باريس تحقق في عمولات محتملة
محمد بلوط
الهبة السعودية الى التجميد في فرنسا. هذا ما أكدته لـ«السفير» مصادر فرنسية مطلعة أفادت بأن الجانب الفرنسي تلقى منتصف الشهر الماضي رسالة رسمية سعودية، تطلب تجميد العمل بصفقة تسليح الجيش اللبناني.
وأوضحت المصادر أن الرسالة السعودية وصلت الى الشركة الوسيطة الفرنسية «اوداس» التي تشرف على تنفيذ العقود والتواصل مع الشركات، والتي ستقوم بتزويد الجيش اللبناني بالأسلحة والمعدات التي تم الاتفاق عليها في الثاني من شباط الماضي في الرياض. وأشارت المصادر الى أن الجانب السعودي طلب عدم إبلاغ الجانب اللبناني رسمياً، بقرار التجميد.
وتطلب الرسالة من الجانب الفرنسي عدم إبرام العقود التي تم التوافق عليها مع الشركات المصنعة، في انتظار ان يقوم الجانب السعودي بمراجعة اللوائح التي تم التوافق عليها مبدئياً، والتصديق عليها قبل العودة الى تفعيل الاتفاق وتنفيذه مجدداً. وبموجب العقد الموقع بين الأطراف الثلاثة، يحق للجانب السعودي طلب تجميد العقد، على ما يقوله مصدر مواكب للمفاوضات، لمدة شهر ونصف الشهر.
وبرغم الجانب التقني الذي قدمه السعوديون لتبرير طلب تجميد توقيع اي عقود مع الشركات المصنعة، لا يستبعد المصدر ان يعود السعوديون الى تفعيل الصفقة عندما تنتهي المهلة القانونية لتجميدها.
لكن اللجوء الى تجميد أي صفقة يُعدّ عملاً استثنائياً، خصوصاً أن اللوائح التي يقول الجانب السعودي إنها تحتاج الى مراجعة وتدقيق، استغرق العمل عليها عاماً كاملاً، ولم ترفع الى الجانب الفرنسي الا بعد مصادقة الرياض عليها، وبعد مفاوضات طويلة أجراها فريق مصغر من قيادة الجيش اللبناني.
ومن المستبعد ان يكون السعوديون بصدد ممارسة اي ضغوط على باريس التي تعد حليفهم الاساسي في اوروبا، وتشكل رديفاً ديبلوماسياً، لا يمكن الاستغناء عنه، سواء في ما يتصل بالعمل على تعقيد المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية، ورفع سقف شروط التوصل الى اتفاق في لوزان، او في ما يتعلق بالملف السوري حيث يشكل الثنائي فريقاً متكاملاً في غرف العمليات ضد الجيش السوري، وفي تسليح المجموعات المسلحة. والأرجح أن يكون التجميد، الذي تزامن مع إطلاق عمليات «حزب الله» والجيشين السوري واللبناني، في جرود القلمون السورية وعرسال اللبنانية، جزءاً من مراجعة سعودية لشروط تسليح الجيش اللبناني.
تحقيق فرنسي
الى ذلك، أبلغت مصادر مواكبة لهبة المليارات السعودية الثلاثة، «السفير» ان الرئاسة الفرنسية طلبت من الأجهزة الأمنية، إجراء تحقيق واسع، داخلي في فرنسا وخارجي يشمل لبنان والمتدخلين في صفقة الأسلحة المفترضة بموجب الهبة، لمعرفة ما اذا كان بعضهم قد حصل على عمولات أم لا.
وقالت المصادر إن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، يسعى من خلال التحقيق الى طمأنة السعوديين أولاً، وإلى تأمين الشفافية للعملية الجارية ثانياً، بعدما كانت وزارة المالية السعودية قد بدأت بتحويل جزء من الهبة، ودفع 20 في المئة من قيمتها، للمباشرة في عملية تسليح الجيش اللبناني.
وكان الجانب السعودي قد هدد اكثر من مرة بإلغاء الهبة والصفقة، إذا تبين أن أحداً من المتدخلين في العملية قد حصل على عمولة غير قانونية، على ما قاله لـ«السفير» أحد المسؤولين عن المفاوضات حولها.
