الرعاية العُمانية للقضية اليمنية عبر المباحثات التي تجري في العاصمة مسقط، سحبت البساط من تحت أقدام السعودية بعد فشل مؤتمر الرياض
أمين أبوراشد
الرعاية العُمانية للقضية اليمنية عبر المباحثات التي تجري في العاصمة مسقط، سحبت البساط من تحت أقدام السعودية بعد فشل مؤتمر الرياض، في ما يُشبه النصر الثالث في خلال أقلّ من سنتين لسلطان عُمان قابوس بن سعيد على محاولات الهيمنة لآلـ سعود على مقدَّرات ومصائر الدول الخليجية، بعد الرفض العُماني لدعوة سعودية متجدِّدة للوحدة السياسية بين دول الخليج في العام 2014 ، مروراً بتعزيز العلاقات العُمانية – الإيرانية عبر اتفاقات ومعاهدات تجارية واستثمارية أبرمتها مسقط مع طهران، والشراكة السياسية التي بلغت حدود الدور الكبير الذي قام به السلطان قابوس في تقريب وجهات النظر بين إيران والغرب، لدرجة أنه يُعتبر عرَّاب مفاوضات الملف النووي الإيراني، ووصولاً الى الموقف العُماني المُتَّزن من العدوان السعودي على اليمن الذي جعل مسقط بديلة حتمية عن الرياض بعد أن باتت الأخيرة رمز العدوان، بصرف النظر عن تسميات فارغة من مضمونها: "عاصفة الحزم" و"إعادة الأمل" و"السيوف القاطعة".
الخلاف تاريخي بين سلطنة عُمان والسعودية وهناك ثأر دماء، ويعود النفور العُماني الى زمن نشوء الوهَّابية ونزوع آل سعود الى توحيد شبه الجزيرة العربية تحت سلطانهم منذ عهد سلطان بن الإمام ومن ثمَّ أبنه سعيد بن سلطان لعُمان، وحصل صراعٌ طويل للحدّ من أطماع آلـ سعود واعتداءاتهم المتكررة منذ ما قبل العام 1800م، وهذه الإطماع بات يتوارثها أبناء سلالة عبد العزيز وكان آخرها محاولة السيطرة عبر قناع "الإتحاد السياسي" الذي عادت السعودية للترويج له عام 2014، وهو إتحاد تسعى أن يكون لها الكلمة العليا فيه كونها تُعتبر أكبر دولة في مجلس التعاون، لدرجة أنها رفضت أن يكون مقر البنك المركزي الخليجي في الإمارات، ومردُّ هذا الرفض أنها تنظر إلى الدول الأخرى أنها صغيرة جغرافيا وسياسياً، مقارنةً بثقلها السياسي والديني والجغرافي، وهذه هي الحقائق التي يراها السلطان قابوس أكثر من سواه، ولعلها السبب في أن سلطنة عُمَان هي الدولة الخليجية الأكثر تغيُّباً عن قمم مجلس التعاون كي لا تكرِّس دورانها في محور هيمنة آلـ سعود.
ولغاية اليوم، ما زالت تداعيات رفض سلطنة عمان لفكرة الإتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي تتفاعل، وتهديدها بالانسحاب من المجلس تتصاعد، وتبادلت مسقط والرياض اتهامات رسمية مبطَّنة، واتهمت الرياض مسقط بالتبعية لإيران، وعبَّرت عن مخاوف من محاولات لتفكيك مجلس التعاون تقودها طهران ومسقط ، فيما اشتعلت الحرب بين مواطني الدولتين على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ فضح الحقد المكبوت.
السلطان قابوس يبحث عن أمن إقليمي لا يُعادي أيَّة دولةٍ إقليمية، وآل سعود يسعون الى حلفٍ خليجيٍّ أو إقليمي معادٍ لإيران، وجاء التقارب العُماني – الإيراني في مايو/ أيار 2014، بالتزامن مع رفض قابوس الإتحاد السياسي مع السعودية، وكأنه الضربة القاضية في الجولة الثانية من الصراع الحديث بين البلدين، وذهب سلطان عُمان بعيداً وبكل جرأة، في تعزيز علاقات الشراكة مع إيران، والتي تُوِّجت بزيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الى مسقط في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه بدعوة من السلطان قابوس، لتعزيز علاقات الصداقة والتعاون المُثمر بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأسفرت الإتفاقات عن إقرار إنشاء جسر بين السلطنة وإيران عبر مضيق هرمز، ليكون الأول برًا بين الخليج والجار الإيراني على الضفة الأخرى للمضيق، وأن تبدأ إيران العمل على إمداد السلطنة بالغاز إضافة الى اتفاقات تجارية واستثمارية، وإعلانها عن ضخّ 4 بلايين دولار للاستثمار في ميناء الدقم العُماني على بحر العرب، عبر مشاريع تشمل إنشاء 100 خزان كبير للنفط والغاز الإيراني لإعادة التصدير، إضافة الى مشاريع في مينائي صلالة وصحار، وإنشاء مصنعين للأدوية الطبية ومستشفى بسعة 400 سرير، ومشاريع في مجالات التعليم والبتروكيماويات واستخراج النفط، وقد تصل الإستثمارات الى عشرة بلايين دولار مستقبلاً، علماً بأن السلطان قابوس زار طهران فور تولّي روحاني الرئاسة الإيرانية، ولعب دور الوسيط بين طهران والغرب، وبات فعلاً صاحب الفضل في مشاركة إيران بمواجهة خصومها الإقليميين، والشريك الأكبر في ملف مفاوضات حقوقها النووية، وهذا ما اعتبره آلـ سعود سهماً نووياً موجَّهاً إليهم بشكلٍ مباشر.
والآن، المشاورات تجري في مسقط حول الأزمة اليمنية برضى أميركي وبلا استئذان من السعودية، والمبادرة العُمانية القائمة على وقف التحالف السعودي للعدوان، وإعطاء الأولوية لأعمال الإغاثة العاجلة بإشراف الأمم المتحدة تمهيداً لحوار يمني - يمني، وانتقال وفد من أنصار الله عبر مسقط الى روسيا، وإجراء محادثات تمهيدية وُصِفت بالبناءة قبل مؤتمر جنيف حول اليمن خلال أيام، وبصرف النظر عمَّا ستؤول إليه الأمور سواء عبر المحادثات بين المكونات اليمنية، أو من خلال المبادرة العُمانية بالتعاون مع الموفد الأممي الى اليمن، أو ما ستفضي إليه محادثات جنيف، فإن الثابت أن السعودية لن تجني من عواصف عدوانها أي مكسب سياسي بل على العكس، بدأت تجني ثمار العدوان، صواريخ "زلزال" اليمنية المحلِّية الصنع على جنوبها، وبشائر البدء بصواريخ "سكود" ذات المدى الأبعد على الداخل السعودي الأعمق.
سلطنة عُمان ليست قطر في مُسايرة جموح آل سعود، وذراعها ليس قابلاً لأن تلويه مملكة كرتونية البُنيان، ونهاية حزيران على الأبواب، وكل نصرٍ إيراني في الملف النووي هو نصرٌ للحق وهزيمة للطغيان، وحسبُ قابوس بن سعيد أنه وقف الى جانب الحق، وسيكون شريك النصر لأنه كان البادىء بمواجهة الطغيان في التاريخ الخليجي المعاصر، ولن يبقى لآل سعود من اليمن سوى شخص عبد ربّه منصور هادي، الذي لن يكون مصيره أفضل من الملك اليمني محمد البدر الذي هرب الى السعودية عام 1962، والرئيس عبدالله السلّال الذي تم الإنقلاب عليه وهو في العراق عام ،1967 والرئيس عبد الرحمن الإرياني الذي هرب الى مصر عام 1974 وبقي فيها، وكما يقول الدكتور محمد البخيتي الأستاذ المُحاضر بجامعة صنعاء: تاريخ اليمن يشهد أن لا رئيس غادر الوطن اليمني وتمكَّن من العودة الى الحُكم..