في الثامن من حزيران العام 2014، أدى المشير عبد الفتاح السيسي، الفائز في انتخابات رئاسة الجمهورية، اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، ليبدأ فترة رئاسته الأولى.
مصطفى بسيوني
في الثامن من حزيران العام 2014، أدى المشير عبد الفتاح السيسي، الفائز في انتخابات رئاسة الجمهورية، اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، ليبدأ فترة رئاسته الأولى. بالأمس، مرّ عام كامل على تولي السيسي الحكم رسمياً. وبالرغم من أن ثمة من يرى أن السلطة الفعلية كانت في يد السيسي منذ الثالث من تموز العام 2013، عندما أعلن، بوصفه وزيراً للدفاع، عزل الرئيس محمد مرسي وتولي المستشار عدلي منصور فترة انتقالية حتى تنفيذ خطوات «خريطة الطريق».
مع اكتمال العام الأول للرئيس عبد الفتاح السيسي، بدأت الدعاية والدعاية المضادة في الظهور من قبل المؤيدين والمعارضين، لإحصاء إنجازاته وأخطائه.
الأمر الواضح أن إجراء تقييم موضوعي للعام الأول للسيسي أمر يبدو في غاية الصعوبة، فالرجل لم يطرح برنامجاً انتخابياً يمكن محاسبته على أساسه، كما أن الظروف العامة الداخلية والإقليمية والدولية تؤجل الحديث بشأن ما أنجزه أو أخفق فيه.
من الموضوعية بمكان التأكيد على أن عاماً واحداً من الحكم، حتى وإن سبقه عام آخر بشكل غير رسمي، لا يكفي للتقييم، خصوصاً في ظل تعمق المشاكل والأزمات على كل الأصعدة الداخلية والخارجية.
ولكن عاماً واحداً ربما يكون فترة كافية جداً لفهم انحيازات السيسي ومواقفه السياسية والاجتماعية، ومجمل توجهاته، وطريقته في مواجهة الأزمات والقضايا، حتى لو لم يتم حسمها نهائياً في العام المنصرم.
الملف الاقتصادي
ولعل ملف الاقتصاد كان أهم الملفات التي تسلمها السيسي في مطلع ولايته. فقد ورث الرئيس المنتخب بالفعل أزمة اقتصادية مركبة، تمثلت في تركة فساد ثقيلة، وعجز مزمن في الموازنة، وتآكل في احتياطي النقد الأجنبي، وانهيار في معدلات النمو، وتزايد في البطالة، بالإضافة الى أزمة شديدة في الطاقة الضرورية ليس للخدمات العامة فحسب، وإنما لكل جهود تحسين الوضع الاقتصادي.
ومن الواضح ان تدفّق المساعدات الخليجية ساهم في إنقاذ الموقف ومنع الانهيار عقب «ثورة 30 يونيو»، خصوصاً على صعيد أزمة الوقود.
ومع تولي السيسي الرئاسة قبل عام، طرح قضية التنمية وحل الأزمة الاقتصادية على رأس أولوياته، فكان طرح مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع تنمية منطقة القناة، وتنظيم المؤتمر الاقتصادي، وحل أزمة الطاقة على المدى القصير والمتوسط.
وقد عبرت سياسة السيسي الاقتصادية عن خطة طموحة للنهوض بالاقتصاد المصري بالفعل. ولكن إلى جانب التخطيط الطموح، جاءت الانحيازات الاجتماعية المصاحبة للسياسات الاقتصادية للسيسي حاملة ملامح انحيازات الرئيس المخلوع حسني مبارك نفسها، فالموازنة العامة الأولى في عهد السيسي خفضت ما يقرب من نصف بند دعم الوقود، ما أدى الى ارتفاع أسعار النقل والسلع والخدمات. كما حملت التشريعات الاقتصادية التي وضعها لجذب المستثمرين تسهيلات ومزايا أكبر من تلك التي كانت في عهد مبارك.
ولكن ذلك لا ينفي إحراز تقدم ملحوظ في ضبط منظومة دعم الخبز، وتوفير الكهرباء والتغلب على مشكلة انقطاعها.
ويتحدث عمرو عادلي، الباحث في معهد «كارنيغي» لـ«السفير» عن السياسة الاقتصادية في العام الأول من حكم السيسي قائلاً إن «تقييم الأداء الاقتصادي يجب أن يكون على مستويين: الأول المستوى المباشر، ويتعلق بالمؤشرات الاقتصادية المتحققة بالفعل خلال هذا العام، مثل معدل النمو ونسبة العجز وغيرها من المؤشرات. ويمكن القول إنه لم يحدث تحسن حقيقي في الأداء الاقتصادي على هذا الصعيد، سوى بالمقارنة بالعام 2013، الذي كان كارثياً. وبالتالي فالتقييم على هذا المستوى غير إيجابي. والثاني المستوى المتوسط، أي مستوى المستقبل القريب، حيث نجد ملمحين إيجابيين، أولهما الكهرباء، ويبدو أن الخطط العاجلة التي وضعت ونفذها الجيش ساهمت في زيادة قدرة شبكة الكهرباء وتوفير الطاقة، وهو أمر مهم، ليس على مستوى الخدمات فقط ولكن أيضا على مستوى التنمية الاقتصادية. والملمح الثاني الإيجابي، هو مشروع قناة السويس، الذي تم إنجازه في عام واحد، وهو ما يبعث على الثقة».
ويوضح عادلي أمراً آخر قائلاً «يبقى السؤال بشأن السياسة من دون إجابة. ما لدينا الآن هو سلطة سياسية وليس نظاماً سياسياً، فالمؤسسات السياسية، وأهمها البرلمان غائبة، وهذا ما يؤجل وضوح النظام السياسي وتوجهاته، ويوجد حالة من عدم اليقين، ويهز الثقة في الاقتصاد».
ومن ناحية أخرى، يضيف عادلي، «نجد أن الانحيازات الاجتماعية للسيسي لم تختلف عن انحيازات مبارك. وبرغم وجود إجراءات للتعافي وسد الفجوة التمويلية إلا أنه لا توجد إستراتيجية للتحول الاقتصادي».
السياسة الخارجية
السياسة الخارجية مثلت بدورها تحدّياً مهماً أمام السيسي منذ اليوم الأول لحكمه. ومن ناحية، واجه السيسي مواقف خارجية لا تعترف بشرعية ما ترتب على الثالث من تموز العام 2013. وكان لزاماً على السيسي خوض حملة في الخارج لإقناع حلفاء سابقين بشرعية «خريطة المستقبل»، في مواجهة حملة مضادة تقودها جماعة «الإخوان المسلمين».
ومن ناحية أخرى، كانت الأوضاع الإقليمية تشهد صراعات مفتوحة، تصل إلى الحدود المصرية شرقاً وغرباً وتهدد بحروب ممتدة، بالإضافة الى ملفات تأجل حسمها حتى صارت خطراً داهماً، مثل ملف «سد النهضة» الأثيوبي الذي يهدد حصة مصر من مياه النيل.
تنويع التحالفات الدولية وعدم الاكتفاء بالتحالف مع الولايات المتحدة، وتعميق التحالف مع دول الخليج، ومحاولة استعادة التواجد في أفريقيا، كانت ضمن إجراءات أخرى أدوات السيسي في معالجة ملف السياسة الخارجية.
محمد العرابي وزير خارجية مصر الأسبق، ورئيس «الوفد الشعبي» الى ألمانيا يقول في حديث الى «السفير»: «هناك إنجاز كبير في سياسية السيسي الخارجية. فقد أعاد رسم دوائر التحالفات الإستراتيجية التي تخدم الأمن القومي المصري، ولكن الإنجاز الذي تحقق ما زال في حاجة الى العمل لترسيخه».
ويضيف العرابي «بالنسبة الى أزمة سد النهضة، حدث تقدم، ولكن الوضع ليس نهائياً بعد، وما زالت هناك حاجة الى جهد طويل لتحقيق الهدف».