وسبق لمسؤول فرنسي أن قال لـ «السفير»، قبل التوقيع نهائياً على الصفقة، إن جهات لبنانية عرضت تسهيل انعقاد الصفقة مع السعودية والتسريع بها، لقاء عمولة تبلغ 200 مليون دولار، وأن المعنيين بالمفاوضات رفضوا تلك العروض، قبل ان تؤدي المفاوضات الى عقد الصفقة، وبدء عمليات التسليم.
وتتقاسم شركة «اوداس» العامة الوسيطة مراقبة تنفيذ الصفقة وفق اللوائح التي تم التوافق عليها مع الجانبين اللبناني والسعودي.
كما تتولى المفوضية العامة الفرنسية للتسلح مراقبة تطابق الأسعار مع اللوائح التي تم التوافق عليها، بالإضافة الى التدقيق في نوعية الأسلحة التي يتم تسليمها.
معركة الجرود
في هذا الوقت، يحافظ الجيش اللبناني على أعلى درجات اليقظة في مواقعه المتقدمة في الجرود الشرقية، حيث يستهدف أي تحرك او تجمع مشبوه للإرهابيين، بينما تواصل المقاومة من جهتها قضم التلال والتقدم على الارض، وفق التكتيك المناسب.
وأبلغت مصادر ميدانية «السفير» ان المعركة التي يخوضها «حزب الله» ضد المجموعات المسلحة لن تتراجع في شهر رمضان، «بل ستكتسب المزيد من الزخم، باعتبار ان هذا الشهر الذي يرمز الى الجهاد سيعطي قوة دفع إضافية لعناصر الحزب، وبالتالي لا مهادنة، ولا استعداد لمنح المسلحين أي فرصة لالتقاط الانفاس».
وأشارت المصادر الى انه يمكن اختصار الوضع العسكري حالياً بالقول إن الحزب يستكمل عملية إنهاء «جبهة النصرة» في جرود عرسال، الى جانب البدء بعملية استئصال «داعش» من جرود القلمون الغربي، لافتة الانتباه الى انه لا يوجد سقف زمني لهذه المعركة التي تتحكم بها رزنامة المقاومة وحساباتها الميدانية.
يذكر أن «داعش» شهد صراعات منذ تمركزه في القلمون وجرود عرسال كان آخرها إقدام عناصر التنظيم على ذبح القيادي المنشق «أبو الوليد المقدسي»(المسؤول الشرعي السابق المعروف بتشدده)، بالقرب من معبر وادي ميرا في جرود عرسال.
كما شهد التنظيم إقالة مسؤوله في القلمون السوري «أبو عبد السلام السوري» في كانون الأول الماضي، وعزل «أبو الهدى التلي» عن قيادة التنظيم في مطلع العام الحالي، وقتل السوري «أبو طلال المحمد» في أيار الماضي بعد اتهامه بتجاوزات إدارية ومالية وتنظيمية، فضلاً عن إقدام أبو الوليد المقدسي، قبل تصفيته، على قتل القيادي في «داعش» أبو أسامة البانياسي (على خلفية تكفيرية).
الى ذلك، وفي خطوة تعكس «تماهي الجبهات» وسقوط الحدود الفاصلة بينها، أفادت وكالة «سانا» الرسمية، ان رئيس هيئة الأركان العامة السوري العماد علي عبدالله أيوب، قام أمس، بتوجيه من الرئيس بشار الأسد، بجولة ميدانية «تفقد خلالها وحدات من الجيش السوري والمقاومة الوطنية اللبنانية العاملة على اتجاه القلمون بريف دمشق».
واطلع أيوب من القادة الميدانيين على طبيعة الأعمال القتالية والنجاحات التي تحققت في ملاحقة التنظيمات الإرهابية التكفيرية والقضاء عليها وإحكام السيطرة على أهم المواقع والتلال في المنطقة، مؤكداً أن سوريا والمقاومة ستبقيان يداً واحدة في التصدي للهجمة الصهيوأميركية وأدواتها الإرهابية والتكفيرية في المنطقة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه