من سيصدّق اليوم أن إيران رغبت باغتيال الجبير سيسهل عليه التصديق مستقبلاً أن الجمهورية الإسلامية اغتالت الحريري الأب، كل هذا لزيادة الضغوط على محور المقاومة من إيران مروراً بسورية وصولاً إلى لبنان.
في نهاية أيلول الماضي حاولت وسائل الإعلام الغربية مدعومة بحلفاء أميركا في المنطقة العربية الترويج لما قالت إنه صفقة أميركية – ايرانية حول العراق بوساطة سعودية بين الطرفين، ولتعزيز فرضيتها، أشارت هذه الوسائل إلى قيام إيران بإطلاق سراح جاسوسين أميركيين، وإعلان السيد مقتدى الصدر عن إيقاف عمليات جيش المهدي ضد قوات الإحتلال الأميركي للعراق لتسهيل انسحابها، تلا ذلك تبدل لهجة المندوب الأميركي لدى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إزاء موضوع الملف النووي الإيراني، وتوقف حكومة نوري المالكي العراقية عن مطالبة أميركا بالإنسحاب الكامل من العراق. كل هذه النقاط استخدمتها وسائل الإعلام المعنية بإيعاز أميركي للدلالة على إتمام صفقة مزعومة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية. في الوقت نفسه، لوحظ غياب الوسيط المفترض، أي السعودية، عن خطة المواجهة الغربية – العربية للنظام السوري، وبرزت قطر كرأس حربة هذه المواجهة، ويعود ذلك بحسب العالمين بالوضع الداخلي السعودي إلى خلاف حاد بين الملك عبدالله بن عبد العزيز من جهة، وبندر بن سلطان وحاشيته من جهة أخرى، حيث يقول هؤلاء ان الملك كان إيجابياً في التعاطي مع كلا الملفين، الإيراني والسوري، مقابل تشدد كبير من جانب بندر. والسبب الرئيسي في هذا التباين هو خوف الملك من انتقال أعمال الشغب إلى السعودية مما يمكن أن يؤدي إلى تقسيمها وتفتيتها.
في 5 تشرين الأول 2011 اجتمع مجلس الأمن ليتخذ قراراً يدين بموجبه سوريا، فإذ بالفيتو الروسي – الصيني التاريخي يطيح بالآمال الغربية ويرسم خطاً أحمراً حول الحدود السورية، ويبعث برسالة قاسية إلى أميركا والغرب مفادها "لقد تعديتم الخطوط الحمراء ولا بد لكم من التراجع فوراً إلى الخلف وإلا سنفعل ما يلزم لحماية الأسد". شكّل هذا الفيتو ضربة قاضية لما كان يعد لسوريا وأفنى آمال الغرب بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.. بعد هذا الفشل الذريع، انقلب المشهد رأساً على عقب...
أسرعت أميركا للعودة إلى خطتها الرئيسية بعد تعذر تنفيذ مخططها لإسقاط النظام السوري، فسربت لائحة مفبركة لأسماء سياسيين وصحافيين وشخصيات معروفة، ادعت أن الجمهورية الإسلامية تريد اغتيالهم لتخفيف الضغط عن حليفها السوري. ألحقت هذه الخطوة بالعزف مجدداً على وتر الخطر الإيراني على العرب، مفجرة قنبلة سياسية وإعلامية جديدة ادعت فيها بأن إيران كانت تخطط لاستهداف بعض الشخصيات بمساعدة العصابات المكسيكية، ومن ضمن الجهات المستهدفة السفير السعودي لدى أميركا عادل الجبير والسفارة الإسرائيلية في واشنطن والأرجنتين. إلا أن زج الإسرائيليين في المخطط المزعوم كان فقط لضمان تصديق الناس للخبر، وعندما حقق الهدف المرجو منه، سحب من التداول الإعلامي تخطيط إيران لاستهداف إسرائيليين كي لا ترتفع الأسهم الإيرانية لدى العرب والمسلمين، وفي المقابل جرى التركيز على موضوع الجبير خدمة للخطة الأميركية الأساسية. في اليوم نفسه وردت معلومات عن نهاية الأزمة المالية التي تعاني منها مؤسسات الحريري في لبنان، فتدفقت الأموال وبشكل خاص لتغذية الإعلام الذي لم يتقاض رواتبه منذ سفر سعد الحريري إلى جهة مجهولة.
لهذا السبب اتهمت إيران بالتخطيط لاغتيال عادل الجبير
حاول الأميركيون عبر ترويجهم لسيناريو الصفقة المزعومة حول العراق فتح باب حوار مع الإيرانيين، إلا أن فشل سعيهم هذا، بالإضافة إلى ضربة الفيتو الثنائي التي قضت على آمالهم بإمكانية إسقاط الرئيس الأسد وبالتالي القضاء على الخط الرابط بين قوى المقاومة والإستفراد بإيران وحزب الله كلاً على حدى. لم يترك هذا أمامهم سوى إعادة إحياء مخططهم الأصلي وهو تفجير العلاقة الشيعية – السنية في المنطقة عبر اتهام الشيعة بالتخطيط لاغتيال شخصيات سنية، يرافقها حملة إعلامية غربية – عربية ضخمة لصب الزيت على النار. وهذا ما يبرر تدفق الأموال من جديد على وسائل الإعلام الحريرية. وكل هذه البروباغندا الإعلامية ستمهد الطريق لاتهام إيران مستقبلاً باغتيال رفيق الحريري، فيكون الرأي العام العالمي قد أصبح جاهزاً لتقبل الفكرة. فمن سيصدّق اليوم أن إيران رغبت باغتيال الجبير سيسهل عليه التصديق مستقبلاً أن الجمهورية الإسلامية اغتالت الحريري الأب. كل هذا لزيادة الضغوط على محور المقاومة من إيران مروراً بسورية وصولاً إلى لبنان، بعد أن اقتنع الأميركي أنه لن يستطيع فرض ما يريده في مجلس الأمن ولن يقبل الإيراني بالتفاوض معه حول العراق وسورية ولبنان، وآخر محاولة لفتح أبواب هذا الحوار كانت في ادعاء واشنطن بأنها اجرت اتصالاً مباشراً مع إيران لبحث مسألة الجبير مما دفع طهران إلى نفي الموضوع جملة وتفصيلاً.
العصابات المكسيكية في خدمة المخابرات الأميركية
بتاريخ 24 آب 2011 نشرت مجلة "الوطن العربي " خبراً تحدثت فيه عن معلومات أدلاها عضو بارز في عصابة "سينالوا" المكسيكية لتجارة المخدرات أثناء محاكمته في الولايات المتحدة، وبحسب المجلة فقد ألقت هذه المعلومات مزيداً من الضوء على تواطؤ واشنطن مع عصابات تجارة المخدرات وتورطها في مبيعات أسلحة لهذه العصابات المكسيكية. فقد أكد خيسوس فيسنتي ثامبادا – نييبلا نجل اسماعيل ثامبادا غارثيا "مايو"، أحد كبار قادة عصابة "سينالوا" لتجارة المخدرات والأسلحة في ولاية "سينالوا" المكسيكية الغربية، أكد في بيان قدمه إلى محكمة فيدرالية أميركية أن واشنطن منحته تفويضاً مطلقاً لمواصلة تهريب أطنان من المخدرات إلى شيكاغو وبقية أنحاء الولايات المتحدة.
هذه الإتهامات على الرغم من تجاهل وسائل الإعلام الأميركية شبه الكامل لها، أثارت موجة جديدة من الشكوك حول السياسة التي تتبعها واشنطن في مجال مكافحة تجارة المخدرات والتي يعتبرها العديد من المحللين، منذ سنوات طويلة، فاسدة وغير فعالة.
ولكن الأهم من ذلك هو تأكيد ثامبادا – نييبلا أنه عمل لحساب الحكومة الأميركية "كمصدر معلومات مهم " وأنه كان جانباً من اتفاقيات تمت بين ضباط وكالة مكافحة المخدرات وأكثر أعضاء تنظيم "سينالوا" تشدداً ومن بين هذه الإتفاقات تعهد وكالة مكافحة المخدرات الأميركية بحمايته مقابل تقديمه معلومات عن عصابات تنافسه في تهريب المخدرات.
فكيف يمكن لإيران إذاً أن تعقد صفقة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن مع عصابات مكسيكية يعلم الجميع مدى تبعيتها للمخابرات الأميركية وتعاونها معها؟ أما كان بالإمكان نشر قصة أكثر واقعية من فيلم بوليسي يتحدث عن أطنان من الأفيون كهدية إيرانية للمكسيك في حال نجاح العملية؟! وإن فشلت؟ أكانت ستهديها التنباك العجمي مثلاً؟! والأجمل من ذلك هو تصنيف العصابات المكسيكية "كمصدر معلومات مهم" للمخابرات الأميركية، وفي نفس الوقت لم تجد إيران سوى هذه العصابات لكي تتعاون معها! ثم لماذا لم تخطط الجمهورية الإسلامية لاغتيال السفير السعودي في لبنان مثلاً؟ أو غيرها دول العالم؟ لماذا عادل الجبير بالتحديد هو الإسم الذي اختارته واشنطن كضحية تم إنقاذها؟
محور المقاومة والممانعة اغتال رفيق الحريري
لمعرفة الجواب على السؤال الأخير يجب معرفة من هو عادل الجبير، إنما قبل ذلك لا بد لنا من العودة أيضاً إلى العدد نفسه من مجلة "الوطن العربي "، حيث سنجد العنوان التالي "المحكمة الدولية: علاقة إيران باغتيال الحريري".
وفي تفاصيل الخبر أن مجلة "دير شبيغل" الأسبوعية الألمانية نشرت معلومات قالت أنها تؤكد علاقة إيران بعملية اغتيال رفيق الحريري، وأشارت المجلة من دون الإفصاح عن مصدر معلوماتها إلى أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان "تتتبع بصورة مكثفة آثاراً تقود إلى إيران"، وأن المتهمين الأربعة سافروا إلى إيران العام 2004 وأجروا على مدى شهور عدة تدريبات عسكرية في "معسكر الخميني للتدريب" القريب من قمّ للتدرب على عملية الاغتيال. وأضافت "دير شبيغل" أن المشرفين على الأمر "أقاموا ديكورات شبيهة بمسرح الجريمة بما في ذلك تنفيذ تفجير تدريبي". وتابعت أن "كتائب القدس" الإيرانية التي تعتبر اليد اليمنى للحرس الثوري "هي التي أشرفت على كامل العملية".
بناء على ما تقدم نستنتج بأن أميركا قررت العودة إلى استكمال خطتها الأساسية بعد فشلها في إسقاط الرئيس الأسد، والهدف الرئيسي اليوم هو إيران، حيث سنشهد قريباً تصعيداً قوياً تجاه طهران، التي ستتهم مع سورية وحزب الله باغتيال رفيق الحريري. ولكن ما علاقة عادل الجبير بالموضوع؟
نترك الجواب للجزء الثاني الذي سنكشف فيه أيضاً عن جوانب من علاقة سفير السعودية بالكيان الصهيوني واللوبي الإسرائيلي في أميركا من جهة، وصداقته الحميمة مع آل الحريري من جهة أخرى، وكيف شاركت أميركا وكندا والسعودية والحريري في الإعداد لسيناريو اغتيال عادل الجبير بحضوره شخصياً!