شعبية «أنصار الله» لم تتأثر كثيراً.. والعملية العسكرية تفتقر إلى إنجاز يوقفها
وسيم ابراهيم
كان يوم تحوُّل جوهريّ، ترسَّخت فيه المعادلة التي ستحكم الصراع اليمني للفترة المقبلة. الخيبة والشكوى تلفَّان حديث حلفاء الرياض عن ذلك اليوم، مع تبعات متواصلة يخوضون محاولات يائسة لعكس مسارها. لكنَّ المعسكر المعادي للحرب السعودية، كان في أحسن أحواله، وهو يعرف تماماً ما الذي عناه ما حصل في ذلك المشهد الدرامي.
في ذلك اليوم، غمر الاطمئنان أوساط قيادات «أنصار الله». كان الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، يقف أمام أنقاض منزله الذي دمَّرته الغارات السعودية وسط صنعاء، معلناً تحالفه الصريح مع الجماعة.
كان حينها مضى نحو شهر ونصف الشهر على بداية العمليات العسكرية السعودية، لكن صالح كان يتحدث قبلها بلهجة مرنة مع المملكة النفطية. الغارات على منزله أوصلت له رسالة واضحة، فانبرى للحديث عن «العدوان البربري» السعودي. قال موجهاً رسالة صريحة لأعدائه وداعميه: «لم أكن في تحالف مع أنصار الله، لكن سأعلنها اليوم، ومن هذا المكان، إنَّ الشعب اليمني كله في تحالف مع من يدافع عن مقدّرات الوطن».
لم تتوقَّف بعدها المحاولات لإعادة وصل الجسور بين حلفاء الأمس، ومنها مساعٍ بذلتها قيادات من حزب صالح بعدما غادرت إلى الرياض وأعلنت انشقاقها. قيادي منشق في حزب «المؤتمر الشعبي العام»، حزب الرئيس المزمن، يقول لـ «السفير» إنَّ تلك المحاولات «كانت موجود بالفعل»، قبل أن يضيف «ما زلنا ندعم هذه المحاولات».
لا يفارق العُبوس والتأفُّف وجه القيادي الحزبي، وهو يراقب كيف تصطدم جهودهم تلك بحائط ما زالوا يتمنّون زواله. يقول راسماً الصورة الإجمالية لما يحدث: «المشكلة التي نعاني منها هي عدم مرونة حلفائنا، السعودية تحديداً، إنَّهم يعتبرون المسألة شخصية». يبدو هذا القيادي متيقناً أنَّ كسر تحالف خصومهم كان ممكناً: «قلنا للسعودية إنَّ فصل التحالف بين صالح والحوثيين هو الطريقة الأفضل لدحرهم، لكنهم رفضوا بشكل قاطع»، قبل أن يضيف كاشفاً فحوى ما حصل: «قالوا لنا نحن أكرمناه. أحسنَّا إليه. وأعدناه إلى اليمن، ثمّ طعننا في الظهر وتحالف مع ذراع إيران. يريدون شطبه وإذلاله، فقط أن يركع ويستسلم».
مسؤول آخر يحارب «أنصار الله» وحلفاءها، أكَّد بدوره هذا التقدير. قال مبدياً موافقته «حينما يكون لديك أعداء في تحالف، فمن الطبيعي أن تبحث عن تفكيكه. كلما كانوا ضعفاء كلما كان ذلك أفضل لنا».
لكن مصدراً واسع الاطلاع، مقرَّب من جماعة «أنصار الله»، يقول لـ «السفير» إنَّ «الأوان فات» على إثمار هذه المحاولات. متحدثاً عن المنحى الذي اختارته الرياض، يضيف مبتسماً «إنَّهم حمقى»، قبل أن يستطرد «كان صالح يعتمد لهجة مرنة مع العدوان السعودي، لكنَّهم قصفوا منزله، وجاء رده عبر إعلان التحالف الصريح مع أنصار الله».
يقرّ المصدر بأنَّ إفشال تحالفهم مع صالح كان سيضرّ بهم «من دون شك»، واصفاً طبيعة العلاقة التي تربطهم بالرئيس اليمني السابق بالقول: «بالنسبة إلينا هو تحالف ضرورة، لكن بالنسبة إلى صالح فهو تحالف مصيري».
التقديرات تختلف حول مدى تأثير صالح في معادلة الحرب القائمة. مسؤول أممي، منخرط في الملف اليمني، يقول لـ «السفير» إنَّ «هناك مبالغة في دور صالح وقوته»، لافتاً إلى أنَّ ما يدعم أكثر موقف «أنصار الله» هو أنَّ «كل القبائل التي كانت سابقاً مع (القائد العسكري المنشق علي) محسن الأحمر، مثل قبائل حاشد وغيرها، صارت الآن مع الحوثيين».
لكن قيادياً منشقاً عن حزب صالح، مقيم في الرياض الآن، يرفض التقليل من شأن من حكم اليمن لعقود. يقول عن ذلك إنَّ «صالح رجل مهم، له تأثير كبير ونحن مع الحديث معه. ابنه هو مجرد جزء من نفوذه، فهو متغلغل في كل مفاصل السلطة، في الجيش والمؤسسات».
في السياق نفسه، لكن على الجبهة الأخرى، يصرّ أحد القياديين في «المؤتمر الشعبي»، يقيم في صنعاء، على أنَّ العداء السعودي لصالح يعود لأسباب أخرى. قبل كل شيء، يلفت إلى أنه ممَّن «لا يتفقون مع أنصار الله سياسياً»، قبل أن يشدِّد على أنَّ «المسألة الآن ليست سياسية، هناك حرب ونحن حلفاء ضدّ العدوان السعودي».
حين الحديث عن دور صالح، يعتبر أنَّ الرجل «تعرَّض لحملة تشويه متمادية»، موضحاً أنَّ «صالح له أخطاؤه، لكن القضية هي أنَّ السعودية وضعت أمامه على الطاولة مليار دولار وقالت له سنزودك بكل السلاح الذي تحتاجه، لكن فقط حارب أنصار الله، ثم انقلبوا إلى الحقد عليه حين رفض ذلك».
المصدر المقرَّب من الرئيس اليمني السابق، يقول إنَّ خصومة الأمس والحروب بين صالح والحوثيين، لا يصحّ القياس عليها في صراع اليوم. يشرح الصورة من وجهة نظرهم بالقول: «صحيح أنَّ صالح حارب الحوثيين في الماضي، لكنَّه فعل ذلك من منطلق دولة ضدّ متمردين، لكن ما تريده السعودية هو أن ينخرط في حرب طائفية»، لافتاً إلى أنَّ «صالح يرفض ذلك، فهو يعرف أن الحرب الطائفية مدمِّرة تماماً ولن تُبقي شيئاً في اليمن».
أطراف مختلفة، بين حلفاء وخصوم ومحايدين، يتفقون على القول إنَّ العملية التي تقودها السعودية، لم تحقِّق شيئاً يمكن الاعتداد به لفرض معادلات السلطة في اليمن. فبرغم أنَّ قصف السعودية متواصل منذ 26 آذار الماضي، لكن لا «حزم» الغارات، ولا سعيها لـ «إعادة الأمل»، يجعلان حلفاءها يجنحون إلى تفاؤل. لذلك لا يزالون يعلِّقون أملاً على إمكانية أن تقلِّل الرياض من «تصلبها»، وتعود للحديث مع الزعيم اليمني الشهير.
في ظلّ هذه الأجواء، عقدت جولة «جنيف اليمني» الأولى، قبل أن تفشل في تحقيق الهدنة الرمضانية التي كانت أقصى ما تطمح إليه. مصدر مقرَّب من رئاسة الوفد، أمضى أسبوعاً في المدينة السويسرية، يقول إنَّ الافتقاد السعودي إلى إنجاز، يجعل بنك الأهداف محصوراً جداً. يؤكد أنَّه «حتى الآن لا يمكن الحديث عن إنجاز، الرياض تقول إنَّها لن تتوقف قبل أن تحقِّق تقدماً واضحاً يمكنه فرض موقفها في اليمن»، قبل أن يخلص إلى القول إنَّ «ما نفهمه من ذلك هو أنَّ العمليات لن تتوقَّف، إنَّهم يريدون إمَّا رأس علي عبد الله صالح، أو رأس (زعيم «انصار الله») عبد الملك الحوثي».
مسؤول في الأمم المتحدة، يعمل على الملف اليمني، يقول إنَّ السعودية «باتت في مأزق، تخيّل أنَّ بعض طياريهم يرفضون الآن القصف في رمضان». يشرح أنَّ الرياض «بحاجة لإنجاز كي تتوقَّف»، قبل أن يضيف «موقفهم يضعف يوماً بعد آخر، فمن يقاتل من أجل شرعية (عبد ربه منصور) هادي في اليمن؟ لا أحد. صحيح أنَّ بعض القبائل تقاتل، لكن لحساسيات بين بعضها وليس للشرعية».
بناء على ذلك، يقول المصدر الأممي إنَّ محادثات جنيف واجهت مشكلة خوف هادي من «صفقة على حسابه». يلفت المصدر إلى أنَّ رئيس وفد الرياض، وزير الخارجية بالوكالة رياض ياسين، هو في النهاية «ليس له وزن سوى أنَّه رجل هادي»، معتبراً أنَّ «هادي انتهى، هذا نعرفه تماماً، وياسين يعرف أنَّ الاتفاق سيعني ذهابه مع هادي».
بالنسبة إلى ترتيبات أحجار الصفوف الأمامية، على رقعة شطرنج اليمن، تختلف التقديرات حول خالد بحاح، نائب الرئيس اليمني المقيم في الرياض. مصادر الأمم المتحدة تتحدَّث بثقة عن أنَّ «بحاح هو رجل المرحلة المقبلة، فمغادرة هادي باتت مسألة وقت فقط». لكن مصادر من «أنصار الله» ترفض هذا التقييم اليقيني.
يقول أحد المقربين منها إنَّ «بحاح مقبول من الناحية السياسية، لكن التقييم السياسي لم يعد المهيمن بعدما فعله في الرياض». محاولاً توضيح ما يقصده بدقة أكثر، يقول المصدر: «نقبل التعامل معه سياسياً، لكن ماذا نقول للناس؟ هناك قاعدة شعبية واسعة ضدّه الآن، ماذا نقول لمن رآه يقبّل رؤوس جنود السعودية التي تعتدي عليهم يومياً بالقصف؟».
وسط هذه التكتيكات، تبدو جماعة «انصار الله» واثقة بصلابة موقفها، برغم أنَّها أبدت تفاؤلاً بحاجة الرياض للهدنة العاجلة. قال مسؤول رفيع المستوى في الجماعة لـ «السفير» بعد فشل جنيف إنَّ «الحسم في الميدان»، وأنَّه الكفيل بإعادة الآخرين للتفاوض.
أوضاع الجماعة في الأوساط الشعبية لا يبدو أنَّها اهتزَّت كثيراً، برغم حملة التحريض المذهبي التي تخوضها الرياض. هذا ما يؤكده أحد النشطاء السياسيين، ممَّن جاؤوا إلى جنيف لتحية مسؤولي «أنصار الله» برغم أنَّهم لا ينتمون لها، لا عقائدياً ولا سياسياً. يستعرض العناصر التي صنعت شعبية الجماعة، معتبراً أنَّ «اليمنيين يعرفون أنَّ لدى الحوثيين مظلومية عن حق، كما أنَّ قياداتهم لم تتلطخ أيديهم بالسطلة وفسادها»، قبل أن يضيف «لقد أظهروا نضجاً سياسياً، فهم وقفوا ضدّ إعطاء حصانة لصالح كما أرادت السعودية، لكن تحالفوا معه ضدّ السعودية حينما اختارت الحرب».
ينخرط في الحديث نشطاء آخرون. يقولون إنَّ لدى «أنصار الله» الآن «فرصة تاريخية»، لتقديم مشروع وطني لدولة مدنية تنصف اليمنيين الآن وتنصفهم في النهاية. الحديث عن ارتباطات بإيران لا يؤرقهم، بل يعتبرون أنَّ الهم هو أن تكون دلالة تحالفات الدولة، إقليمياً ودولياً، مصلحة الشعب وليس أصحاب السلطة.
ما يوحَّدهم أيضاً، وربما أكثر من «التعاطف» مع الجماعة، هناك الخصومة الواضحة مع أعدائها. يقولون إنَّ الوقت الآن للحرب، وليس لتصفية حساسيات مع علي عبد الله صالح. بالنسبة إليهم هو «الملام الأول» على «جلب وتكريس الهيمنة السعودية والأميركية على اليمن». لكن لا أحد ينازع السعودية على كونها «أول الخصوم»، كما يقول أحدهم. يتساءل بلهجة منفعلة: «ما الذي جلبوه لنا خلال عقود من التحكم باليمن. ما الذي جلبوه لليمن غير الفقر والقاعدة، ماذا تبقى؟ صاروا الآن يقصفوننا بالطيران».
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه