حذّر البنك المركزي اليوناني من فشل المفاوضات بين أثينا ودائنيها حول مواصلة التمويل، إذ رأى أن «العجز عن التوصل إلى اتفاق سيكون بداية طريق أليم، سيقود أولاً إلى تخلف اليونان عن التسديد
حذّر البنك المركزي اليوناني من فشل المفاوضات بين أثينا ودائنيها حول مواصلة التمويل، إذ رأى أن «العجز عن التوصل إلى اتفاق سيكون بداية طريق أليم، سيقود أولاً إلى تخلف اليونان عن التسديد وفي نهاية المطاف إلى الخروج من منطقة اليورو وربما من الاتحاد الأوروبي».
واعتبر المصرف المركزي في تقرير سنوي حول اقتصاد اليونان نُشر أمس، وحمل طابعاً سياسياً بالنسبة إلى هذه المؤسسة النقدية، أن التوصل إلى اتفاق بين اليونان والجهات الدائنة هو «واجب تاريخي»، مشيراً إلى أن المسافة نحو التسوية «باتت «قصيرة».
ودعا الطرفين إلى «إبداء مرونة»، طالباً من الحكومة اليونانية الاعتراف بأن خفض أهداف فائض الموازنة الأولي الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، يعطيها «الوقت اللازم لتصحيح الموازنة وبعض الحرية الإضافية في سياسة الموازنة». فيما طالب الجهات الدائنة بـ «التأكيد مجدداً وتحديد رغبتها في شكل واضح» في منح اليونان تخفيفاً لدينها العام «كما كان مرتقباً» عام 2012.
يُذكر أن الجولة الأخيرة من المفاوضات بين اليونان والجهات الدائنة فشلت في التوصل إلى اتفاق، على رغم الوضع المالي الخطير الذي تواجهه أثينا. إذ يترتب عليها دفع أجور موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين وتسديد مبلغ 1.6 بليون يورو مستحقة لصندوق النقد الدولي بحلول نهاية الشهر الجاري.
وتوقع المصرف المركزي اليوناني، أن «يتباطأ اقتصاد اليونان في الربع الثاني من السنة»، كاشفاً أن «الأزمة الحالية أفضت إلى خروج ودائع بقيمة نحو 30 بليون يورو (33.84 بليون دولار) من البنوك اليونانية، أي بين تشرين الأول (أكتوبر) عام 2014 ونيسان (أبريل) الماضي.
وازدادت حدة المخاوف والتوتر في أثينا، بعدما هاجم رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس مقرضي اليونان، متهماً في كلمة وجهها لأعضاء البرلمان من «حزب سيريزا» الذي يتزعمه، المقرضين بمحاولة «إذلال» حكومته متجاهلاً التحذيرات من استعدادات في أوروبا لخروج اليونان من منطقة اليورو.
ودعا رئيس غرفة التجارة في أثينا قسطنطينوس ميكالوس جميع الأطراف، إلى «تبني نبرة أكثر هدوءاً ومنطقاً»، مؤكداً أن «الأخطار كبيرة». وقال: «تمر اليونان في مرحلة حرجة جداً حالياً، ونتطلع إلى اتفاق مفيد للطرفين مع شركائنا والمقرضين، لأن الخلاف سيكون كارثياً لاقتصاد اليونان».
وشدد على أن «يدرك شركاؤنا ضرورة تنفيذ مجموعة جديدة من السياسات الاقتصادية في اليونان، تسمح بتعزيز النمو لأنه السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة».
وتزامناً مع اشتداد المخاوف وأزمة الحل، بدأ صندوق النقد الدولي يصعد النبرة في موضوع ديون اليونان، مؤكداً مطالبه في هذا الملف سواء لأثينا أو الأوروبيين، ولو أدى ذلك إلى وصمه بالتصلب. وكان الصندوق يترك حتى الآن شركاءه الأوروبيين يعلنون بارتياح، عن «محادثات بناءة» مع أثينا حول مجموعة الإصلاحات المطلوبة منها، لقاء حصولها على دفعة من القروض الجديدة بقيمة 7.2 بليون يورو. لكن مع تعاقب الاجتماعات في بروكسيل من دون التوصل إلى نتيجة، قرر صندوق النقد الدولي تبديل لهجته بعدما سئمت مديرته كريستين لاغارد تردد أوروبا وموقف اليونان الرافض.
وصدر الموقف المتشدد الأول من الناطق باسم الصندوق غيري رايس المعروف بنبرته الهادئة عادة، متحدثاً عن «خلافات كبيرة» مع أثينا حول معاشات التقاعد والضرائب، وهما النقطتان اللتان تتعثر عندهما المحادثات، قائلاً: «لا نزال بعيدين عن التوصل إلى اتفاق».
واعتبر النائب الأوروبي الفرنسي آلان لاماسور في تصريح إلى صحيفة «ليه زيكو»، أن «خطأ ارتُكب بدعوة صندوق النقد إلى طاولة المفاوضات»، لافتاً إلى أن المستشارة الألمانية أنغيلا مركل «هي التي طلبت ذلك حينها، وكانت مخطئة»، إذ كان «يجب أن تبقى هذه المشكلة داخل العائلة الأوروبية».
وكان صندوق النقد الدولي مدركاً حين أخرج مآخذه إلى العلن، بأنه سيصبح الهدف الأول للانتقادات، لكن كان على قناعة في المقابل بانعدام الخيارات لديه مع اقتراب استحقاقات مهمة». وأوضح اندريا مونتينينو الذي مثل ايطاليا في مجلس إدارة الصندوق حتى عام 2010 متحدثاً إلى وكالة «فرانس برس»، أن الصندوق «يريد تشديد الضغط على الأوروبيين، فاللعبة تشارف على نهايتها وكل طرف يلعب أوراقه الأخيرة».
يُذكر أن الصندوق الذي لا يمكنه نظرياً منح قروض لبلد إلا إذا كان قادراً على تحمل الدَين، اضُطر إلى تعديل قوانينه لصرف مساعدة قياسية لليونان بلغت 48 بليون يورو من الوعود، ما أثار انتقادات واستياء داخل المؤسسة. ورأى المسؤول السابق في قسم أوروبا في الصندوق ديسموند لاكمان في تصريح إلى وكالة «فرانس برس» أن «المعاملة الخاصة التي تحظى بها اليونان أثارت خيبة دول ناشئة تعتبر ذلك غير عادل».
ويريد الصندوق اليوم طي الصفحة ويطالب بتعهد رسمي من الأوروبيين بتخفيف عبء الدين اليوناني، وإلا فهو يهدد بالتوقف عن دفع أي أموال جديدة لليونان. وينطوي هذا الوضع على خطورة في وقت تواجه اليونان احتمال التعثر عن الوفاء باستحقاق هذا الشهر.
وقال مونتانينو وهو باحث في مجلس واشنطن الأطلسي «الصندوق ربما يكون الطرف الأول الذي سيخسر أموالاً وهو يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على موارده».