ليس من الغريب أن تستطيع الرجوع بالزمن إلى عشرينيات القرن الماضي، وأن تعايش فترة طالما قرأت عنها في تاريخ سوريا.
سيف عمر الفرا
ليس من الغريب أن تستطيع الرجوع بالزمن إلى عشرينيات القرن الماضي، وأن تعايش فترة طالما قرأت عنها في تاريخ سوريا.
ليست تقنية جديدة تمكنك من مشاهدة فيلم يحكي عن تاريخ الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي في العام 1925، فما إن تتجه غرب محافظة السويداء باتجاه مطار الثعلة العسكري حتى تتيقن أن هذا الكلام هو واقع، وليس خيالا.
هي نفس القرى التي كانت مهد انطلاق ثورة سورية ضد الاستعمار الفرنسي ومن قبله العثماني. هم ذات الشخصيات التي نراها في الصور واللوحات لرجال سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى، وإن سرقك الواقع من خيال التعمق بتلك الحقبة وتفاصيلها المرتبطة بقصص سمعناها ولم نرها.
تعود اللوحة التي تشير إلى مفرق بلدة المزرعة، لتستحضر في ذهنك المعركة الأبرز في تاريخ السوريين، والتي انتصر فيها أهل الجبل على الفرنسي في قرية المزرعة، حيث ينتشر الرجال بالزي المعروف لأهالي الجبل على كل زاوية، وأمام كل منزل، كخطوط دفاع تبدأ من جبهة مطار الثعلة ولا تنتهي حتى مدينة السويداء، حيث يتواثب الرجال القادمون كالبرق الخاطف إلى الخط الأول في آخر قرية الثعلة عند اشتداد الاشتباكات في محيط المطار.
على سطح منزله المكون من البازلت الأسود يقف أبو عادل حاملاً بندقيته، مجنداً بالرصاص، يترقب الجبهة التي لا تبعد عنه سوى كيلومترين. أبناؤه وأبناء شقيقه على الخط الأول.
يتمتم الرجل بصوت هادئ بالدعوات للحماية للشباب، وبعض مفردات لها دلالة الفخر بهم. ويرتفع صوته كلما زادت حدة الاشتباكات. يضع الرجل يده على حجر المنزل، ويقول «نحن أبناء البازلت. إن استطاع التكفيريون أن يقتلعوه من أرض الجبل لن يستطيعوا أن يقتلعونا. جذورنا ضاربة في هذه الأرض، والتاريخ يشهد».
وفي لحظة الاشتباك العنيف تسمع الأهازيج الشعبية الخاصة بأهل السويداء «الجوفيات والردويات» تقترب أكثر فأكثر من المطار. مجموعات الشباب القادمون من كل قرى الجبل لا تنتهي. تخرج نساء القرى إلى الشارع يرددن «الجوفيات» أيضاً. ويحملن البنادق أيضاً.
تزغرد أم رامي وتنثر الأرز من جيبها على المقاتلين بيد وبيدها الأخرى تحمل بندقيتها. وتقول «هؤلاء شباب بني معروف، الأرحم التي وضعت سلطان باشا ما زالت تحمل وتضع. لن نخشى هذا الهجوم. لن يدنسوا تراب الجبل. الكل سيقف في وجههم كالبنيان المرصوص. نحن والجيش السوري والدفاع الوطني، أهل القرى نساء ورجالاً، الكل مقاتل اليوم».
وفي مدينة السويداء لا يختلف المشهد كثيراً عن واقع الريف الغربي، بالرغم من وجود خطر الصواريخ التي قد تنهال على المدينة في أي لحظة. إلا أن الحياة طبيعية مئة في المئة. لا حديث سوى حديث المعركة، والخطر القادم من الغرب. وفي كل يوم يتوافد الشباب المتخلفون عن خدمة العلم في الجيش السوري إلى مقر قيادة «الفرقة 15»، حيث يتجمعون في ساحة الفرقة يرددون «الجوفيات وعدويات الدبكة»، وهي ذاتها التي تردد على خطوط التماس في الثعلة.
هي ليست دفعة أولى من الشباب الملتحقين بالخدمة ولن تكون الأخيرة. يقول أحد مشايخ الجبل، الذي يأتي بصحبة الشباب لتقديم أوراقهم الثبوتية للالتحاق بالخدمة.
أمّا قصي، وهو أحد الشباب المتطوعين، فيقول إن «الجيش العربي السوري هو حامي الأرض والعرض. القيادة العسكرية كرّمت أبناء الجبل لخصوصيته، بأن تكون خدمتهم ضمن الجبل، ولذلك لن نتأخر لحظة عن الالتحاق. نحن سوريون نؤمن بأن كل أرض سورية هي أرضنا، لكن الأولوية اليوم هي للدفاع عن الجبل، وبعون الله الجبل سيبقى شامخاً بهمة شبابه».
وفي ظل كثرة الحديث عن التطورات في السويداء، يقف مشايخ عقل الجبل الثلاث في وجه من يحاول تأجيج الوضع، وإحداث حالة تفرقة، كما وصفها الشيخ يوسف جربوع. وقال لـ «السفير»، إن «حمايتنا من مهام الجيش العربي السوري والدولة، فالسويداء محافظة سورية. لدينا سلاح فردي يكفي للدفاع عن أنفسنا والدولة ستقوم بتدريب الشباب ومدّهم بالأسلحة والذخائر. ستدافع السويداء، رجالا ونساء وشيوخا وشبابا، عن الأرض إن استدعى الأمر. لن نكون أقل من أهلنا في الماضي فذكراهم حية. وفي الحديث عن أهلنا في الماضي، يجب أن نأخذ العبرة من أن العامل الرئيسي في وقوفهم صفاً واحداً أمام الاستعمار وانتصارهم عليه كان قضاءهم على الفتن ونبذ حاملي لوائها».
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه