بالرغم من حالة العداء بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» من جهة وبين الفصائل الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، من جهة ثانية
عبد الله سليمان علي
بالرغم من حالة العداء بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» من جهة وبين الفصائل الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، من جهة ثانية، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين لم تتوقف، واستمرت الصفقات المتبادلة بينهما لبيع وشراء ما يحتاجه كل طرف منهما، من مواد غذائية ونفط وذخيرة وغيرها.
وقد تكون هذه المعاملات المستمرة بين الطرفين من باب الضرورات التي فرضتها عليهما تعقيدات الحرب السورية، وانعدام البدائل أمامهما، لسد احتياجات المناطق التي يسيطران عليها.
غير أن تصاعد الأحداث على الحدود التركية مؤخراً، وفقدان «داعش» لمدينة تل أبيض ومعبرها الحدودي الذي كان يستخدمه لتأمين قسم كبير من حاجياته، أدّى إلى بروز دور وظيفي جديد لبعض السلع، وعلى رأسها النفط، الذي تتوقف عجلة الحياة دون وجوده، ما أوقع الفصائل المسلحة في مأزق خطير، خاصةً أن النفط يقع تحت هيمنة «داعش» الذي يحتكر إنتاجه وتسويقه.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تعاني بعض المناطق الحدودية مع تركيا، مثل ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب، من أزمة محروقات خانقة، بالتزامن مع اضطرار تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الانسحاب من مدينة تل أبيض ومعبرها الحدودي على وقع الهجوم الكثيف الذي شنّه تحالف «وحدات حماية الشعب» الكردية و«التحالف الدولي» ضده منذ أيام عدة، لأن المعارك على الحدود التركية ستؤدي إلى تغيير الكثير من المعادلات على الأرض في تلك المناطق، ومن الطبيعي أن يحاول كل طرف استغلال الظروف الجديدة للضغط على الطرف الآخر.
وجسّد النداء الذي وجهه «الدفاع المدني السوري المعارض» طبيعة الأزمة الخانقة التي تعاني منها مناطق سيطرة المسلحين، نتيجة نفاد مخزون الوقود في هذه المناطق، حيث قرر، بعد اجتماع هيئته الإدارية، «إعلان حالة الطوارئ وتوجيه نداء استغاثة إلى المنظمات الإنسانية»، مناشداً «كافة المسؤولين عن أزمة المحروقات حل هذه القضية بالسرعة القصوى، تفادياً لكارثة إنسانية أصبحت قريبة».
وحسب مصادر محلية، فإن نقص المحروقات انعكس على الفور غلاء في أسعار السلع الضرورية، فسعر كيلو الخبز في إدلب وصل إلى 200 ليرة سورية، بينما صهريج المياه قفز من 800 ليرة إلى 4000 ليرة سورية، والأهم أن غالبية المنشآت الصناعية والتجارية، وحتى الزراعية، توقفت عن العمل، وبدأ الوضع يتدهور من سيئ إلى أسوأ. كما وجهت بعض المستشفيات نداءً مماثلاً، وسط أنباء عن وفاة بعض الأطفال في مستشفى إدلب بسبب توقف الحاضنات عن العمل نتيجة عدم توافر الوقود.
وسعت فصائل، مثل «أحرار الشام» و «الجبهة الشامية» و «حركة نور الدين الزنكي»، إلى اتهام تنظيم «الدولة الإسلامية» بالتسبب بالأزمة، محملة إياه المسؤولية عما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات اجتماعية وإنسانية.
واعتبر القائد العسكري العام في «أحرار الشام» أبو صالح الطحان أن «داعش يتهيأ أسباب سقوطه» بسبب مثل هذه الممارسات، مشيراً إلى أن قيادة «داعش» التي «هربت من مواجهة نساء البككه (حزب العمال الكردستاني) في تل ابيض تريد معاقبة الشعب المسلم بقطع المحروقات عنه». كما صدر بيان عن «غرفة عمليات فتح حلب»، التي تضم غالبية الفصائل في حلب باستثناء «جبهة النصرة» ردّاً على ما اسماها «الإشاعات المغرضة التي اتهمت الفصائل المجاهدة في حلب وريفها بقطع طريق إمداد المحروقات»، ووجه الاتهام إلى «داعش» بقطع هذا الخط.
لكن هذه البيانات أغفلت الحديث عن الحقيقة المرة التي عكستها اتهاماتهم، وهي أن مناطق سيطرة هذه الفصائل تقع بشكل أو بآخر تحت رحمة «داعش»، الذي يستطيع متى شاء قطع أو فتح خط الإمداد إلى هذه المناطق. وهذا يستدعي تساؤلاً آخر وأكثر أهمية، حول السبب الذي جعل هذه الفصائل تستمر في التعامل الاقتصادي والتجاري مع «داعش»، بالرغم من حالة الحرب بينهما، لا سيما في ريف حلب الشمالي الذي يشهد معارك عنيفة منذ أسابيع عدة بهدف السيطرة على مدينة إعزاز ومحيطها.
ومن شأن انكشاف هذه الوقائع أن يطرح على بساط البحث من جديد موضوع قرار مجلس الأمن الدولي الذي يمنع التعامل مع «داعش» وشراء النفط منه، وجدية بعض الدول الداعمة لهذه الفصائل في تنفيذ القرار، لا سيما أن بعضها ما زال يضع نفسه في إطار «الجيش الحر».
وقال لـ «السفير» ناشط حلبي، رفض الكشف عن اسمه بسبب خوفه من انتقام الفصائل منه، إن اتفاقاً مبرماً بين الفصائل في حلب وبين «داعش» كان يقضي بأن يقوم تنظيم «الدولة الإسلامية» بتوريد النفط إلى ريف حلب وإدلب وصولاً إلى حماه، مقابل أن تسمح هذه الفصائل له بعقد صفقات، في مناطق سيطرتها، لشراء المواد الغذائية ومواد البناء التي يحتاجها. وأشار إلى أن الأمر كان يسير بشكل طبيعي إلى أن خرج التنظيم من تل أبيض، حيث عمد إلى إدخال العشرات من شاحنات الأغذية ومواد البناء إلى مناطقه، قبل أن يقرر منع شاحنات النفط من العبور إلى ريف حلب الشمالي، وهو ما أدى إلى الأزمة الحالية، مشيراً إلى أنه يعتقد أن «داعش» قد يهدف من وراء ذلك إلى شراء ذمم بعض الفصائل، أو الضغط عليها من أجل تسهيل سيطرته على مدن ريف حلب الشمالي، وأهمها إعزاز ومارع.
لكن ناشطاً مقرباً من «داعش» نفى أن يكون التنظيم قد أخلّ بالاتفاق المذكور، لأن مصلحته تقضي بالالتزام به، فهو لا يستطيع تأمين المواد الغذائية ومواد البناء بأسعار بخسة إلا من ريف حلب. وأشار إلى أن أوساط التنظيم تعتقد أن ثمة أوامر خارجية صدرت إلى «فصائل الصحوات»، وعلى رأسها «الزنكي»، بوقف التعامل معه وعدم شراء النفط، لافتاً إلى أن الغاية من ذلك هي إضعاف التنظيم وإنهاكه تمهيداً لطرده من شمال حلب ومنعه من السيطرة على معبر حدودي جديد مع تركيا.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه