22-11-2024 03:38 PM بتوقيت القدس المحتلة

ماذا لو لم يكن هناك مقاومة في لبنان؟

ماذا لو لم يكن هناك مقاومة في لبنان؟

ماذا لو لم يكن هناك مقاومة في لبنان في ظل هذه الهجمة التكفيرية الارهابية على المنطقة؟ سؤال بديهي يطرح في ظل المشاهد والاخبار التي تأتي من بعض دول المنطقة عن فظاعة الاجرام التي ترتكبه هذه الجماعات الارهابية.

ذوالفقار ضاهر - أحمد فرحات

ماذا لو لم يكن هناك مقاومة في لبنان في ظل هذه الهجمة التكفيرية الارهابية على المنطقة؟ سؤال بديهي يطرح في ظل المشاهد والاخبار التي تأتي من بعض دول المنطقة عن فظاعة الاجرام الذي ترتكبه هذه الجماعات الارهابية بحق المدنيين الآمنين من مختلف الفئات والاديان والطوائف، بما يعبر عن الفكر الظلامي الهدام للتكفير..

فكيف سيكون عليه الوضع في لبنان لو تمكنت هذه الجماعات من الدخول الى القرى والبلدات والمدن اللبنانية؟ وماذا يمكن التوقع من هؤلاء في بلد يضم 18 طائفة كل منها له افكاره ومعتقدات لا توافق هذه الجماعات عليها كلها؟ فلو مثلا نجحت تنظيمات كـ"داعش" او "جبهة النصرة" من الدخول مثلا الى قرى بقاعية او عكارية، مسيحية او سنية او شيعية او حتى درزية، كيف سيكون عليه حال هذه القرى وأفعال الجماعات المسلحة التي ستحتلها؟

فعلى سبيل المثال، هل إن وصلت التنظيمات الارهابية الى منطقة راشيا في البقاع اللبناني ذات الاغلبية الدرزية ستختلف أفعالها عن جريمة "جبهة النصرة" في بلدة قلب اللوزة في ريف ادلب؟ وإن افترضنا ان "داعش" او النصرة او غيرها من التنظيمات الارهابية وصلت الى قرى مسيحية كرأس بعلبك او القاع او حتى مدينة زحلة، هل ستتصرف بغير ما فعلته في مدينة معلولا السورية التاريخية؟ ام ان سيطرتهم على بعض المناطق اللبنانية ستجعلهم يترددون بتكرار افعالهم الشنيعة بحق الايزيديين في سنجار وغيرها؟ ومن الذي يمنعهم من سبي النساء اللبنانيات من الطوائف الاسلامية وغير الاسلامية المختلفة بحجج ما انزل الله بها من سلطان؟

فمن غنائم حرب الى عودة نظام العبيد، كلها مصطلحات قد تستخدم لاجبار الموارنة والارثوذوكس والشيعة والسنة والدروز وغيرهم في لبنان، على تسليم بناتهم ونسائهم الى "امراء الدم" من الارهابيين، والاخبار التي نقلت عن اسباب مجرزة قلب اللوزة ما زالت حية، حيث قيل ان الارهابيين أرادوا التأكد من ان ابناء طائفة الموحدين الدروز مسلمين، فعمدوا الى أخذ بعض بناتهم كي يتزوجوهن، وعند رفض الاهالي ذلك وقعت الواقعة بحقهم وارتكبت مجزرة سقط فيها ما يقارب الـ30 شهيدا درزيا.

أليست مشاهد الذبح للاثيوبيين على شواطئ ليبيا حاضرة في الذاكرة؟ ولماذا ذبح هؤلاء غير لانهم من اتباع الديانة المسيحية؟ وأين ذهبت المشاهد المنفّرة لحرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة وهو المسلم السني الذي انزلت فيه ابشع صور الاجرام التكفيري؟ أليس هذا الرجل على دين محمد بن عبد الله(ص) وكان ينطق بالشهادتين؟ فأي حكم شرعي انزل فيه؟ هل يعقل ان من ارتكب هكذا فعل سيرأف بأهالي مدينة بعلبك او مدينة بيروت او صيدا مثلا، وكلها مدن لبنانية متنوعة الاطياف والمذاهب؟

وماذا سيكون عليه الحال مثلا إن وصل هؤلاء الى الصرح البطريركي او الى جونية او الى مزار سيدة حاريصا؟ او الى وادي القديسين في قنوبين؟ هل سيترك هؤلاء التاريخ حاضر في تلك البقعة النيّرة من عمر لبنان ام انهم سيعملون على طمس كل معالم وجود القديسين والحضارة هناك؟ فقط لانهم حكموا بتكفير كل الناس بمعتقدات لا يوجد شيء منها في دين رسول الرحمة والانسانية محمد بن عبد الله(ص)، أليس هؤلاء هم من دمر التاريخ في مدن العراق الاثرية وقبلها في افغانستان في اصعب مشاهد "التحجر العقلي" لدى البشر في القرن الـ21 ؟ فهل هؤلاء مثلا إن وصلوا الى قلعة بعلبك او آثار صور في جنوب لبنان او قلعة طرابلس في شماله، سيتركوها على حالها ام أنهم سيكررون مشاهد تدمير مدينة النمرود في العراق أو تدمر في سوريا؟

أما الحديث عن المزارات الدينية فحدث ولا حرج، فهذه الجماعات التكفيرية التي دمرت الكنائس والمساجد والمزارات الدينية لمختلف المذاهب الاسلامية والمسيحية والايزيدية، ماذا ستفعل لو وصلت مثلا الى مقام الامام الاوزاعي في جنوب العاصمة اللبنانية بيروت او الى مقام القديس مار شربل في جبيل(وسط) او الى مقام السيدة خولة بنت الامام الحسين(ع) في مدينة بعلبك البقاعية او الى مقام النبي ايوب(ع) في نيحا في منطقة الشوف في جبل لبنان او الى مقام النبي بنيامين بن بعقوب(ع) في بلدة محيبيب الجنوبية؟ هل ستتردد في إنهاء كل أثر طاهر ومقدس لهذه الاماكن والبقع الدينية على امتداد المناطق اللبنانية؟

والسؤال الاهم من الذي سيردع هذه الجماعات من ان تعيث فسادا في لبنان وكل ما يحتويه ويختزنه من تنوع على مستوى البشر والفكر والارض والمقامات والمزارات التاريخية والدينية والاثرية والحضارية؟ من يحمي تاريخ لبنان الاسلامي والمسيحي.

هل في السياسة وهل من السياسيين من يحمي كل ما ذكرناه؟ هل هناك تعهد قدمته "جبهة النصرة وتنظيم داعش" الارهابيتان لاي احد في لبنان او في العالم ان لبنان سيتم تحييده ولن يحصل فيه ما حصل في سوريا والعراق وليبيا وتونس وغيرها من الدول؟ ولماذا لن يتكرر في لبنان ما حصل في غيره؟ هل لهؤلاء المجرمين عهد او ميثاق او وفاء ام انهم اهل الغدر والنكران؟ فهم يقتلون بعضهم بعضها ويغدرون بمن أعطاهم الامن والسلام وبمن وثق بهم فهذه المجازر بحق بعض العشائر العراقية والسورية ماثلة في الاذهان من قبيلة الشعيطات الى قبيلة البونمر وبعض القبائل الكردية واليوم ما ارتكبته جبهة النصرة بحق المدنيين الآمنين من الدروز في ريف ادلب، في تكرار لنقض العهود من قبل الجماعات الارهابية.

كيف تتعاطى الجماعات التكفيرية مع الآخرين؟

قسمت الجماعات التكفيرية الآخرين إلى قسمين لا ثالث لهما، كفار (وهم كل من يخالفهم)، ومسلمين (اتباعها). وقد يكون كافرا المسلم الذي ينطق الشهادتين ويصلي ويصوم ويقيم الفرائض، وقد يكون من باقي الأديان السماوية في المنطقة العربية. نستعرض بعضاً مما جاء في مؤلفاتهم، لكبار منظريهم.

سيد قطب، المرجعية العلمية الاولى للجماعات التكفيرية، ولجبهة النصرة وداعش على حد سواء، قال في كتابه معالم في الطريق، "ليس المجتمع الاسلامي هو الذي يضم ناسا ممن يسمون انفسهم مسلمين، بينما شريعة الاسلام ليست هي قانون هذا المجتمع، وان صلى وصام وحج البيت الحرام"، وفي ذلك تكفير صريح للمسلمين من أهل السنة والجماعة، حتى من صلى وصام وحج، إذا لم يطبقوا "الشريعة".