وعن الموقف الغربي من النظام المصري، يقول العرابي «أصبحت هناك حقيقة يتعامل معها العالم على الأرض، وهي أن هناك نظاماً شرعياً في مصر، حتى لو ظلت هناك خلافات. وإجراء انتخابات برلمانية نزيهة وديموقراطية سيساهم في تحسين الوضع».
وعلى صعيد آخر يضيف العرابي «كان هناك نجاح خاص للسياسية المصرية الخارجية في العام المنصرم في التعامل مع الأزمات الإقليمية المختلفة، وخاصة في مواجهة الإرهاب وحشد القوى ضده. ويمكن القول إن هناك بعض التأخير في معالجة بعض الملفات، مثل اليمن وليبيا وداعش». ويتابع «تأخرنا في تنظيم المواجهة العربية، ولكن بدء مشروع القوة العربية المشتركة يعالج هذا التأخير، وبشكل عام مصر عادت فاعلة إقليمياً».
على الصعيد الخارجي، ثمة الكثير من الشواهد بالفعل على نشاط الديبلوماسية المصرية، وإن كانت معظم الملفات لم تحسم بعد، إلا أن انعكاس النشاط الخارجي في صفقات سلاح كبيرة مع فرنسا وروسيا، والوجود الكبير في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وتراجع الضغوط الأميركية والأوروبية على النظام المصري، وتعميق التحالفات الإقليمية، كلها أمور تؤكد أن نظام السيسي في عامه الأول تمكن من التفاعل مع أزمات السياسة الخارجية وإن لم يحلها بعد.
السياسة الداخلية
على الصعيد الداخلي، يمكن القول إن الديموقراطية كانت الضحية الرئيسية لسياسات السيسي. قانون التظاهر الذي لقي معارضة شديدة منذ صدوره قبل انتخابات الرئاسة، والذي يشدد القيود والعقوبات على التظاهر، لم يتم تعديله برغم الكثير من الوعود. وتمكنت وزارة الداخلية من استعادة هيبتها كاملة، وتوسعت في إجراءات القمع ضد المعارضين. أما «تحالف 30 يونيو» ضد «الإخوان» فبدأ في التآكل والتشقق بسبب تراجع الديموقراطية وحقوق الإنسان، وخصوصاً في ظل غموض موعد الانتخابات البرلمانية التي تأخرت كثيراً عن المقرر في «خريطة المستقبل».
ولكن كل الانتقادات التي توجه لغياب الديموقراطية، وتتهم السيسي باستعادة القبضة الأمنية لنظام مبارك، يرفضها المؤيدون له ويجدون تفسيرات لتلك السياسة.
تهاني الجبالي، النائبة السابقة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، تقول لـ «السفير» إن «حديث الانتهاكات حديث مغرض، ويروج له أعضاء في جماعة الإخوان والطابور الخامس. أي بلد يواجه خطراً على أمنه القومي يضع حقوق الإنسان جانباً. والحديث عن أحكام الإعدام حديث مغلوط، فغالبيتها أحكام غيابية تسقط بحضور المتهمين، لتعاد محاكمتهم وفقا للقانون. كما أن معارضة قانون التظاهر لا تعني خرقه، ومن حق أي معارض أن يطالب بتعديل القانون ولكن لا يجب أن يخالفه».
وتضيف الجبالي «الحديث عن تشقق جبهة 30 يونيو أيضاً غير دقيق، فالتشقق في أوساط النخبة والقوى السياسية فقط، وهذا ناتج عن ضعفها. أما الشعب فلا يزال مصطفاً خلف قيادته، بدليل التمويل الشعبي لمشروع قناة السويس، في الوقت الذي أحجمت فيه الرأسمالية» عن ذلك.
وعن تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية، تقول الجبالي «نحن نحتاج الى برلمان ممثل للشعب. وإجراء انتخابات متسرعة ستكون عواقبه وخيمة، وسيأتي ببرلمان شبيه ببرلمان 2012».
