في معركة الدفاع عن لبنان اليوم، خطان رئيسيان للقتال. الحدود اللبنانية السورية هي خط الدفاع الثاني عن لبنان في وجه زحف «داعش» واخواتها من الشرق.
حسن عليق
في معركة الدفاع عن لبنان اليوم، خطان رئيسيان للقتال. الحدود اللبنانية السورية هي خط الدفاع الثاني عن لبنان في وجه زحف «داعش» واخواتها من الشرق. اما خط الدفاع الاول، فيقع شرقي حمص ودمشق. هناك حيث يقاتل الجيش السوري وحزب الله.
يكرر قائد الجيش العماد جان قهوجي، في مجالسه، مقولته التي أطلقها في آب الماضي. كانت معركة عرسال مشتعلة بعدما اجتاح البلدة مسلحو «داعش» و»تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» وحلفاؤهم. أكد قهوجي آنذاك، «بناءً على معطيات لا على تحليل»، أن تنظيم «داعش» يريد منفذاً له على البحر المتوسط.
كان التنظيم الارهابي يريد الوصول إلى عكار، ومنها إلى الشاطئ. في الأسابيع الأخيرة، أكّدت قراءة وقائع الميدان السوري لقهوجي معطياته. يؤكد لسائليه ان الجيش يتخذ إجراءات في عكار، المنطقة التي سيستهدفها مسلحو «داعش» إذا تمكّنوا من التقدم في البادية السورية نحو مدينتي حمص والقصير، لكن في الجيش اللبناني، وعلى اختلاف «الأهواء السياسية» للضباط القادة، ثمة ما يشبه الإجماع على فكرة واحدة مؤداها أن خط الدفاع الأول عن الأراضي اللبنانية يحرسه جنود الجيش السوري ومقاتلو حزب الله داخل الأراضي السورية. ضباط كثر لا يخفون رأيهم: الخطر الجدي على لبنان يبدأ إذا تمكّن «داعش» وباقي التنظيمات السورية المعارضة من اختراق تحصينات الجيش السوري وحزب الله في حمص، او في دمشق. وفي الجيش، لا تفريق بين «داعش» وشقيقتها «جبهة النصرة». هذا الموقف قاله قائد الجيش في اجتماع مع نظراء له في «التحالف الدولي»، الذي يشن، بقيادة واشنطن، غارات على مواقع «داعش» في العراق وسوريا. وسيكرر قهوجي الكلام ذاته في اجتماع قريب لقادة «جيوش التحالف» في العاصمة القطرية الدوحة. تجربة التحالف لا توحي بكثير ثقة بجدواها لدى مسؤولين عسكريين لبنانيين. والخشية من تمدد «داعش» و»أخواتها» لا يكسرها استعداد واشنطن الدائم لتزويد الجيش بما يحتاج إليه من ذخائر لأسلحته التي يستخدمها حالياً، أو رفع مستوى التسليح درجة واحدة لا أكثر.
الأميركيون هم الأكثر جدية، بنظر قيادة الجيش، في تلبية طلبات المؤسسة العسكرية. ففي أي معركة يدخلها الجيش، يشحنون سريعاً ما يحتاج إليه من الذخائر، لكن ليس إلى الحد الذي يؤمن له اكتفاءً ولو مؤقتاً.
لن يدخل الجيش معركة الجرود بين حزب الله والجماعات الإرهابية. القرار السياسي اللبناني لم يمنحه غطاء خوض المعركة، ولو كانت محدودة بتوسيع منطقة «سيادة الدولة» لتشمل مخيمات النازحين السوريين في الجرود. فهذه المخيمات تضم عائلات المسلحين، ومن الصعب إخراج الإرهابيين منها من دون سقوط دماء لا يمكن الجيش أن يتحملها وحده. وسبق أن أبلغ قهوجي وزير الداخلية نهاد المشنوق تقدير الجيش الذي يرى ان من الصعوبة إقناع سكان تلك المخيمات بالانتقال إلى مناطق داخل لبنان بعيدة عن بقعة انتشار أبنائهم في جرود عرسال، وفضلاً عن الغطاء السياسي اللبناني، لم يلمس الجيش وجود «غطاء دولي»، أميركي تحديداً، لخوض معركة في الجرود. تبدو سياسة الاميركيين في لبنان تجاه الجماعات الإرهابية مشابهة لتلك المعتمدة في سوريا، التي يبشّر بها أينما حلّ في المنطقة قائد القيادة الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال لويد أوستن: «لا نريد لبشار الأسد ان ينتصر، لكن يجب الا تنهار الدولة السورية. ولا نريد لداعش والقاعدة ان يحكما سوريا، لكن نريد أن يتعرّض الأسد لضغط يدفعه إلى تقديم تنازلات».
بناءً على ما تقدّم، لا يبدو ان الأيام المقبلة تحمل قراراً من الجيش بالقتال «ابتداءً» في جرود عرسال. اما إذا تقدّم المسلحون صوب مواقع الجيش، او حاولوا اقتحامها، فإن الجنود والضباط المنتشرين على قوس يفصل عرسال عن جردها سيقاتلون الإرهابيين. وطريقة وصل المواقع العسكرية بعضها ببعض عقب معركة آب الماضي تسمح للجيش بخوض أي اشتباك في ظروف أفضل من ذي قبل. كذلك فإن عدم شن حملة لتحرير الجرود لا يعني ان الجيش سيتجاهل تحركات المسلحين. فكلما توافرت معلومات عن تجمعات لهم في الجرود، سيقصفها الجيش، ولو لم تكن هذه التحركات في إطار الهجوم على مواقع عسكرية أو على قرى بقاعية.
ويبدو واضحاً أن في الجيش رهاناً على تطهير حزب الله للجرود، وخاصة الجانب السوري من الحدود، التي يعدها الجيش «عنق الزجاجة» الذي إذا أقفِلَ فسيسهل تطهير الجزء اللبناني من الجرد العرسالي.
وبعيداً عن الجرود ومعاركها، لا يشعر الجيش بأي خطر داخلي داهم، بعد معركة طرابلس الأخيرة. لكن المشكلة في السياسة. لا يسمّي العماد قهوجي الجنرال ميشال عون، لكنه يقصده كلما طالب السياسيين بعدم تحويل قضية تعيين قائد جديد للجيش إلى عبء على المؤسسة العسكرية، من خلال جعل قيادتها هدفاً في التراشق الإعلامي. يبدو قهوجي مرتاحاً إلى القرار الذي سيُتخذ في آب المقبل بشأن بقائه في موقعه او المغادرة. وهو لا يرى في قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز منافساً له: «زرته قبل أيام في مقر عمله. الإعلام يظلمه عندما يصوّره كمتمرّد، فيما هو من أكثر الضباط انضباطاً والتزاماً بأوامر القيادة».
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه