22-11-2024 04:10 AM بتوقيت القدس المحتلة

«كاتالوغ» وسائل الإعلام لشرح جرائم «داعش»

«كاتالوغ» وسائل الإعلام لشرح جرائم «داعش»

توجز تقارير إخباريّة وإحصائيّات نشرت في الإعلام، الدعم الغربي غير المباشر لـ «داعش»، أو على الأقلّ استفادة بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من خلق كيان مشابه في المنطقة. رغم ذلك، تركز وسائل إعلام عالميّة على «داعش»

يتضح بعد أشهر من متابعة التغطية الإعلاميّة المكثّفة لأخبار «داعش»، أنّ أبشع جرائم القتل، قد تفقد قدرتها على الاستئثار باهتمام الجمهور، ما لم توضع ضمن سياقات أو أطر محددة. ففي الفترات الأولى لظهور التنظيم ساد توجّه إعلامي لإظهار عناصره آلات قتل، تقتل كلّ من يقف في طريقها. لكن مع الوقت، اتضح ربما أن هذا التوجه الإعلامي قد يكون مُكلفاً، عدا عن أنه غير مجدٍ مقارنةً برسائل محددة قد تكون أكثر قدرة على الاستئثار بحواس المشاهدين. وهنا بدأ يظهر نوع من الانتقائية في اختيار الضحايا.

نور أبو فرّاج/ جريدة السفير

بنظرة متمعّنة إلى ضحايا التنظيم كما يظهرون في الإعلام، نجد أنّهم يوزّعون ضمن فئات تراعي المتغيرات الديموغرافيَّة كالجنس والعمر والدين والوضع الاجتماعي، لتشعر كأنّك تقلّب فهرساً يتضمَّن الفئات «الأكثر ضعفاً» في المجتمعات، كما تحددها مواثيق حقوق الإنسان والمنظمات الدولية. هل هي مصادفة أن يكون الأطفال والنساء والأقليات الدينية والمثليون والصحافيون، إلى جانب المعالم الأثرية بالطبع، المستهدفين بشكل أساسيّ من قبل التنظيم؟.

«سبايا الخلافة»

«كاتالوغ» وسائل الإعلام لشرح جرائم «داعش»تركّز الاهتمام الإعلامي على النساء الإيزيديات المختطفات من قبل «داعش»، من خلال تقارير وبرامج إخباريّة وتحقيقات نشرت في الصحف. من التقارير المصوّرة يمكن الرجوع إلى فيلم «بي بي سي» الوثائقي «سبايا الخلافة» (12/1/2015) الذي حظي بانتشار واسع. تضمّن الوثائقي لقاءات مؤلمة مع مُختَطفات استطعن الهرب من مقاتلي التنظيم، ووثق جهود نارين شموّ الناشطة الأيزيدية التي تناضل في سبيل تحرير المختطفات. لم يتوقّف التقصّي الإعلامي حول ظروف حياة النساء في ظلَّ التنظيم، إذ أفردت مساحات واسعة لتصوير الانقلاب المُفاجئ في حيوات فتيات أوروبيّات كنّ يرتدين ثياب السباحة، ويذهبن إلى الجامعات، قبل أن يتحوّلن إلى فتيات منقباتٍ بالكامل، يخترن السفر ليصبحن نساءً لمقاتلي التنظيم.

مشاريع إرهابيين

لأنّ البروباغندا الإعلاميّة لا يمكن أن تكتمل من دون أطفال صغار بعيون دامعة، كان لا بد لوسائل الإعلام الغربيّة أن تخصص فصلاً كاملاً لهذا الغرض. ويمكن هنا التوقّف عند مثال حديث يختصر ما تمّ انجازه في هذا السياق، في تقرير نشرته «بي بي سي» (2/6/2015)، حول تعذيب التنظيم لطفل لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره. حاور مراسل القناة كونتن سومرفيل الطفل أحمد الذي هرب من أيدي المقاتلين الأشداء كي يحكي كابوسه. بثّت القناة لقطات مسرّبة للتعذيب، يظهر فيها الطفل معلقاً في الهواء من دون أن يظهر وجهه. حصلت «بي بي سي» على شريط من مقاتل «تائب»، كما ذكّرت بظاهرة تجييش داعش للأطفال الذين يتدربون على شتى الأعمال القتالية. الرسالة النهائيّة من التقرير ليست تصوير الأطفال بوصفهم ضحايا للتنظيّم، بل مشاريع إرهابيين، بنظرات قاسية، وعقوّلٍ مفسدة، تشكل خطراً على مستقبل الغرب.

أقليّات

توجز تقارير إخباريّة وإحصائيّات نشرت في الإعلام، الدعم الغربي غير المباشر لـ «داعش»، أو على الأقلّ استفادة بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من خلق كيان مشابه في المنطقة. رغم ذلك، تركز وسائل إعلام عالميّة على «داعش» كتنظيم «ديني» معادٍ للطوائف والأقليات، وليس أداة تشكل خطراً على جميع الفئات والشرائح الاجتماعية. وهنا يمكن لتعداد الأمثلة التي تعزز تلك المقولات أن تطول، بدءاً من المشاهد القاسية لقطع الرؤوس والأيدي تنفيذاً لقرارات المحاكم الشرعية، مروراً بالاهتمام الذي ناله مشهد «قتل الأقباط» المصريين على شاطئ البحر. إذ يمكن تبيّن تأثير تلك الرسالة الأخيرة بما اشتملته من قوة بصرية، من خلال تتبع أثرها الحاضر إلى اليوم، إذ كثيراً ما يتمّ الاستشهاد بصورة «قتل الرجال بجانب البحر»، كدليل على خطر «داعش» على الطوائف والأديان الأخرى.

مطرقة وآثار

«كاتالوغ» وسائل الإعلام لشرح جرائم «داعش»بعد الضحايا في الأرواح، انتقل الإعلام إلى مشاهد تحطيم «داعش» لحجارة وتماثيل وآلهة تعود لآلاف السنين، بدءاً من متحف الموصل في العراق، مروراً بالمدرج الروماني في بصرى الشام، ووصولاً إلى تدمر. لكنّ المثير للسخرية، أنّ كل ذلك التباكي الإعلامي على الإرث البائد، مع خلفية موسيقية ملائمة ومشاهد بطيئة لتحطيم التماثيل، لا يعدو كونه تغطية على عمليات النهب المنظّم للآثار.

ويمكن في هذا السياق الرجوع إلى مقال نشرته صحيفة «لندن إيفنينغ ستاندرد» بعنوان: «نهب تدمر: يجب على بريطانيا بذل المزيد من الجهد لوقف تهريب الكنوز المسروقة» نقلاً عن نيل ماكغريغور، مدير المتحف البريطاني، الذي انتقد الحكومة البريطانية، لعدم بذل المزيد من الجهد لوقف تهريب القطع الثمينة، مشيراً إلى أن بريطانيا لم توقّع على اتفاقيات تمنع الاتجار غير المشروع بالآثار المنهوبة من مواقع أثرية سورية.

اكتفت منظومة الميديا الغربية بأغلفة «كاتلوغات» حقوق الإنسان، من دون أن تأبه لمضمونها. لأن الاهتمام الحقيقي بتلك الحقوق يعني الخروج من تلك التصنيفات المسبقة، ووضع «داعش» في سياقها الصحيح كأداة فاشية، تحقق أهدافاً سياسية واقتصادية. لا يصعب التنبؤ وفق ذلك، ما إذا كانت نشرات الأخبار القادمة ستغرق بصورٍ لكبارٍ في السن يتم تعذيبهم بوحشية. فيما سيتم فرد تقارير مفصّلة تحذر من خطر داعش على طبقة الأوزون واستدامة الموارد الطبيعية. وصولاً ربما للحديث عن حقوق الحيوان وما يعانيه في ظل حكم التنظيم الإرهابي. فإن كنت تريد أن تعرف ضحية التنظيم الجديدة، ما عليك سوى أن تفتح «اتفاقية حقوق الإنسان»، أو تراجع موقع اليونسكو الإلكتروني.