يروي أحد أبرز العارفين بأسرار المؤامرات، أن على العماد عون وفريقه المحاور التوقف ملياً عند مسألتين اثنتين، في كل ما حصل في الأيام الماضية.
جان عزيز
يروي أحد أبرز العارفين بأسرار المؤامرات، أن على العماد عون وفريقه المحاور التوقف ملياً عند مسألتين اثنتين، في كل ما حصل في الأيام الماضية. أولاً، انكفاء وليد جنبلاط عن موقفه الداعي إلى تعيين قائد جديد للجيش. وثانياً، مهلة السنتين الكاملتين التي أصدر نهاد المشنوق فرمانه بها، ليمدد خلافاً للقانون لضابط متقاعد.
في المسألة الأولى، ينقل العارف أن جنبلاط حاول جدياً إقناع فريق المستقبل ــــ جناح السنيورة، بإيجاد حل لقضية شغور المواقع الأمنية والعسكرية. وهو كان قد اقتنع أصلاً بالطرح، منذ فاتحه به عون في زيارته إلى كليمنصو في 17 آذار الماضي. وذلك بعد مضي شهر كامل على عقده «الاتفاق المفقود» في بيت الوسط. ولما فاتح جنبلاط سعد الحريري بالموضوع، وجد لدى الأخير تجاوباً واضحاً. وهو أصلاً ما كان قد نقله إليه أيضاً أعضاء حلقة الحريري المسكينة في بيروت. غير أن جناح السنيورة المستقبلي لم يلبث أن أوفد إلى جنبلاط أكثر من رسول ومبعوث. مع رسالة واحدة حازمة وحاسمة، مفادها سؤال جنبلاط بشكل استنكاري: ماذا تفعل؟! ألا ترى أن عون، بوزير واحد في الحكومة، نعجز عن مواجهته؟! فكيف إذا أعطي قيادة الجيش؟! هذا موضوع لا يحتمل المزاح عندنا ولا التجربة. فإما أن تكون معنا فيه وإما فأنت ضدنا في كل موقع وموقف.
أدرك جنبلاط خلفيات الرسالة السنيورية، خصوصاً في ظل توقيتها الإقليمي. فانكفأ الرجل. لكنه رفض مجاراة الضاغطين عليه بموقف مؤيد لهم. فضّل الصمت. مع العودة إلى المعادلة التي تبناها منذ عامين: الهجوم على بشار الأسد للتسليف سعودياً، والتزام التوازن الداخلي الدقيق، وفاء لتفاهمه لبنانياً مع حزب الله.
أما المسألة الثانية التي يشدد العارف نفسه على ضرورة توقف عون وفريقه عندها، فهي سنتا التنصيب لمدير عام لقوى الأمن الداخلي، بشكل غير قانوني وغير شرعي. لماذا لم تكن تلك الفترة ثلاثة أشهر، كما صارت آخر محاولة جس نبض مع الرابية؟ لماذا لم تكن ستة أشهر أو سنة؟ لماذا هذا الإمعان في الاستفزاز والكيدية والصفاقة القانونية والأخلاقية والدولتية والمؤسساتية؟
يربط المطلع على سلوك فريق السنيورة المستقبلي بين المسألتين، ليخلص إلى نتيجة حتمية: هؤلاء لا يريدون أن يعطوا أي حق لصاحبه. لا لعون ولا لغير عون. هؤلاء مؤمنون حتى العظم والنسغ، بأنهم سيحكمون لبنان كله، وحدهم. إن لم يكن أكثر من لبنان. كل السجالات والنقاشات والحسابات الدائرة اليوم في بيروت في واد، وهم في واد آخر. كل ما يفكّرون فيه أن هناك 17 مليون «فدائي» من جيشهم الجديد على الحدود. وهم مستعدون لقتال آخر شريك لبناني، حتى فناء آخر إنسان سوري، مقيم أم نازح، لا فرق بالنسبة إليهم. فأين ستهربون منهم، أنتم كل من يتشدق بميثاق عيش مشترك وصيغة وبلوط؟! كل تفكيرهم وتخطيطهم وتحضيرهم، هو كسب الوقت. كل ما يريدونه من كل الذين يتحاورون معهم، هو الوقت. والوقت، بهدف محدد، ألا وهو انتظار الموت. موت الذين يفرضون أنفسهم عليهم اليوم أنداداً أو شركاء سلطة وحوار.
قراءتهم للمستقبل بسيطة مبسطة وتبسيطية، لا تعقيد فيها ولا فذلكة: بشار سيسقط. بعدها يسقط حسن نصرالله. وطبعاً ليس المقصود بسقوطه، أن يرسب في انتخابات سلمية حضارية، وأن ينتقل بعدها إلى موقع المعارضة أو حكومة الظل. بل كل الرهان هو أن يقتل حسن نصرالله. أن يموت ويموت من معه. اصلاً في حساباتهم أن آلافاً من مقاتليه قد أبيدوا على أيدي ثوار حرية البغدادي والجولاني المستقبليين. هم يؤمنون فعلاً أن لقد ذهب الكثير ولم يبق إلا القليل. تماماً كما فكروا سنة 2006 وخططوا يومها لغوانتانامو لبناني. وحتى أفتوا بأن لن يبقى من أيتام حتى لحسن نصرالله، ليلمّهم ميشال عون بعد انتصار اسرائيل!
وعلى سيرة عون، هو حلفهم مع الموت نفسه، ما يشهرون في وجهه. لم يعودوا يفكرون بإقناع أي مسيحي، ولا بمقاربة بكركي أو استمالة الراعي، ولا حتى بإعلام أو بروباغاندا. كأنهم اكتشفوا بعد عشرة أعوام على انبثاقه حياً من التحالف الرباعي، أن ظاهرة عون حتمية. فقطعوا الأمل. بين التحالف معه لشراكة وطنية، والتحالف مع الموت لاستعادة زمن ترويكا أبو يعرب، قرروا وحسموا واختاروا المقاربة الثانية. الباقي كله تفاصيل. كله كسب وقت، أو إضاعته، لا فرق. حتى القوى المسيحية القريبة منهم، لم تعد تظهر على شاشة «سادات تاور». يفكرون أن سمير جعجع يناور علينا بالذهاب إلى الرابية؟! حسناً، فليربط مصيره بمصير عون إذن. لا لزوم لمناقشته. فليتذكر كيف تعاملنا معه بعدما أسقطنا عون سنة 1990. جعلناه ينزل من مرتبة الشريك المسيحي في الطائف، إلى حجم وزير دولة. وصولاً إلى كل ما أعقب ذلك. المصير نفسه سيلاقيه، وسيدفع ثمن تلاقيه العوني الجديد. من بقي؟ بكركي؟ حسناً، فلنجعل الراعي يتذكر قول سلفه ذات يوم من زمن حكمنا في التسعينات، أنه إذا خُيّر بين الحرية والتعايش، يختار الحرية. لكن بعد إحكام قبضتنا على كل من سوريا ولبنان، لن يعطوا حتى الخيار، ولن يعطوا لا العيش المشترك ولا الحرية!
يجزم العارف بأسرار ترويكا غازي كنعان المستقبلية، أن هذا هو عمق ما يفكرون فيه ويطمحون إليه. هل هذا صحيح؟ حلقة الحريري لم تعد تتكلم. وبالتالي ماذا سيفعل ميشال عون ومن معه حيال ذلك؟ سؤال يستحق طرحه على الجميع.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه