السعودية: قطر موّلت جنبلاط لتسليح الدروز في سوريا وتحريك الأسير روجيه إدّه يتبنّى سلفياً سورياً معارضاً العسيري: الصفدي يعتذر لأنه صوّت لرئيس حكومته! السنيورة يقدّم التقارير: سأغيّر رأي نوري المالكي الفيصل: اتفاق سل
السعودية: قطر موّلت جنبلاط لتسليح الدروز في سوريا وتحريك الأسير
يوحي النائب وليد جنبلاط بأن علاقته بحكام السعودية مبنية على الصداقة. يصف أميراً بالصديق منذ أكثر من 30 عاماً، ويقول عن آخر إنه رفيق كمال جنبلاط، فيما كان يحلو له التذكير بأن الملك السعودي السابق، عبد الله بن عبد العزيز، كان يعتبر «الدروز عشيرته». برقيات ويكيليكس الصادرة عن وزارة الخارجية السعودية والسفارة في بيروت لا توحي بأن نظام الرياض يبادل النائب الشوفي المشاعر عينها. في ما يأتي، عدد من البرقيات التي تكشف نظرة السعودية إلى جنبلاط:
في برقية تعود إلى عام 2010، صادرة عن وزير الخارجية سعود الفيصل، يتعامل الاخير مع جنبلاط ببرودة تامة، رغم أن العلاقة بين الطرفين لم تكن تمر بقطيعة. على العكس من ذلك، كان جنبلاط شريكاً في حكومة الرئيس سعد الحريري التي تدعهما السعودية، وكان رئيس «الحزب الاشتراكي» قائداً للتحالف الذي رعاه السعوديون وأنفقوا عليه منذ عام 2005. صحيح أنه تمايز قليلاً في الخطاب عن باقي شركائه في 14 آذار، بعد أحداث أيار 2008، لكنه حافظ على علاقة جيدة مع آل سعود.
الوقت الذي صدرت فيه البرقية كان محكوماً بمصالحة سعودية ــ سورية، وبـ»غسيل قلوب» بين الحريري والرئيس السوري بشار الأسد. جنبلاط، القلق دوماً، كان قلقاً هذه المرة أيضاً. ومصدر عدم ارتياحه، بحسب الوزير غازي العريضي، «ما يجري بعد أن رتّب الحريري وضعه مع السوريين وتركه بمفرده. ويرى العريضي أنه قد يخفف من مثل هذه المشاعر موافقة المملكة على تلبية طلب جنبلاط لزيارتها بصحبة ابنه تيمور والتشرف بمقابلة مقام خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ ولقائي (سعود الفيصل). أشار السفير إلى أن مخاوف الزعيم الدرزي من موقف سوريا تجاهه تدفعه إلى استرعاء انتباهها بشتى السبل، سواء بالتقرب من المعارضة اللبنانية أو بإظهار قدرته على إرباك رئيس الوزراء، وفي الوقت نفسه فهو يعمل من أجل إعداد ابنه لتولي خلافته في زعامة الدروز بعد أن أخفق مسعاه لكسب رضا دمشق، وقد يؤدي عدم اطمئنان جنبلاط لنتائج سلبية تؤثر على المسيرة السياسية التي يقودها الحريري». وبناءً على ذلك، اقترح الفيصل الموافقة على طلب جنبلاط زيارة المملكة.
بداية عام 2011، انقطعت العلاقة بين جنبلاط والسعودية، بعدما شارك في «الانقلاب» على حكومة الرئيس سعد الحريري، وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي خلفاً له. بقيت العلاقة مقطوعة، إلى أن اندلعت الأزمة في سوريا. بعد عام من ذلك (كانون الثاني 2012)، زار جنبلاط العاصمة القطرية الدوحة، فربط السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري بين الزيارة ورفع جنبلاط سقف انتقاداته للنظام السوري، حين دعا «دروز سوريا الى الانسحاب من الجيش السوري». ورغم أن برقيات سعودية أخرى وضعت رفع جنبلاط سقف انتقاداته للقيادة السورية في إطار محاولة «كسب ودّ المملكة»، إلا أن تقريراً قدمه رئيس الاستخبارات العامة السعودية، مقرن بن عبد العزيز، إلى الملك عبدالله بن عبد العزيز، منح لقاء جنبلاط بأمير قطر بعداً مالياً متصلاً بالحرب السورية.
يقول مقرن:
«1 ــ يهدف جنبلاط من زيارته لدولة قطر مؤخراً ولقائه مع مسؤولين قطريين، إلى الحصول على دعم مالي قطري لأي حراك شعبي يقوم به الدروز في سوريا.
2 ــ هناك تنسيق بين جنبلاط والدروز في سوريا، مستفيداً من التواصل الجغرافي والبشري بين منطقة راشيا الدرزية في لبنان ومنطقة السويداء في سوريا. (كما في الكثير من تقارير الاستخبارات السعودية، ترد معلومات لا تمت إلى الواقع بصلة. وهنا، على سبيل المثال، لا وجود لأي تواصل جغرافي بين محافظة السويداء السورية ومنطقة راشيا اللبنانية، إذ تفصل بينهما أراضي محافظتي درعا وريف دمشق السوريتين).
3 ــ يعتزم جنبلاط تقديم جزء من الدعم القطري لشراء السلاح للدروز في سوريا، وكذلك دعم المنشقين منهم عن الجيش النظامي للالتحاق بالجيش السوري الحر، وبالتالي مواجهة النظام عبر الخروج في مظاهرات مؤيدة للثورة».
في برقية بعث بها سعود الفيصل إلى ملكه في آذار 2012، «يشرح» فيها الوضع في لبنان، أورد عن جنبلاط العبارة الآتية:
«من ناحية أخرى، قام الشيخ أحمد الأسير باعتصام في بيروت ضد النظام السوري، وهناك من يقول إن الشيخ الأسير تحرك بتشجيع من السيد وليد جنبلاط وتمويل قطري، مما حدا بمكتب السيد وليد جنبلاط إلى نفي أي علاقه له بتنظيم الاعتصام أو الحث عليه».
لكن هذا النفي لم يقنع «صديق» زعيم المختارة، إذ أضاف الفيصل: «ويبدو أن السيد وليد جنبلاط يهدف من ذلك الضغط على السيدة بهية الحريري كون الشيخ الأسير من صيدا معقل عائلة آل الحريري».
وفي الشهر نفسه (يوم 4 آذار 2012)، صدر قرار ملكيّ برفض اقتراح كان قد قدّمه السفير السعودي في بيروت (يوم 14 كانون الثاني 2012)، لإعادة التواصل بين السعوديين وجنبلاط. وبعد قرار الرفض بيومين، بعث السفير ببرقية يقول فيها إن جنبلاط يرغب في زيارة السعودية، لـ»التشرف بمقابلة المقام الكريم أو من يراه». وينقل السفير أن «جنبلاط لم يعد يتفق مع توجهات النظام السوري، بل له مواقف في صالح المعارضة السورية، وانه من المناسب إشعاره بتقدير المملكة عن توجهاته الحالية التي تصب في مصلحة حلفاء المملكة».
في الشهر التالي، تبدّل القرار، وصدر «العفو» عن جنبلاط، فاستقبله الفيصل في جدة (نيسان 2012). لكن جنبلاط وضع الزيارة حينذاك في إطار شخصي. وبعد أيام على ذلك، بعث نائب وزير الخارجية عبدالعزيز بن عبدالله ببرقية إلى الفيصل يبلغه فيها أنه تلقى اتصالاً من مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، يبلغه فيها أنه «تلقى رسالة بالإيمايل من السيد وليد جنبلاط عقب لقاء جنبلاط بسموّكم يوم الثلاثاء 24 أبريل حيث ذكر له السيد جنبلاط أنه قد أبدى لسموّكم اعتذاره عن مواقفه السابقة وأنه على استعداد للتعاون والعمل وفق رؤية المملكة للأوضاع بالمنطقة وخاصة في الساحة اللبنانية. يأمل السيد فيلتمان تأكيد هذه المعلومات ورؤية المملكة لكيفية التعامل مع السيد جنبلاط لرغبة الجانب الأميركي التوافق مع المملكة بهذا الشأن».
مسؤول سعودي علّق على هذه البرقية بخط يده، فكتب الآتي: «بالرغم مما عمله وتقلباته، إلا ان فريق 14 آذار كما قال رئيسه محتاجين للدروز، وإلا لخسروا الجبل، وهذا يعني أن ذلك سيعزز فرص نجاحهم في الانتخابات».
روجيه إدّه يتبنّى سلفياً سورياً معارضاً
رجل الأعمال اللبناني ورئيس «حزب السلام» روجيه إدّه، يريد، على ما تظهر برقيات الخارجية السعودية، أن يلعب دوراً سياسياً محلياً وإقليمياً فعّالاً الى جانب إدارة الفنادق والمنتجعات والمقاهي والتجارة و«الأعمال الحرّة». ونظراً إلى خبرته السابقة مع المملكة السعودية حيث عمل لفترة من الزمن، أراد إدّه أن يبقي اتصالاته وتعاونه مفتوحاً مع آل سعود. ها هو يخبر الخارجية السعودية أنه «على تواصل مع إحدى شخصيات الثورة السورية يدعى لؤي الزعبي، وصفه بأنه سلفي ناشط على الارض ولديه الكثير من المقاتلين والأتباع في مناطق كثيرة في سوريا، لا سيما نواحي درعا، وله قبول لدى الاوساط المسيحية السورية لما تميزت به مواقفه من عقلانية وبعد عن التطرف، بل لديه استعداد للدفاع عن المسيحيين لو تعرضوا لأي خطر».
«الناشط» إدّه وسّع نشاطه وأراد الدخول إذاً في المستنقع السوري من خلال الاتصال بـ«سلفيين» وتبنّيهم ومساعدتهم! رجل الأعمال اللبناني لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل استغلّ نفوذه ومعارفه ليؤكد، كما ظهر في البرقية، أنه «عمل على تقديمه (أي الزعبي) الى الإعلام، فاستضافته قناة العربية وسي. إن. إن.»، ثم عرض إدّه خدماته أيضاً بالقيام بـ«تسهيل التواصل بين الزعبي والمملكة إذا أرادت ذلك».
العسيري: الصفدي يعتذر لأنه صوّت لرئيس حكومته!
أن يناقش وزراء في الحكومة اللبنانية مواضيع سياسية داخلية مع السفير السعودي في بيروت، وأن يقوم البعض منهم بدور «مخبرين» عند الخارجية السعودية، أمر تكرر في مضامين برقيات الخارجية السعودية المسرّبة. لكن أن يعتذر وزير لبناني من السفير السعودي عن قيامه بالتصويت لرئيس الحكومة التي هو وزير فيها... فهذا أمر لا يمكن أن تراه أو تسمعه سوى في لبنان.
وزير المالية السابق محمد الصفدي، وفي لقاء عمل مع السفير علي عواض العسيري عام 2012، «تحدث بلهجة اعتذار عن ملابسات تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي»، كما ينقل السفير عنه في إحدى البرقيات.
«لم أسمّ الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة إلا يوم التصويت في القصر الجمهوري، إذ كان هناك تفاهم مع دولة الرئيس سعد الحريري على أنه هو الذي يسمّي رئيس الحكومة، ومضينا في هذا الطريق»، شرح الصفدي ظروف قيامه بـ«فعلته» تلك. وأشار إلى أنه كان هناك «خطأ كبير في آلية ترشيح ميقاتي لرئاسة الحكومة». الصفدي لم يكتف بالاعتذار وتلاوة فعل الندامة لسفير الرياض، بل أخذ «يبرّر»، حسب العسيري، أسباب تصويته لميقاتي بالقول إن الأخير هو «حماية للبنان من حرب أهلية»، وإن «تشكيله الحكومة يوفّر فرصاً أكبر للتفاهم».
السنيورة يقدّم التقارير: سأغيّر رأي نوري المالكي
يمكن المطّلع على برقيات «ويكيليكس» اعتبار الرئيس فؤاد السنيورة نموذجاً للسياسي اللبناني كما يحبه آل سعود. صلته بهم غير وثيقة، وهو لا يكثر من التواصل المباشر معهم، ولا تشبه صلته بهم ما تكشّف عن صلته بالأميركيين في برقيات «ويكيليكس» الأميركية. لكن الرجل يؤدي «واجباته»على أكمل وجه. يمتدح الملك حين يجب ذلك، وينفّذ السياسات السعودية بحذافيرها، ويقدّم تقارير عن عمله بصورة دورية. وهذه التقارير يمكن أن تكون عن أمر لبناني «داخليّ للغاية»، كمناقشة مجلس النواب الإجازة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي إنفاق 8900 مليار ليرة كنفقات إضافية على ما يجوز لها إنفاقه بناءً على القاعدة الاثني العشرية.
تقرير من 8 صفحات (وهو رقم قياسي نسبة إلى عدد صفحات تقارير الخارجية السعودية) فيه تفاصيل قانونية ومالية لبنانية لا يهتم بها إلا ذوو الاختصاص، من المشرعين والقانونيين والمتابعين للشؤون المالية. لكن السنيورة يصرّ على إبلاغ حكام المملكة بها. «واجبات» الرئيس الأسبق للحكومة التي يرفع «تقارير» بشأنها إلى الرياض لا تقف عند حدود لبنان، بل تتعداه إلى تنفيذ السياسيات السعودية في.. سوريا والعراق.
ففي برقية صادرة عن السفير السعودي في لبنان عام 2012، يرد الآتي: «أتشرف بأن أرفع لسموّكم أن الرئيس فؤاد السنيورة سلّمني في لقائي الأخير به نسخة من رسالة كان وجهها الى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أبدى فيها استغرابه لتصريحات المالكي عن استبعاده سقوط النظام السوري وعدم رؤيته أي مبررات لسقوطه، ورغبة دولته اطلاع سموّكم عليها. وذكّره في الخطاب بزيارة كان قام بها الى بغداد عام 2008 م ولقائه بالرئيس نوري المالكي الذي كان مهتماً حينها بعودة العراق الى العرب. وأضاف الرئيس السنيورة أنه فوجئ بعد ذلك بأن الوزير الشيعي اللبناني السابق إبراهيم شمس الدين نقل إليه رسالة شفوية من نوري المالكي بذات صبغة اعتذارية عمّا قاله بحق سوريا، وتأكيد بأنه لم يكن يعني حقيقة ما قاله، وأنه يعي حقيقة ما يجري في سوريا. وأشار الرئيس فؤاد السنيورة أنه يعتزم متابعة التواصل مع نوري المالكي لحمله على إعادة النظر في مواقفه».
الفيصل: اتفاق سليماني ــ حزب الله للسيطرة على لبنان
في كل دول العالم، تُعدّ وزارة الخارجية إحدى أهم الركائز التي يستند إليها الحكام لإصدار قراراتهم، وخاصة في السياسة الخارجية. في ما يأتي، نموذج من المعلومات «الدقيقة» التي يستند إليها النظام السعودي لرسم سياساته في لبنان والمنطقة.
البرقية تسلمها الملك السعودي من وزير خارجيته سعود الفيصل في آذار 2012، وفيها زعم الفيصل أن «أوساطاً (لبنانية) كثيرة انشغلت بوصول قائد الحرس الثوري قاسم سليماني إلى لبنان، ولقائه بمجلس الجهاد في حزب الله والتحدث عن ضرورة الاستعداد للسيطرة المتدرجة على لبنان. فحزب الله يسيطر على بيروت مباشرة ويسيطر الجيش عبر ضباط موارنة تابعين للجنرال عون على الحدود مع سوريا. أما مدينة طرابلس، فستكون مسرحاً للقتال يشارك فيه عناصر فلسطينية من الجبهة الشعبية ومن حزب الله وأبناء الطائفة العلوية.
وحتى ينجح هذا المخطط، فإنه قد يتم الإطاحة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وهناك معلومات تشير إلى أن زيارة قاسم سليماني إلى لبنان سبقها اجتماع في دمشق لتنسيق المهام بين إيران وسوريا وحلفائهما في دول الخليج واليمن. على الصعيد السوري، يتحدث مراقبون عن إخلاء مدينتي حمص والرستن من أبنائها السنّة لتضم إلى الدولة العلوية التي يشاع أن الرئيس السوري قد يحصل عليها تعويضاً له عن التنازل عن حكم سوريا».
كذلك عرض الفيصل على الملك «ما ورد من السفارة في بيروت عن الانتقادات التى وجِّهت لتصريحات البطريرك بشارة الراعي التي وصف فيها النظام السوري بأنه أقرب إلى الديمقراطية، وبررها البعض بأنه أدلى بها مجاملة للجنرال ميشال عون الذي أذعن لرغبة البطريرك في عقد لقاء ببن الجنرال والرئيس ميشال سليمان».