي من رئاسة المحكمة فلماذا بقي الرجل كعضو في غرفة الاستئناف في المحكمة"، ورأى ان "هذه الاستقالة لا تقرّب ولا تؤخر في عمل المحكمة وصدقيتها وانما هي محاولة يائسة لزيادة مصداقية المحكمة"، وأكد ان "هذا الامر لن يحصل لان المحكمة بقيت ذاتها وعملها ذاته وكذلك المخالفات القانونية التي ارتكبتها"، واعتبر ان "كاسيزي وباراغوانث هما وجهان لعملة واحدة"، ورفض "القول ان صراع بين مدعي عام المحكمة دانيال بلمار وكاسيزي هو الذي اطاح بالاخير"، مشيرا الى ان "قضاة المحكمة لا يتنافسون لتطبيق القانون وتحقيق العدالة بل هم يتنافسون لمخالفة القانون".
ولفت اسود الى ان "طرح استقالة كاسيزي جاء في هذا الوقت قبيل طرح مواضيع حساسة وهامة بالنسبة للمحكمة الدولية ومنها ملف تمويل المحكمة وفك الارتباط معها بالاضافة لملف شهود الزور"، واشار الى ان "هذه الاستقالة تأتي قبيل البدء بالبحث بهذه الملفات للايحاء بتحسين صورة المحكمة"، سائلا "هل نسيَّ أحد كيف هرّبت المحكمة في مجلس الوزراء ايام حكومة السنيورة وكيف تمّت مخالفة القانون والدستور في لبنان وكيف تمَّ القفز وتجاهل رئيس الجمهورية"، مشيرا الى ان "رفض تمويل المحكمة لم يأت من فراغ وانما اساسه ان هذه المحكمة مخالفة للقانون والدستور في لبنان وتستخدم للاضرار بمصلحة لبنان ولن تؤدي الى الحقيقة والعدالة بل تهدف لعزل فريق وطائفة وفئة كاملة من اللبنانيين وهذا ما لا نقبله".
رمضان: السبب الصحي حتى لو كان قائما فهو ليس كافيا ليستقيل كاسيزي
وفي نفس السياق رأى الخبير في القانون الدولي الدكتور محمود رمضان أن "السبب الصحي حتى لو كان قائما فهو ليس كافيا ليستقيل كاسيزي"، ولفت الى أنه "لو كان هذا السبب صحيحا لكان كاسيزي إستقال نهائيا من المحكمة ولم يواصل عمله فيها كقاض في غرفة الاستئناف ولكان إستقال من المحكمة بصورة نهائية"، وأشار إلى "وجود بعض الأمور والقضايا التي لم يفصل فيها كاسيزي كما أن الاخير يمكن أن يكون قد تعرّض لضغوط لاعادة إحياء القرار الاتهامي بإضافة أسماء مسؤولين في دول عربية شقيقة ولا سيما سورية خصوصا بالتزامن مع الاحداث التي تحصل فيها كما لتجريم المتّهمين الذين لا يزالون قيد الشبهة"، معتبرا أن "هذه الامور أوقعته في الحيرة خصوصاً أنّ القاضي ومهما عظُمت الضغوط عليه يبقى لديه جزء من ضمير يمنعه من محاكمة الأبرياء".
وفيما ذكّر رمضان أن "هذه الاستقالة ليست الأولى على صعيد هذه المحكمة حيث أن هناك عدة إستقالات سبق أن حصلت ولكن لم تكن على مستوى القضاة بل على مستوى الاداريين"، قال إن "السبب الصحي هو السبب المعلن إنما هناك اسبابا أخرى غير معلنة"، داعيا "للتريث قبل إصدار الأحكام في ما يتعلق بالأسباب غير المعلَنة"، مؤكدا أن "هذه الاستقالة لن تترك أثرا على الاطلاق باعتبار أن البديل جاهز دائما".
رمضان: المحاكم الدولية ليست نزيهة ولا تحكم بالقانون
وقال رمضان في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني "يمكن أن كاسيزي فضّل أن يكون قاضيا عاديا وليس رئيسا للمحكمة خصوصا أنه يعلم مدى الانقسام الكبير والخلافات التي تثيرها المحكمة في لبنان خصوصا فيما يتعلق بشرعيتها ودستوريتها وقانونية ما يصدر عنها من قرارات ناهيك عن طروحات عدم التمويل"، وأوضح أنه "في ملف كملف شهود الزور يتحمل كاسيزي بصفته رئيسا للمحكمة مسؤولية عدم إحالتهم للتحقيق خاصة ان المدعي العام في المحكمة دانيال بلمار اقرّ ان شهادتهم غير دقيقة"، ولفت إلى أنّ "المحاكم الدولية عامةً ليست نزيهة فهي لا تحكم بالقانون كما أنّها تبتعد كثيراً عن الحكم بنزاهة".
وأيا تكن الاعتبارات الحقيقية التي أدت الى استبدال رئيس المحكمة الدولية تبقى المحكمة محل خلاف بين اللبنانيين ليس لان اللبنانيين لا يريدون حقيقة من قتل الرئيس الحريري بل لأن كلهم على إختلافهم وتنوعهم يريدون ذلك بل يحتاجون اليه ولكن ليس بالاسلوب الذي تعمل فيه المحكمة الدولية وإنما يريدون العمل بطريقة قانونية سليمة توصل فعلا الى العدالة الحقة بدل إلقاء التهم جزافا دون ادلة دامغة صلبة ومتينة.
فاللبنانيون يريدون الحقيقة واقعا لا زيفا، خاصة ان المحكمة الدولية رغم كل التنبيه من حصول ذلك، إستُغلت لادخال لبنان في نفق التدويل والتمويل ووضعته عرضة للتدخلات والمؤامرات الخارجية للعب بمصيره وليس فقط استهداف او اللعب بمصير شخص او حزب او طائفة.