وترى الجبالي أن «الانتخابات الديموقراطية والممثلة للشعب أفضل من الانتخابات المتسرعة. وإذا أردنا أن نقيِّم العام الأول لحكم السيسي يجب أن نرى أنه أخذ في اعتباره محاولة ترشيد كل الأطراف، ولم يتخذ إجراءات راديكالية».
وتعتبر الجبالي ان «السيسي ورث تركة مثقلة من فساد وضعف القوى السياسية وغياب لتمثيل القوى الاجتماعية، ورأسمالية متوحشة. وكانت الأولوية للأمن القومي. لذا حاول تسكين الأزمة في المرحلة السابقة، والمرحلة المقبلة ستحمل في طياتها إدارة سلمية للصراع الاجتماعي والسياسي».
الديموقراطية وحقوق الانسان
تقييم الأوضاع الداخلية من حيث الديموقراطية وحقوق الإنسان هي النقطة الأشد خلافاً بين مؤيدي السيسي ومعارضيه. وبينما يدافع المؤيدون عن السياسات التي اتبعت خلال المواجهة مع الإرهاب، يرى المعارضون لتلك السياسات أنها أعادت الأوضاع الى عهد مبارك أو أسوأ.
جمال عيد، رئيس «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»، يقول في حديثه الى «السفير» إن «العام المنصرم قد يكون الأسوأ على الإطلاق في تاريخ مصر. معظم الدول التي شهدت حكم الفرد كان يحدث فيها إما تحسن في الأوضاع الاجتماعية على حساب الحريات، أو تحسن في الحريات على حساب الأوضاع الاجتماعية. أما العام الماضي، فكان التدهور على كل الأصعدة في مصر. هناك تراجع واضح في مواجهة الفساد، وهناك أرقام قياسية في انتهاك القانون والدستور، وهناك أكبر عدد من الصحافيين محبوسين في وقت واحد».
ويضيف جمال عيد الى ذلك «حالات القبض العشوائي والاختفاء القسري، والإعلام المدجن الذي لا يعبر الا عن صوت واحد، مصادرة الصحف وإغلاق البرامج».
ويشير عيد الى انه «حتى خريطة المستقبل التي أعلنها السيسي بنفسه تمت مخالفتها بتأجيل الانتخابات البرلمانية لأكثر من عام. ولا تبدو هناك إرادة حقيقية لإجراء انتخابات برلمانية ديموقراطية. واقتراح القائمة الموحدة للأحزاب دليل على ذلك».
ويرى عيد ان «التذرع بمواجهة الإرهاب لانتهاك حقوق الإنسان وتأجيل الديموقراطية، كانت حجة مبارك نفسها، وقد استخدمها لثلاثة عقود لتطبيق قانون الطوارئ ومصادرة الحريات. واليوم يستخدمها السيسي. بينما الإرهاب قضية مجتمع وليست قضية أمن وفقط».
وباعتقاد عيد فإن «مواجهة الإرهاب تستدعي مواجهة الفساد، وتحقيق العدالة وإطلاق الحريات، في حين أن غياب العدالة وتفشي الفساد وغياب الحرية تمثل البيئة الخصبة التي ينمو فيها الإرهاب».
مع اكتمال عامه الأول في الحكم، كان مركز «بصيرة» ينشر استطلاعاً للرأي يؤكد على الشعبية الجارفة للسيسي، وعن اقتراب الغالبية المؤيدة له من الإجماع. وأخذ حديث الإنجازات يتردد بقوة عبر تقارير رسمية. وتوحدت وسائل الإعلام خلف الرئيس، وانطلقت «الوفود الشعبية» لتنقل ذلك التأييد الى الخارج خلال زياراته الرسمية. ربما لا تحتاج الإنجازات الحقيقية الى حملات ووفود شعبية لترويجها، وربما يكون لغياب الأصوات الداعية الى محاسبة الرئيس أو خفوتها، وهي الأصوات التي بادرت الى محاسبة محمد مرسي عقب مئة يوم فقط من توليه الحكم، دلالة مهمة عما آلت إليه الأمور في العام الأول من حكم السيسي.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه