بعد اندثار اقتصاد الحرير في لبنان، والذي كان يشكل الركيزة الاساسية للاقتصاد اللبناني ن، تحديداً خلال 19القرن وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، يبدو أن الحرير وبعد أكثر من 100 عام سيعود ليلعب دوراً بارزاً في اقتصادنا الوطني
بعد اندثار اقتصاد الحرير في لبنان، والذي كان يشكل الركيزة الاساسية للاقتصاد اللبناني أو اقتصاد جبل لبنان، تحديداً خلال القرن التاسع عشر وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، يبدو أن الحرير وبعد أكثر من مئة عام سيعود ليلعب دوراً بارزاً في اقتصادنا الوطني، ليس كمنتج بحد ذاته بل من خلال طريقه القادمة من الصين.
رضا صوايا
ما بين لبنان والصين علاقة منسوجة بالحرير منذ ما قبل التقويم الميلادي. منذ سنة 115 (ق.م.) بدأَت الشواطئ اللبنانية تستقبل الحرير الخام من الصين لتُحاك خيطانه ويُصبغ قماشه ويُرسل جاهزاً إِلى أَباطرة روما ووجهائها الذين كانوا يتباهون بارتداء الثياب الحريرية.
نتج عن ازدهار تجارة الحرير في جبل لبنان "توسيع مرفأ بيروت، زيادة الناتج المحلّي وفرص العمل، تأسيس جامعة القديس يوسف (1875) فرعاً لجامعة ليون (بدعم تجّار الحرير في تلك المدينة)، ونشوء مدارس خاصة لإرساليات كاثوليكية، فكان الحريـر مدخلاً للغة الفرنسية إلى لبنان.
فما هي انعكاسات طريق الحرير الذي تنوي الصين اعادة إحيائه، على العالم، المنطقة ولبنان تحديدا؟ وهل سيستفيد البلد من هذا المشروع كما استفاد في ما مضى من اقتصاد الحرير؟
لمحة تاريخية
مصطلح "طريق الحرير" حديث العهد نسبياً. ففي أواسط القرن التاسع عشر، أطلق العالم الجيولوجي الألماني، البارون فرديناند فون ريشتهوفن، اسم "دي سيدينستراس" (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات التي كانت تربط الشرق بالغرب قديماً.
ومع أن تجارة الحرير شكلت الدافع الأساسي لإقامة الطرق التجارية عبر آسيا الوسطى، لم يكن الحرير سوى واحد من المنتوجات العديدة التي كانت تُنقل عبر هذا الطريق ومنها الأنسجة والتوابل والبذور والخضار والفواكه وجلود الحيوانات والأدوات والمشغولات الخشبية والمعدنية والقطع الدينية والفنية والأحجار الكريمة ....
وطريق الحرير التاريخي يتألف من مسلك بري وطريق بحري، وقد ساهم كلاهما في تسهيل نقل السلع والبضائع الثمينة من الشرق الى الغرب إضافة الى نقل المعارف والثقافات والمعتقدات بفضل حركة الشعوب في الاتجاهين.
يعيد تشكيل اقتصادات العالم
على رغم الماضي الرومانسي لطريق الحرير وبعدها التاريخي والأسطوري، إلا أن القيادة الصينية الحالية أبعد ما تكون عن الرومانسية والحنين التاريخي في مسعاها لبعث الروح من جديد في طريق الحرير. فهذا الطريق يعتبر أحد أعمدة السياسة الصينية وقاعدة انطلاق أساسية لها في مجال العلاقات الخارجية.
في أيلول 2013، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ، في خطاب ألقاه في جامعة ظار باييف في كازاخستان، مبادرة جديدة سماها "حزام طريق الحرير الاقتصادي" بهدف تفعيل وتطوير العلاقات الدولية والتنمية في منطقة أوراسيا.
وتشمل المبادرة مشاريع بناء شبكة سكك حديدية وطرق سريعة وخط أنابيب للغاز والنفط وشبكات كهرباء وانترنت وربط طرق الملاحة البحرية ومشاريع للبنية التحتية وشبكات الألياف البصرية. وطريق الحرير هذه ستربط 65 بلدًا ونحو 4.4 مليار نسمة من مدينة شيان في غرب الصين والتي كانت عاصمة أسرة تانغ، بآسيا الوسطى ثم الشرق الأوسط وروسيا وأوروبا. ومن المقرر أن يمر الطريق عبر الصين ومنغوليا وروسيا وروسيا البيضاء وبولندا وألمانيا، وأن يمتد لأكثر من 8000 ميل؛ بحيث يخلق منطقة اقتصادية تمتد عبر أكثر من ثلث محيط الأرض.
أما الطريق البحري فمُصمَّم لربط بحر الصين الجنوبي بالمحيط الهندي وشرق إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
وقد أشار تقرير بحثي بعنوان "بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير: الرؤية والمسار"، نُشر في بكين في 28 يونيو الماضي، إلى أن هناك ثلاث خطوات يمكن تنفيذها من أجل بناء الحزام الاقتصادي على طريق الحرير، ومن المتوقع أن يتم بناؤه أولياً بحلول عام 2049. وبحسب التقرير، فإن بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير يمكن تنفيذه وفقا لـ "إستراتيجية ثلاث خطوات": فترة التعبئة الإستراتجية من الآن حتى عام 2016، فترة التخطيط الاستراتيجي من عام 2016 إلى 2021، فترة التطبيق الاستراتيجي من 2021 إلى 2049.
ويشار الى أن إجمالي الناتج المحلي للبلدان الواقعة على خط طريق الحرير يمثل 55% من إجمالي المجموع العالمي، وتمتلك 70% من مجموع سكان العالم و75% من موارد الطاقة المعروفة في العالم، ما يجعل منه أحد أهم الشرايين الاقتصادية العالمية.
وكان الرئيس الصيني قد أبدى أمله في أن تتجاوز قيمة التجارة مع الدول المشاركة في خطة بكين لإنشاء طريق حرير جديد 2.5 تريليون دولار خلال عشرة أعوام.
ماذا عن لبنان؟
على الرغم من أن أول اتفاق تجاري بين لبنان والصين وقّع عام 1955، إلا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية اللبنانية ــــ الصينية تسير في اتجاه واحد حالياً، حيث أن الصادرات اللبنانية الى الصين لم تتخط 12.5 مليون دولار عام 2014 مقابل واردات بلغت 2.5 مليار دولار، ما يجعل من الصين الشريك التجاري الأول للبنان للسنة الثانية على التوالي.
والصادرات اللبنانية الى الصين ترتكز خصوصاً على الخردة والألمنيوم وفضلات النحاس، فيما تعتبر الخلائط الفولاذية وأجهزة الخليوي أبرز السلع المستوردة من الصين.
وبحسب وزير الإقتصاد والتجارة آلان حكيم فإن الوزارة وضعت قائمة بالصادرات التي للبنان والصين مصلحة مشتركة فيها، والتي يرغب لبنان بأن تكون لها معاملة تفضيلية وأكثر، تحديدا في فئات المنتجات التالية: المنتجات اللبنانية التقليدية كاللبنة والجبنة، الخضار والفاكهة المعدة والمكسرات، المنتجات الحيوانية أو النباتية والزيوت مثل زيت الزيتون، والنبيذ.
ولطالما أبدى الصينيون استعدادهم لدعم لبنان في مجال البنية التحتية والمقاولة الفرعية، وتقديم المساعدات والمعدات للمرافئ، فيما يمكن للبنان لعب دور كبير في القطاعين المصرفي والسياحي في الصين نظراً للخبرة اللبنانية الكبيرة في هذين المجالين.
من جهته، يشير رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني علي العبدالله إلى أن التجمع وضع هدفاً أساسياً له ألا وهو تنشيط العلاقات اللبنانية ــــ الصينية في الاتجاهين. ويوضح: "نسقنا مع وزير الصناعة للبحث بشكل رسمي مع الجانب الصيني في إزالة المعوقات وتخفيف الرسوم وتسهيل دخول المنتجات اللبنانية الى الأسواق الصينية". وعن الرد الصيني، يقول العبدالله: "الصين دولة مؤسسات والصينيون يدرسون الملفات والاقتراحات بشكل دقيق، وبالتالي فليس من السهل تعديل أي قانون أو مرسوم في الصين. لكن التفاؤل هو سيد الموقف نظراً الى طريقة تعاطي الجانب الصيني معنا، خاصة أن الإنتاج اللبناني ليس بالإنتاج الضخم نسبة الى الصين، وهو بالتالي لن يؤثر سلباً على زراعتها المحلية وأسواقها أو على العقود التي قد تكون أبرمتها مع أي دولة أخرى".
نصائح للمستثمرين
وللعبدالله نصائح عدة يوجهها لرجال الأعمال والصناعيين اللبنانيين الراغبين بالاستثمار في الصين. فهو يدعوهم الى أن يكونوا مجهزين جيداً، وأن يكونوا أصحاب خبرات كبيرة وأن يكونوا متسلحين بالتقنيات العالية في حال أرادوا النجاح في سوق تتمتع بتنافسية عالية كالسوق الصينية. ويقول إن معظم اللبنانيين يتجهون الى القطاع التجاري في علاقاتهم مع الصين ويتجاهلون القطاع الصناعي، وهو قطاع واعد جداً ويمكنهم الاستثمار فيه بأريحية.
وعن القطاع السياحي، يلفت العبدالله الى أن الرئيس الصيني أشار في خطاباته المتعددة الى أن الصين سترسل 500 مليون سائح الى الخارج على مدى السنوات الخمس المقبلة، أي ما يوازي 100 مليون سائح سنوياً. ويوضح أنه وخلال اللقاءات التي عقدت مع وزير السياحة ميشال فرعون والشركات السياحية الصينية، خلال مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين، تم التطرق الى تسهيل قدوم السياح الصينيين الى لبنان، وبدأ التجمع ومن خلال التعاون مع وزارة السياحة اللبنانية وشركات طيران لبنانية وجهات رسمية لبنانية وصينية بوضع خطة متكاملة لجذب السياح الصينيين الى لبنان.
وبحسب العبدالله فإن الفترة التي تشهد سفر العدد الأكبر من السياح الصينيين هي تشرين الأول، وفترة أعياد رأس السنة الصينية التي تصادف في شباط. وبالتالي من الممكن للعاملين في القطاع السياحي الإستفادة من هذا الواقع خاصة أن السياحة في لبنان تشهد ركوداً خلال هذين الشهرين.
وبعد ما تقدم، يظهر أن لبنان بحكم موقعه الجغرافي المميز على تقاطع قارات ثلاث تشكل جميعها محور طريق الحرير، أكان براً أو بحراً، وهو قادر على الإستفادة من هذه المشاريع الضخمة وفي شتى المجالات كمشارك فعّال وكمستفيد. فهل يكون للحرير من جديد، ولو من خلال طريقه هذه المرة، دور بارز في تنشيط الاقتصاد اللبناني؟ وهل سيحين زمن البعثات الثقافية الصينية كما كان لصناعة الحرير في ما مضى أدوار عدة؟