وفي هذا الكتاب، يتحدث سيد قطب عن نظرية تكفير المجتمعات الإسلامية، وليس الحكام فقط، ويعتبر أن المسلمين الذين يعيشون في دولة لا تطبق الشريعة هم في "الجاهلية" وبالتالي ليسوا بمسلمين، وإن أقاموا الشعائر الإسلامية.

وبالنسبة إلى المسلمين الشيعة، فإن الجماعات التكفيرية تطلق عليهم إسم "الروافض"، وقال ابن تيمية إن "أصل دين الرافضة هو الكفر".

أبو مصعب السوري، أحد أبرز منظري تنظيم "القاعدة" وراسمي سياساتها، قال في كتابه الشهير "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" إن "الأقليات وغالبها من النصارى يجب أن تعامل في حال قيام الدولة الإسلامية على أسس أحكام أهل الذمة"، وأضاف إنه لا يمكن اعتبار "منهج المواطنة أساساً للتعامل معهم ولا مع من في حكمهم".

ودعا السوري "عمر عبد الحكيم" الى مهاجمة كافة الأماكن التي تخص "التبشير الصليبي في بلاد المسلمين"، ويقصد بها كل مكان مسيحي بني حديثاً في بلاد المسلمين.

وترفض هذه الجماعات التعايش بين الديانات، على قاعدة "أن لا يجتمع دينان على أرض واحدة"، تلك التي وطد دعائمها "ابن تيمية"، أحد أبرز الاشخاص الذي ترتكز عليه دعوة التكفيريين. وافتى ابن تيمية مثلاً بهدم الكنائس في القاهرة، كونها بنيت بعد دخول الإسلام بحسب ما قال.

وفي كتاب آخر، يقول السوري إن طائفة "العلوية النصيرية كفار ملاحدة مرتدون أكفر من اليهود والنصارى، دماؤهم حلال، ويجب تتبعهم وقتلهم وتنظيف وجه الأرض منهم".

وبالنسبة إلى الدروز، ترى الجماعات التكفيرية أن الدروز هم كفار. ويقول إبن تيمية "بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا ويلعنون كما وصفوا...".

المنظر الإستراتيجي لتنظيم "القاعدة"، السعودي عبد الله بن محمد في كتابه "المذكرة الإستراتيجية" دعا إلى تهجير الأقليات الدينية من الشام، وجعلها ثاني منطقة محظورة على غير المسلمين بعد الجزيرة العربية، وقال "يستوجب علينا ومن مبدأ تأمين قلب الدولة أن نعمل على تهجير الأقليات الدينية من تلك المنطقة وجعل الشام ثاني منطقة محظورة على غير المسلمين بعد جزيرة العرب".

وترفض الجماعات التكفيرية أي دعوة للتقارب بين الأديان، وتبرر ذلك، بان دين اليهود والمسيحيين مبني على كفر وضلال، وبالتالي لا مجال للتقارب معهم، وتطرح نظرية الهدنة معهم.

وفي هدم أماكن العبادة للمسلمين ولغيرهم فتاوى عديدة.

أول ما أفتى به محمد عبد الوهاب، بهدم قبب المساجد، وكان أول قبة هدمها، هي قبة زيد بن الخطاب، أخ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، كما قطع الأشجار في منطقة الجبيلة بحجة أنها "تعبد من دون الله".

وتدعو الجماعات التكفيرية إلى إزالة كل ما تقول إنها معالم الشرك، وبالتحديد اماكن عبادة كل من يخالفهم، فإذا كان مسلماً تطلق عليه مسجد ضرار، وإن كان مسيحياً أو يهودياً تقول إنه مكان للشرك، أما إذا كان درزيا أو غيرها، فتهدم من دون عذر، سوى أنهم كفار مرتدون، وكل هذا موجود في كتبهم وتشريعاتهم.


وبعد هذا الإستعراض لهذا الخطر الذي يهدد البشرية في وجودها، يمكن فهم معنى ان يكون هناك مقاومة في لبنان. فوجودها، هو الذي منع وصول الارهاب التكفيري الى بيروت وجونيه كما نقل في يوم من الايام عن احد المراجع الروحية اللبنانية والمشرقية. وهذه المقاومة تريد حماية التنوع في لبنان وتدعو إلى حمايته في المنطقة أمام ظلامية التكفير والارهاب، وامام سوداوية افكاره مهما حاولت بعض الابواق تصوير ان هناك ارهابا اسود وارهابا من الوان اخرى.