لا يقف تقدّم «وحدات حماية الشعب» الكردية أمام تنظيم «داعش» في مناطق متعددة في الشمال السوري عند حدود الميدان.
إيلي حنا
لا يقف تقدّم «وحدات حماية الشعب» الكردية أمام تنظيم «داعش» في مناطق متعددة في الشمال السوري عند حدود الميدان. فحزب «الاتحاد الديمقراطي» يعمل لتثبيت سيطرته في «كانتوناته» الثلاثة، عبر ربط بعضها ببعض، ودخول مناطق «غير محسوبة عليه» عبر نسج تحالفات مع عشائر عربية وقوى أشورية وسريانية وفصائل من «الجيش الحر». الطائرات الأميركية في السماء والأكراد يخطّون حدود إدارتهم ليفرضوا أمراً واقعاً على الجميع، وأوّلهم الدولة السورية.
منذ شهور نشر السياسي الكردي السوري نوري بريمو «خريطة كردستان سوريا» الممتدة من عين ديوار، أقصى الشمال الشرقي، إلى الاسكندرون غرباً. الخريطة لاقت ردود فعل مختلفة داخل الشارع الكردي والمعارضة السورية. بريمو يُعتبر خصماً لحزب «الاتحاد الديمقراطي»، كونه ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن يجمعهما مظلّة «المرجعية الكردية» المتفق عليها في أربيل.
اليوم، بعد السيطرة على بلدة تل أبيض في ريف الرقة، قطع الأكراد شوطاً في تطبيق خريطة بريمو من دون أن يكون ذلك هدفهم المعلن. في أدبيات الحزب الكردي الانفصال خط أحمر. لكن الحكم الذاتي توسّع جغرافياً عبر وصل «كانتونيّ» الجزيرة (الحسكة) بكوباني (عين العرب)، ثم لتستكمل المحاولة نحو عفرين في أقصى الشمال الغربي.
كل الظروف الميدانية والسياسية مواتية للأكراد. جيش مدرّب ومطعّم بقيادات وعناصر خبرت القتال في جبال قنديل التركية، وذراع جوية اسمها «التحالف الدولي»، أي أميركا وحلف شمال الأطلسي. أما اقتصادياً، فهم مسيطرون على الحقول النفطية في رميلان، ومعامل غاز في السويدية، ومحالج قطن في ريف الحسكة، إضافة إلى سهول قمح وتجارة المواشي.
دولياً، العلاقة مع واشنطن تنمو بعد اللقاءات المعلنة الأخيرة مع الأميركيين (كاللقاء مع السفير دانييل روبنشتاين في 12 تشرين الاول الماضي في باريس)، إلى «الفتح السياسي» في قصر الاليزيه عبر استقبال الرئيس فرانسوا هولاند لقيادات سياسية وعسكرية من حزب «الاتحاد».
لا شيء يوقف الأكراد اليوم. لا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «المغلوب» على أمره، والمتلهّي بتداعيات الانتخابات البرلمانية، إلى الجيش السوري الذي كان قد أبرم اتفاقات داخلية مع «وحدات حماية الشعب» نُقض معظمها.
زواج «التحالف» والأكراد «جدّد عهوده» في ريف الرقة. نذور العلاقة أزهرت عشرات الغارات في تل أبيض وريفها وقبلها في جبل عبد العزيز وتل حميس وتل براك (ريف الحسكة).
«التحالف» لا يقصف سوى بالتنسيق مع الأكراد. هذا ما أوحى به الهجوم المتواصل لأيام الذي قادته «داعش» لاقتحام مدينة الحسكة. مصادر سورية تؤكد أنّ الجيش السوري أحبط مخطّطاً لإسقاط المدينة، ثمّ لتحريرها عبر الأكراد وحلفائهم بمساعدة «التحالف» ليخرجوا الدولة السورية من المنطقة.
مصدر سوري رسمي في محافظة الحسكة قال إنّ «الوحدات الكردية لا تنسّق معنا أبداً. هي منذ فترة تنسق مع التحالف الدولي الذي تتزعمه أميركا، وهي بدعمهم هذا للأكراد يشجعونهم على تحقيق مشروع سياسي محدد للانفصال عن الجسد السوري وخلق كيان في المنطقة».
القيادي في «حركة المجتمع الديمقراطي»، عبد السلام الأحمد، يرى أنّ «نظام الحزب الواحد القائد وحصر كل الصلاحيات بيد الحكومة قد أثبت فشله. وأثبتت تجارب الدول التي تعتمد اللامركزية السياسية أنها من أنجح نظم الحكم، ومشروع الإدارة الذاتية المعمول به الآن يأتي في هذا الإطار، والذي نأمل أن يصبح نموذجاً يحتذى بها في بقية المناطق السورية».
أحمد يرى اليوم أنّ هناك «مصلحة مشتركة في القتال في خندق واحد» مع قوى «التحالف الدولي»، التي وجدت في «وحدات حماية الشعب القوى الجديرة بالثقة والاعتماد في القتال على الأرض في جميع جبهات القتال». أما بخصوص الاتهامات بانتهاكات إنسانية وأعمال تطهير عرقي بحق العرب في القرى المسيطر عليها حديثاً، فيصف ذلك بأنّه «إشاعات يروّجها البعض بقصد إحداث الشرخ في صفوف القوى الديمقراطية، وإثارة هواجس الشريك العربي في الوطن السوري. أنتم تعلمون بأن المدنيين يغادرون ويرحلون من المناطق التي تشهد قتالاً، وللحفاظ على حياتهم نضطر أحياناً إلى إخلاء منطقة الاشتباكات، كذلك فإن الدواعش زرعوا كل المناطق التي اندحروا منها بالمفخخات، وسيعود السكان إلى مناطقهم كما حصل في سري كانيه (رأس العين) وكوباني (عين العرب) وغيرها».
إدارة المناطق غير الصافية كردياً ليست مشكلة بالنسبة إلى الحزب الذي وجد حلّاً عبر إشراك «مكونات» أخرى في إداراته، كالعشائر العربية وممثلين عن السريان والأشوريين.
في تل أبيض، مثلاً، يقول أحمد إنّ «كل المدن التي يتم تحريرها يوكل أمر إدارتها إلى السكان المحليين حيث يتم تشكيل مجالس للحارات وكذلك مجالس بلديات، وهو ما حصل في تل حميس وتل براك»، مؤكداً أنّ المناطق المحررة «لن يتم تسليمها لأيّ قوة عسكرية مهما كان تسميتها، وستدار من قبل ممثلي المكونات المشاركين في الإدارة الذاتية الديمقراطية».
من جهته، يكشف عضو «ديوان المجلس التشريعي لمقاطعة الجزيرة»، أكرم محشوش، أنّ مدينة تل أبيض ستسلّم لـ«لواء ثوار الرقة» و«غرفة عمليات بركان الفرات» لإدارتها بالطريقة التي تراها مناسبة مع دعم من «وحدات الحماية». محشوش يرى أنّ ما تقوم به «الوحدات هو تطهير أرض سوريا، وبالتالي سيكون له انعكاسات على كل سوريا»، مشيراً إلى «أنّه لا انفصال أبداً... الانفصال خط أحمر، ولا يمكن حتى نقاشه، وليس القبول به، فالمشروع واضح هو إدارة ذاتية لامركزية للمناطق فقط».
لكن عبد السلام أحمد يؤكد أنّه ستكون هناك «معارك في كل المناطق التي تشكل خطراً وتهديداً. وحدات حماية الشعب مكلفة بالدفاع عن الشعب السوري بغض النظر عن الانتماء القومي والدين. قاتلت الوحدات في تل تمر وقرى الخابور حيث المكوّن الأشوري المسيحي، وكذلك تل حميس وتل براك وحررت هذه القرى بدماء عشرات الشهداء حيث اختلط دم الكردي مع السرياني والأشوري والعربي... ستقاتل الوحدات حيث تقتضي مصلحة الشعب السوري وقواه العاملة على بناء سوريا الديمقراطية اللامركزية».
وعن التخوّف من مواجهة مباشرة مع تركيا، رأى القيادي الكردي أنّ «تركيا ليست في وارد المواجهة المباشرة ولا تملك إمكانات ذلك. الحكومة التركية من خلف الستار تحرّك بعض الجماعات الجهادية الإسلامية التي نشرت الفوضى والدمار ومزقت النسيج المجتمعي السوري».
قيادي سوري في محافظة الحسكة، الذي كان على تنسيق دائم مع حزب «الاتحاد الديقراطي»، يفضّل إبقاء هذا التنسيق للحفاط على أمن المحافظة وسلامتها، لكن الريبة والشكوك تدور في رأسه لأنهم «يسعون لافتعال المشاكل بهدف جر الجيش إلى معارك معهم، وبالتالي محاولة الهيمنة على المحافظة وإخراج الدولة السورية منها». هذه الشكوك لديها ما يترجمها على الأرض، بدءاً من اشتباكات مدينة الحسكة بين الجيش والأكراد (كانون الثاني الماضي) في محاولة من الأخيرة لتوسيع نطاق سيطرتها في المدينة، ثمّ رفض المشاركة في قتال «داعش» في هجومه على المدينة منذ أيام كونهم لا وجود لهم في الأحياء المهاجَمة، وأخيراً تطويقهم لسجن علايا في القامشلي أول من أمس، للمطالبة بموقوفين بعد عمليات خطف متبادل.
«رئيس هيئة الدفاع في مقاطعة الجزيرة»، عبد الكريم صورخان، يرى أنّ التعاون بين «التحالف» و«الوحدات» جاء «نتيجة التقاء المصالح في رغبة الوحدات في التخلص من خطر داعش ورغبة الولايات المتحدة في نجاح حملتها وتحقيق انتصارات تضعف داعش في المنطقة».
وأكد أنّه «ربما يكون لأميركا والدول الغربية أفكار تتعلق بمشاريع تقسيم أو غيرها. وأنا لا أعتقد ذلك، لكن من المستحيل أن نكون أداة لتقسيم سوريا، فوحدة تراب سوريا خط أحمر بالنسبة إلينا، ونحن نرى أن نموذج الإدارة الذاتية اللامركزية هو النموذج الأمثل لإدارة سوريا. نحن نؤمن بمفهوم الأمة الديمقراطية التي تضم كل مكونات الشعب، ونعمل على تقوية الأمة الديمقراطية، ولا نؤمن بتقوية القومية الكردية على حساب باقي القوميات والأديان».
اليوم، تحطّ الأنظار حول معركة «الوحدات ــ التحالف» المقبلة، وإذا ما كان الأكراد في صدد ربط كانتوناتهم الثلاثة جغرافياً بعضها ببعض، وبالتالي الهجوم نحو جرابلس لربط عفرين بكوباني. إذ يروي صورخان أنّه «أينما رأينا أن هناك خطراً يمثّله داعش على شعوب المنطقة فسنتدخل لحماية شعوب المنطقة، وسبق أن أعلنا جاهزيتنا للدفاع عن أعزاز من هجمات داعش في حال طلب الشعب هناك مؤازرتنا». وعن المواجهة مع «جبهة النصرة» وحلفائها في المنطقة، قال «هذا متوقّف على تصرفات النصرة وإساءتها لشعوب المنطقة وارتكابها انتهاكات بحقهم». مرجع سوري رسمي يعتقد أنّ «هناك بعض القوى الدولية تعمل على دعم مكوّن دون آخر»، معتبراً في حديثه إلى «الأخبار» أن «الشعب السوري سيبقى متماسكاً وقوياً... وأن الجيش يمتلك القدرة على إعادة الأمن والاستقرار إلى كل أراضي سوريا، التي لا نفرّط بأي شبر منها»
جيش العشائر والسريان والأشوريين و«الحر»
لم تعد «الادارة الذاتية الديمقراطية» المعلن عنها في كانون الأول 2013 مجرّد أوراق أقرّت توزيع مهمات مدنية وعسكرية في الشمال السوري. منذ ذاك الاعلان، يتسّع أفق «الادارة» ليشمل قانون «الدفاع الذاتي» (التجنيد الاجباري) والتحكّم في كميات من النفط والغاز والقطن والقمح. سقوط «الموصل» و«إعلان الخلافة» نهاية حزيران 2014، خلق ذراعاً جوية في صيف ذلك العام، لتكون معارك الدفاع عن عين العرب (كوباني) بداية شهر أيلول أول تباشير التعاون الكردي ــ الأطلسي.
وبعد تقوية شوكة «الوحدات»، نجحت «الادارة الذاتية» في نسج تحالفات محلية وإشراك «مكونات أخرى» إلى جانبه مبعداً عنه شبهة «العنصرية القومية». إذ أصبحت قيادة «الوحدات»
تضم «جيش الصناديد» التابع لحاكم «مقاطعة الجزيرة» حميدي دهام الجربا، و«وحدات الحماية السريانية ــ السوتورو»، وقوات «حرس الخابور» الآشوري، وكذلك فصائل من «الجيش الحر»، المنضوية في «غرفة عمليات الفرات»، وأهمها «لواء ثوار الرقة».
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه