قبل نحو 3 أشهر أصدر وزير الصناعة حسين الحاج حسن قرارين يهدفان إلى حماية مصانع رقائق البطاطا (شيبس) ومصانع الألومنيوم من إغراق السوق المحلية بمنتجات مماثلة مستوردة.
قبل نحو 3 أشهر أصدر وزير الصناعة حسين الحاج حسن قرارين يهدفان إلى حماية مصانع رقائق البطاطا (شيبس) ومصانع الألومنيوم من إغراق السوق المحلية بمنتجات مماثلة مستوردة. القراران أثارا حفيظة الملحق التجاري السعودي صالح الغنام، الذي هدّد باللجوء إلى إجراءات تحدّ من دخول المنتجات اللبنانية إلى السعودية.
محمد وهبة
لطالما شكت الصناعات المحليّة من الإغراق بالسلع المماثلة المدعومة في بلدان المنشأ. غضّ النظر عن مكافحة هذه الظاهرة كانت نتائجه وخيمة، إذ مئات المصانع أغلقت. صناعات بكاملها اندثرت. آلاف فرص العمل اختفت... وفي المحصّلة تقلّص الإنتاج المحلّي لحساب الاستهلاك المستورد.
هذا المشهد فرض نفسه مجدداً على طاولة وزير الصناعة حسين الحاج حسن، عندما اشتكت 5 مصانع تنتج قضبان الألومنيوم، و5 مصانع تنتج رقائق البطاطا «شيبس» من تدفق كميات كبيرة من منتجات الـ«شيبس» و«قضبان الألومنيوم» المصنعة خارج لبنان إلى السوق المحلية، بأسعار تنافسية وبقدرات تسويقية هائلة.
إزاء هذا الأمر، قرّر الحاج حسن اللجوء إلى إجراءات حمائية. ففي 25 شباط 2015 أصدر الوزير قراراً يفرض على مستوردي رقائق البطاطا المصنّعة أو نصف المصنّعة الاستحصال على إجازات استيراد مسبقة من المديرية العامة للصناعة، على أن ينفذ القرار اعتباراً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، أي اعتباراً من 5 آذار.
كذلك أصدر الحاج حسن في 27 آذار 2015 قراراً ثانياً لإخضاع استيراد القضبان والزوايا والأشكال الخاصة من الألومنيوم المعروفة باسم «بروفيل ألومنيوم» على إجازة استيراد مسبقة من وزارة الصناعة، على أن يبدأ تطبيق هذا القرار اعتباراً من أول تموز 2015. وإجازة الاستيراد هي عبارة عن ترخيص لاستيراد البضائع يصدر عن الإدارة المختصة بعد أن تطلع على المواصفات والكميات ومنشأ البضاعة وسواها من التفاصيل التي قد تدفعها إلى منح الترخيص أو رفضه أو تحديد الكميات.
وبحسب دراسات أصحاب المصانع المعنية، تبيّن أن مصنع «فريتو لايز» في السعودية ضاعف صادراته إلى لبنان ثلاث مرات من 400 طن في 2010 إلى 1500 طن في 2014، وزاد حصته السوقية من 10% إلى 37.5%. أما بالنسبة إلى واردات قضبان الألومنيوم إلى لبنان، فهي تبلغ 15 ألف طن، فيما ينتج محلياً نحو 30 ألف طن، أي ما يوازي حجم الاستهلاك المحلي، علماً بأن أسعار الطاقة مدعومة لدى هذه المصانع، سواء أكانت في الخليج أم في الصين أم غيرها.
القراران أشعلا نزاعاً تجارياً بين لبنان والسعودية. فقد تلقّت جمعية الصناعيين كتاباً من الملحق التجاري السعودي يسأل عن صحّة هذه الإجراءات الصادرة عن وزارة الصناعة اللبنانية ويصفها بأنها إجراءات تعسّفية مخالفة لبنود اتفاقية التيسير العربية التي تمنع على الدول العربية تطبيق أي إجراء يعرقل تدفق البضائع بين الدول العربية.
لم تردّ جمعية الصناعيين بكتاب توضيحي، بل قرّرت شرح قضية هذه المصانع للملحق التجاري وجهاً لوجه وبصورة مفصّلة، فعُقد اجتماع عمل في مكتب الملحق التجاري السعودي حضره رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل وممثل عن أصحاب مصانع رقائق البطاطا في لبنان ميشال ضاهر.
الغنّام كرّر كلامه الوارد في الكتاب المرسل إلى جمعية الصناعيين، فردّ عليه ضاهر بالإشارة إلى أن مصنع «فريتو لايز» الذي تملكه شركة بيبسي العالمية في السعودية ضاعف صادراته إلى لبنان ثلاث مرات بين 2010 و2014، وأن كلفة إنتاج طن «الشيبس» في لبنان تبلغ 300 دولار، فيما كلفته في السعودية تبلغ 50 دولاراً في حدّ أقصى بسبب الدعم الذي تقدّمه الحكومة السعودية لمزارعي البطاطا عبر قروض مجانية ومنع مزارعي البطاطا من تصدير منتجاتهم لأنها مدعومة الكلفة، وهو ما يفرض على المزارعين بيع كميات كبيرة للمصنع، وبينها «فريتو لايز» بسعر زهيد.
كذلك يتلقى المصنع دعماً لسعر كلفة التغليف والتعليب، ويضاف إلى ذلك قدرة إنتاجية هائلة. وبالتالي إن هذا النوع من الدعم الذي يخفض الكلفة، يؤثّر في أسعار المبيع وفي القدرة التسويقية ولا يمثّل منافسة عادلة، بل يتيح لشركة «فريتو لايز» إغراق السوق اللبنانية ببضائعها تماماً كما حصل مع العديد من دول المنطقة حيث أغلقت المصانع المنافسة بسبب عدم قدرتها على مجاراة أسعار «فريتو لايز».
الغنّام واجه الجميل وضاهر بالإشارة إلى أن إخضاع الواردات لإجازة استيراد هو إجراء ممنوع بحكم بنود اتفاقية التيسير العربية.
ردّ ضاهر طالباً تفسير القرارات السعودية التي تمنع إدخال البيض اللبناني والدجاج من المزارع اللبنانية فيما هي تمنع تصدير البطاطا لأنها مدعومة الكلفة... أليست هذه الإجراءات مخالفة لاتفاقية التيسير العربية أيضاً؟
لم يكشف الملحق التجاري السعودي عن طبيعة خطوته التالية، بل أجرى سلسلة اتصالات وعقد اجتماعات عديدة خلصت إلى إبلاغ وزير الصناعة حسين الحاج حسن في اجتماع عقد قبل يومين في وزارة الصناعة بحضور ممثلين عن غرفة التجارة في بيروت، بأن الاستمرار في تطبيق القرارين المتعلقين بإجازة الاستيراد سيدفع السلطات السعودية إلى اتخاذ إجراءات تحدّ من تدفق البضائع إلى السعودية.
عند هذه النقطة، تسرّب «الخوف» إلى قلوب المصدرين اللبنانيين، ولا سيما أن القرار السعودي سبقته حملة تهويل مفادها أن قرارات الحاج حسن ستضرّ بصادرات لبنان إلى السعودية لأن القرارات متخذة بخلفية سياسية، وهو الأمر الذي دفع الحاج حسن، في يوم الصناعة اللبنانية الذي أقيم قبل أيام في معهد البحوث الصناعية، إلى تكرار عبارة «لسنا في حرب تجارية مع أحد. لن نمنع دخول البضائع، بل سنمنع إغراق أسواقنا». غير أن بعض الصناعيين تنبّهوا إلى أن أصحاب مصانع الـ«شيبس» في لبنان ليسوا من لون طائفي واحد، بل بينهم السنّة والشيعة والمسيحيون، ومن بين مصانع الألومنيوم من هو مملوك من مستثمرين سعوديين!
في الواقع، إن أكثر ما يقلق الحاج حسن هو أن الإجراءات السعودية ستصيب صادرات لبنان إلى السعودية التي تبلغ قيمتها السنوية نحو 377.5 مليون دولار، وهذه الورقة تستعمل حالياً للتسويق بأن الحاج حسن وبخلفيته السياسية، «يقتل» التصدير من أجل حماية عدد قليل من المصانع اللبنانية.
لكن في المقابل ثمة أسئلة كثيرة يتداولها الصناعيون علناً: فلماذا يسمح للسعودية بأن تحمي منتجاتها وأن تقدّم لها الدعم الوفير، فيما يمنع على الصناعة اللبنانية أن تحمي نفسها من الإغراق. ولماذا علينا أن نرضخ لكل اعتراض من سفير سواء أكان سعودياً أم فرنسياً أم دانماركياً أم سواه من الأمثلة الحاضرة في أذهان الصناعيين؟ أليس أبرز مثال على تنازل وزراء لبنان عن مصالح الصناعة في إدارة ملفات التفاوض التجاري، هو الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي سمح للتجار اللبنانيين بالتصدير إلى أوروبا مقابل إلغاء الجمارك على الواردات الأوروبية، لكنه لن يمنع الأوروبيين من وضع مواصفات تعرقل التصدير؟
تبريرات الموزّع
يقول موزّع شركة «فريتو لايز» في لبنان عادل أبي شاكر إن «المصانع اللبنانية قدّمت معلومات خاطئة لوزير الصناعة حسين الحاج حسن عن حجم السوق والحصص السوقية فيه، فنحن لا نمثّل حالياً أكثر من 23% من المبيعات السوقية، علماً بأن حجم السوق يبلغ 6500 طن سنوياً لا 4000 طن كما يقول أصحاب المصانع».
ويبرّر أبي شاكر قصّة تزايد واردات «فريتو لايز» إلى لبنان بالإشارة إلى وجود كميات كبيرة من الشيبس التي جرى تغليفها خصوصاً للبنان أيام المونديال في السنة الماضية، وبالتالي كان لا بد من تصديرها إلى لبنان وليس إلى دول أخرى، أي إن الحاجات التسويقية هي كانت السبب وراء زيادة الصادرات إلى لبنان.