يمكن القول أن الانتخابات البرلمانية التركية لعام 2015 استطاعت تكريس لاءات ثلاث: لا تعديلات دستورية، لا انفراد في الحكم لحزب العدالة والتنمية بعد الآن، ولا نظام رئاسي
يمكن القول أن الانتخابات البرلمانية التركية لعام 2015 استطاعت تكريس لاءات ثلاث: لا تعديلات دستورية، لا انفراد في الحكم لحزب العدالة والتنمية بعد الآن، ولا نظام رئاسي يجعل من اردوغان حاكماً مطلقاً.
فبالرغم من حصوله على اعلى نسبة من الأصوات في هذه الانتخابات والتي بلغت 41.59%، الا أن هذه النسبة لم ترقَ الى طموحات الحزب بالحصول على نسبة الثلثين التي تمكنه من تعديل الدستور وتحويل النظام من برلماني الى رئاسي. كما أن هذه النتيجة وضعت الحزب امام واقع مرير يتمثل بمشاركة خصوم له كحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعب الديمقراطي الكردي في الحكم في حال المضي قدماً بخيار تشكيل حكومة ائتلافية، والأهم أن هذه الانتخابات اثبتت أن تراجعاً ملحوظاً قد طرأ على شعبية حزب العدالة والتنمية بعد حصوله على نسبة 49.8% في الانتخابات البرلمانية عام 2011، مما يطرح السؤال الأهم: كيف سينعكس هذا التراجع على سياسات الحزب الداخلية والخارجية؟ هل سيستطيع الحزب تشكيل حكومة ائتلافية؟ أم أن خوض انتخابات نيابية مبكرة سيكون الخيار الأنجع؟
يلفت الخبير في الشؤون التركية د. محمد نورالدين الى أن انخفاض نسبة الأصوات المؤيدة للعدالة والتنمية مقارنة بعام 2011، ومقارنة ايضاً بعدد الناخبين الذي ارتفع حوالي 4 ملايين مقارنة بالانتخابات الأخيرة، يعد مؤشرا على أن الحزب "لم يفقد فقط تأييد الناخبين الجدد، بل فقد تأييد نسبة من مؤيديه، مما يعكس نوع من فقدان الثقة بقيادة الحزب بمن فيهم رجب طيب اردوغان، في ظل تصفية لكل قيادات الحزب لصالح شخص واحد هو اردوغان، اضافة الى احتجاج جزء من القاعدة الجماهيرية على الممارسات المتعلقة بالفساد والرشاوى والتي تورط فيها اردوغان شخصياً واسرته ومقربين منه، من ضمنهم وزراء من داخل الحزب".
بالرغم من دعوة اردوغان الأحزاب السياسية، في بيان له عقب صدور نتائج الانتخابات، الى تشكيل حكومة ائتلافية والى "التحلي بالمسؤولية للحفاظ على استقرار البلاد"، يرى نور الدين، في حديث لموقع المنار، أن الأمور ستسير باتجاه انتخابات نيابية مبكرة، ويفسر ذلك، قائلاً إن "اردوغان سينطلق من صلاحياته الدستورية، حيث سيكلف الحزب الأول في البرلمان أي حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة، وفي حال فشله بتشكيلها خلال 45 يوماً، سيكلف رئيس الحزب الثاني في البرلمان بهذه المهمة، وفي حال فشله يدعو رئيس الجمهورية الى انتخابات نيابية مبكرة، خصوصاً أن تشكيل ائتلاف حكومي دونه صعوبات كثيرة اهمها الخلافات الكبيرة بين الأحزاب المعارضة وحزب العدالة والتنمية".
لكن هل ستمتد تداعيات الانتخابات على سير الأمور في الداخل التركي، لتشمل السياسات الخارجية لأنقرة، التي تورطت خلال السنوات الأخيرة في كثير من الملفات الساخنة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السورية؟ في هذا السياق، يؤكد نور الدين أن ما حدث "يصب باتجاه تغيير جذري في السياسات الاقليمية، فكل البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية المعارضة من أكراد وحركة قومية وحزب الشعب الجمهوري تنص على اغلاق الحدود مع سورية ووقف دعم المنظمات الارهابية، واعادة اللاجئين السوريين الى اراضيهم"، متابعاً أن "هذا كله يتعارض مع سياسة رجب طيب اردوغان، وبما أنه لم يعد قادراً على الحكم وحده نتيجة هذه الانتخابات فبالتالي سيكون امام ضغط كبير لتغيير هذه السياسات".
كما يلفت الخبير في الشؤون التركية الى أن الحزب لا يستطيع الاستمرار "بغض النظر عن احد اسباب انخفاض حجم التأييد له، كتراجع الوضع الاجتماعي والاقتصادي بسبب الانخراط بالأزمة السورية، أو بسبب اللاجئين السوريين في الداخل التركي، اضافة الى المخاطر الأمنية الناجمة عن دعم تركيا لحركات الارهاب".
هذا ويشير نور الدين الى أن "الجيش التركي ليس مرتاحاً لتورط تركيا في الداخل السوري لما يترتب من انعكاسات عليه، وان التغيرات المستجدة ستشجع الجيش على الخروج من سيطرة اردوغان الكاملة والتعبير عن رفضه لتحويل تركيا الى مقر وممر للارهابيين".