جميعنا في الغرب نصغي اليوم لأوباما الذي يصغي بدوره لبنيامين نتنياهو....
كتب نضال حمادة
"لقد كنا أغبياء في تصوراتنا للواقع في بلدان المغرب العربي وها نحن نتخبط في جهلنا وخوفنا من المجهول".
هذا الكلام لبرلماني فرنسي زار بيروت منذ يومين، ويظهر من لهجته مدى ضياع فرنسا السياسية هذه الأيام إزاء التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم العربي وخصوصا الدول الواقعة شمال أفريقيا التي ترتبط مع الجمهورية الفرنسية بتاريخ طويل من العلاقات إضافة إلى وجود الملايين من أبناء هذه الدول على الأراضي الفرنسية.
ويعترف الكثير من الساسة الفرنسيين والمتابعين للشأن السياسي الفرنسي من صحفيين وباحثين أن الأحداث التونسية ومن بعدها المصرية أخذت فرنسا بغتتا بحيث كان موقف الخارجية الفرنسية متخبطا وهي المعروفة بخبرتها الطويلة بشؤون هذه المنطقة وشجونها.
وإذا كانت فرنسا تخطت ازمة الثورة التونسية بأقل الأضرار معتمدة على العلاقات الوثيقة بين الجيشين التونسي والفرنسي، وارتباط قائد الجيش التونسي بها، فإن عدم اتضاح الرؤية في مصر والثورة الليبية التي تحولت إلى صراع دموي ينذر بحرب اهلية يقض مضاجع باريس التي ترى نفسها مرة اخرى في قلب الحدث المغاربي.
لفرنسا ساركوزي علاقات متينة مع الرئيس الليبي معمر القذافي تعود الى الأيام التي كان فيها ساركوزي وزيرا للداخلية عندما ساعده الأمن الليبي على اكتشاف سيارة مفخخة وضعتها الجماعات الإسلامية الجزائرية في مرسيليا، ثاني اكبر مدينة فرنسية، كما لا ننسى أن أول زيارة قام بها ساركوزي للخارج عقب وصوله لقصر الإليزيه كانت لطرابلس الغرب بذريعة إطلاق سراح الممرضات البلغاريات، وقد ادت هذه الزيارة الى فتح باب العلاقات بين ليبيا وفرنسا على مصراعيه خصوصا في مجالات النفط والغاز والتعاون الأمني المشترك.
لماذا هذا القلق الفرنسي من الأحداث العربية؟
يعدد النائب الفرنسي عن الحزب الاشتراكي أسباب القلق الفرنسي من الثورات العربية فيرجعها الى ستة أسباب هي التالية:
أ – عدم وجود ما يدل على الخروج من حالة الفوضى الحالية في كل من مصر وتونس.
ب – عدم معرفة توجه الإسلاميين في مصر في حال وصلوا الى الحكم.
ج - تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين خصوصا من تونس باتجاه فرنسا.
د – تفكك هياكل الدولة في ليبيا وانفراط عقد الجيش كمؤسسة.
ه - ارتفاع أسعار النفط بسبب الاضطرابات والتأثيرات الكارثية لهذا الارتفاع على الاقتصاد الغربي برمته.
و – تحرك كثيف لمجموعات من القاعدة في ليبيا خصوصا في مدينة البيضاء وفق تقارير استخبارية فرنسية وعربية.
أكثر ما يقلق الفرنسيين والأوروبيين، يقول النائب الفرنسي، هو أن كلام القذافي عن تنظيم القاعدة ليس مجانبا للحقيقة بل هو يصيبها في الصميم خصوصا في مدينة البيضاء حيث يتواجد المئات من عناصر تنظيم بن لادن أتوا من الجزائر والمغرب وموريتانيا، وهؤلاء سوف يسعون بكل قوة لتشكيل إمارة في المنطقة مستفيدين من الفوضى الأمنية الكبيرة التي تشهدها ليبيا فضلا عن انهيار كامل مؤسسات الدولة الليبية في مناطق واسعة من البلاد بما فيها انهيار الجيش كمؤسسة فعالة وموحدة يمكن لها لعب الدور الذي لعبه الجيشان التونسي والمصري.
ما يلفت في حديث النائب الفرنسي المخضرم قوله إن ما يحدث الآن في ليبيا، أريد له ان يحدث من أجل وقف الانهيارات السهلة للأنظمة العربية، فالحدث الليبي سوف يجعل الكثير من المعارضات في البلدان العربية تفكر مرتين قبل أن تبادر في خطوات ثورية. هذا على الأقل ما أبلغه شمعون بيريز مؤخرا لسفراء دول اوروبية معتمدين في تل ابيب.
"ومن يكفل ان الفوضى خير من تغيير الأنظمة حتى وأن كانت موالية للغرب؟ المشكلة اننا في حيرة من امرنا ولا ندري أين يكمن الحل"، يجيب النائب، مضيفا أننا جميعا في الغرب نصغي اليوم لأوباما الذي يصغي بدوره لبنيامين نتنياهو....