عاد وفد صنعاء من جنيف وعرَّج على مسقط، وعَقَد اجتماعاً تشاورياً مع وزير الخارجية العُماني على ضوء المبادرة العُمانية، التي ما زالت قائمة بدعمٍ روسيٍّ إيرانيٍّ واضح، وترتكز على وقف العدوان السعودي وإعطاء الأولوية للإغاثة
أمين أبوراشد
عاد وفد صنعاء من جنيف وعرَّج على مسقط، وعَقَد اجتماعاً تشاورياً مع وزير الخارجية العُماني على ضوء المبادرة العُمانية، التي ما زالت قائمة بدعمٍ روسيٍّ إيرانيٍّ واضح، وترتكز على وقف العدوان السعودي وإعطاء الأولوية للإغاثة الإنسانية العاجلة وبدء حوارٍ بين المكونات اليمنية كافة بعيداً عن الضغوط الإقليمية والدولية.
وعاد وفد الرياض الى المملكة وسط تصريحات علنية سبقت مغادرته الى جنيف من وليّ وليّ العهد ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان الذي يُعتبر بطل "عاصفة الحزم" حين قال: لم يعُد عبد ربّه منصور هادي يعنينا مع ميليشياته وأولوياتنا الآن حماية حدودنا، وسط تململٍ خطير في أوساط أمراء العائلة المالكة من الورطة التي أوقع فيها محمد بن سلمان المملكة وشعبها، وهُم يُجاهرون بالإعلان أن تعيينه جاء الخيار الأسوء في تاريخهم، لما يُعرف عنه من غرور، ولأنه على حدّ تعبير المدوِّن السعودي السرِّي المعروف بإسم مجتهد، "لا يتمتع بأي مقومات مهنية ولا خبرة، ولم يكمل الثلاثين من عمره بعد ومن الطبيعي أن لا يملك مهارة اختيار الأصلح في المناصب الحساسة في الوزارة والجيش، وبدلاً من أن يختار الأكفأ والأصلح للمناصب الحساسة كانت اختياراته مبنية على الصداقات والارتياح الشخصي حتى في المناصب التي تقتضي شخصاً مؤهلاً، مما يجعل مصير الأسرة المالكة وبالتالي مصير العرش تحت رحمة مراهق يدَّعي العلم بكل شيء وأنه الأقدر سياسياً وعسكرياً وتنموياً واقتصادياً واجتماعياً، مما سيضعه في خط المواجهة مع وليّ العهد محمد بن نايف المتمرِّس على يد والده في السياسات الداخلية والهدوء في معالجة الملفات الشائكة".
مشكلة العائلة المالكة السعودية، هي أن العدوان على اليمن كان اختباراً لهيبتها بجمع تحالفٍ الى جانبها ما لبِث أن انفضَّ من حولها، ولم تسقط اليمن ولن تسقط، ولعل النقطة الأقوى في مواجهة العدوان السعودي، أنه لم يعُد لدى الشعب اليمني المُستضعف الفقير ما يخسره، فمن تهجَّر من منزله قد تهجَّر والدمار على مستوى البنية التحتية والإقتصادية بات كاملاً شاملاً، ووصل الحقد على صمود وصبر اليمنيين الى تفجير بيوت الله بدخول داعش على الخطّ، لتستكمل على الأرض ما عجِزت عنه الطائرات السعودية من الجو، لكن الأمور أخذت منذ فترة منحىً آخر والمعارك تحوَّلت الى الداخل السعودي، و الأسابيع الماضية شهِدت النزوح السكاني من الجنوب السعودي الى الداخل بعيداً عن مدى الصواريخ اليمنية سيما وأن الجيش اليمني والقبائل باتوا داخل الأراضي السعودية.
وبصرف النظر عن الوثائق التي سرَّبتها "ويكيليكس" وتلك التي سوف تُسرِّبها لاحقاً عن أسرار الخارجية السعودية وعن علاقات العرش بالمنظمات الإرهابية وتمويل مدارس التطرُّف وشراء الذمم الرخيصة، فإن "ويكيليكس" لم تأتِ بجديد سوى بوثائق تُثبت ما كان يعرفه عامة الناس وبخاصة الشعب السعودي عن أداء وسياسات "وُلاة الأمر"، وإذا كانت المسائل الداخلية السعودية لا تعني الشعب العربي والإسلامي طالما هي داخلية، فإن اليد الطولى للعائلة المالكة السعودية في تأجيج نار الصراعات داخل العراق وسوريا واليمن ضمن التحالفات الإقليمية والدولية المشبوهة، يجعل من الحرب على اليمن نقطة تحوُّل نحو إنحدار الهالة الوهابية الى الهاوية الحتمية.
وبانتظار ما قد يُنشر لاحقاً عن الصراعات ضمن الأجنحة، لدرجة تعيين مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد وإرضاؤه لاحقاً بعدة مليارات من الريالات - وفق عدة وكالات أنباء -، فإن الإتيان بمحمد بن سلمان كوزيرٍ للدفاع ومن ثمَّ ولياً لوليّ العهد، قد جاء من باب تحصين عرش والده الملك سلمان الذي تداولت الأوساط المقرَّبة منذ تزكيته أنباء عن إصابته بمرض الزهايمر، ومخاوف من أدائه خاصة بعد أن تورَّط فور إعتلاء العرش بالحرب على اليمن، وفشله في قراءة فشل "عاصفة الحزم" في تحقيق أيٍّ من أهدافها، وعدم جدوى "إعادة الأمل" في استدرار عواطف اليمنيين، وانتهاء بسقوط "السيوف القاطعة" أمام الإنتصارات التي يحققها الحوثيون ومعهم الجيش والقبائل على امتداد الأرض اليمنية، وكل هذه الحروب المتعدِّدة التسميات كانت من صياغة محمد بن سلمان الذي تعتبره الأجنحة المُعارضة في المملكة شاباً يافعاً والتهوُّر هو إحدى سِماته.
ومشكلة المملكة أنها قادمة على استحقاقات ليست لصالحها، لأن الملف النووي الإيراني سائر في الإتجاه الصحيح رغم كل ما استخدمته السعودية من نفوذ لعرقلته، والحديث عن المخاوف السعودية من الموقف الأميركي لم يعد خافياً على أحد، لا سيما أن لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قادة الدول الخليجية في كامب ديفيد لطمأنتهم إلى المستقبل، والتأكيد لهم إستعداد بلاده إلى توقيع المعاهدات الدفاعية بهدف حمايتهم، لم يبدد المخاوف السعودية، والرياض عبَّرت أكثر من مرة بشكل مباشر أو غير مباشر، عن قلقها من العلاقة الناشئة بين واشنطن وطهران، وسعت إلى عرقلة هذا الأمر بأية وسيلة ممكنة، لكنها فشلت حتى الساعة، خصوصاً أن أوباما يعتقد أن توقيع الإتفاق النووي، هو الإنجاز الوحيد الذي يستطيع أن يقدمه إلى العالم في نهاية عهده.
سقطت السعودية "نووياً" أمام إيران، وسقطت سياسياً في الإقليم على مستوى الربيع العربي، وفشِلت في تزعُّم وحدة سياسية بين دول الخليج بفضل الموقف العُماني الجريء، إضافة الى سقوط المبادرة السعودية السياسية في اليمن التي باتت على رفوف الماضي، وبات الدور السعودي في اليمن عدوانياً بامتياز بالنسبة للشعب اليمني، ولم يعُد للسعودية سوى تحمُّل عبء لجوء عبد ربه منصور هادي وانكفائه مع كل مناصريه عن مسرح العمل السياسي عمَّا قريب لأنه بات رمزاً لإستقدام العدوان على بلاده، وفشِل مؤتمر جنيف في إيجاد قواسم مشتركة بين الوفد اللاجىء في الرياض والوفد القادم من اليمن مع إنجازات ميدانية ساحقة، وما على السعودية الآن سوى مواجهة الهجوم اليمني على جنوبها ودفع ثمن تشرُّد 20 مليون يمني يُعانون من الجوع وهي الملزمة بإعانتهم قبل أن تبدأ ثورة الجوع وتفلُّت الأمور من عقالها.
السعودية المترنِّحة داخلياً والخاسرة دولياً خاصة في العلاقة مع أميركا، وجدت نفسها تتَّجه الى روسيا عبر زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة والإتفاقيات الإقتصادية والتنموية التي أبرمها مع الروس، وهذه الزيارة تشبه الى حدٍّ بعيد زيارة قام بها الأمير بندر بن سلطان، وحاول من خلالها "شراء" الموقف الروسي على حساب المصالح الروسية في المنطقة، بصفقات بلغت قيمتها 14 مليار دولار من أجل إبعاد روسيا عن سوريا وعن قاعدتها في مرفأ طرطوس بالذات، وفشِل بندر في صفقة الشراء وسيفشل محمد بن سلمان، لأن روسيا قد حزمت أمرها الآن أكثر من أي وقت لعودةٍ حاسمة الى الشرق، سواء عبر الإستثمارات التي تعزِّز اقتصادها أو عبر استفاقة "الدب الروسي" من أن "الكاوبوي الأميركي" قد انهزم ولا بدَّ لروسيا من دخول الميدان علناً برضى غربي كامل، قبل أن يقرع الإرهاب أبواب أوروبا"...