ولفت فضل الله إلى أنّ الجمعية تؤكّد ثقافة الانفتاح على مؤسَّسات الدولة، وتتعاون مع منظمات دولية وبعثات ثقافية دبلوماسية وجمعيات مماثلة، كما أنها تبنّت مبدأ التربية على الحوار كمبدأ أساسي في برامجها
أقامت جمعيَّة المبرات الخيريَّة حفل إفطارها السّنويّ في مجمّع الكوثر ومبرة السيدة خديجة الكبرى ، بحضور حشد من الفاعليات السياسيَّة والدينيَّة والعسكريَّة والثقافيَّة والحزبيَّة والاجتماعيَّة ورجال الأعمال. وقد تقدَّم الحضور النائب علي بزي مثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام، الرئيس حسين الحسيني، وزير الصناعة حسين الحاج حسن، الشيخ خلدون عريمط ممثلاً مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان، الشيخ دانيال عبد الخالق ممثلاً شيخ عقل طائفة الموحدين الدّروز الشيخ نعيم حسن، جوزيف شهدا ممثلاً العماد ميشال عون، خالد المهتار ممثلاً النائب وليد جنبلاط، النائب عماد الحوت ممثلاً الجماعة الإسلاميَّة، عدنان طرابلسي ممثلاً جمعيَّة المشاريع، النواب نوار السّاحلي، عبد اللطيف الزين، وليد سكريَّة، أيوب حميد، علي المقداد، ياسين جابر، القائم بأعمال السَّفارة الإيرانيَّة، الوزير السّابق سليم الصّايغ ممثلاً الرئيس أمين الجميل، وعدد من الوزراء والنواب السّابقين.
بعد فقرة فنيَّة لزهرات المبرات، ألقى مدير عام الجمعيَّة الدكتور محمد باقر فضل الله كلمة أشار فيها إلى أنَّ الجمعيَّة تعمل على تطوير مشاركات تلامذتها في أنشطة خارجيّة متنوعة في مسابقات وطنيّة وعالميّة، وقد حصدت جوائز متعدّدة، منها إحراز مؤسسة الإمام الهادي المركز الأول في النهائيات الأوروبية في مسابقة تعليم الرياضيات عبر المسرح في قبرص، وإحراز مراكز أولى في مسابقات في اليونان.
ولفت فضل الله إلى أنّ الجمعية تؤكّد ثقافة الانفتاح على مؤسَّسات الدولة، وتتعاون مع منظمات دولية وبعثات ثقافية دبلوماسية وجمعيات مماثلة، كما أنها تبنّت مبدأ التربية على الحوار كمبدأ أساسي في برامجها، وقامت ببرامج توأمة وشراكة في مؤسساتها مع مؤسسات أخرى في الوطن، وتضمنت برامجها ومناهجها الدينية رؤيتها المرتبطة بالآخر، وقيم العلاقة مع الآخر المختلف، بعيداً عن ضبابية اللغة وغموض المفردات.. وقد أطلقت خطَّة التطوير الاستراتيجيَّة للعشرية الثانية، حيث كانت ثمرة جهود العشرية الأولى كتاب "رحلة في التطوير الإداري نموذج المبرات".
وقال إنَّ الجمعية سوف تبقى تشدّد على الاستقلالية المالية، مرتبطةً بكلّ الناس، وساعيةً إلى مشاريع إنتاجية لا تنافس صغار المستثمرين، وستنأى بعملها الاجتماعيّ التربويّ الإنسانيّ عن التسييس، لتبقى مؤسّسة جامعة بامتياز، كذلك ستؤكد ارتباطها بعمقها الاجتماعيّ الّذي أرسى دعائمه سماحة السيد (رضوان الله عليه)، والعمل مع جميع فئات المجتمع.. لافتاً إلى أنَّ الجمعيَّة قدّمت حسابها الماليّ للمجتمع عبر وسائل الإعلام للفترة التي تلت غياب المؤسس، تأكيداً لشفافيتها في ارتباطها بمجتمعها.
العلامة فضل الله
وألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل كلمة أشار في بدايتها إلى أنَّنا مدعوون إلى ورشة إنسانية روحية إيمانية في هذا الشهر المبارك، حتى نتمكّن من أن نتحرّر من أخطاء الماضي، وأن نكون قادرين على مواجهة تحديات المستقبل، حيث تهتزّ الأرض تحت أقدامنا.
وأضاف سماحته: "الأمة الواعية الجديرة بامتلاك المستقبل هي الَّتي تتقن مراجعة ماضيها، وتعترف بأخطائها، وتعمل على تجاوزها، فنحن أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى إجراء مراجعة فكرية، وإلى أن نعيد النظر فيما حملنا من موروث.. وأن نصفّيه من كل ما علق به، ومن كلّ ما ساهم في ترهّلنا وضعفنا، ونراه اليوم وقد تحول إلى سهام تهدّد بالموت كلّ مواقعنا... أن تكون لنا الجرأة في ذلك.
إنّ الغلوّ والتعصّب والإلغاء والإقصاء، لم يتغذَ على فكر أصيل يحمل صفاء ما جاء به الأنبياء والرّسل والديانات ونقاءه، مما لا يزال العالم يشهد بإنسانيته ورحمانيته ورحابته وانفتاحه وحواريّته، بل يتغذّى على ما طرأ على هذا الفكر.. من الَّذين أدخلوا إليه جهلهم وحقدهم وبغضهم... وممن أرادوا أن يمسخوا هذا الدين بالعقل القاصر وبالعصبيَّة المقيتة، ليدخلوه في الكهوف والزنازين التي يريدوننا أن نعيش فيها".
وتابع: "إنَّنا هنا بحاجة إلى مراجعة سياسيّة تدفعنا إلى إعادة النظر بكل هذا الواقع السياسي المترهل الذي أفسح المجال لكل ما نعانيه من هزائم وإحباطات وركود وتخلف.. هذا الواقع الذي منحناه قداسة لا يمتلكها.. واقع النظام الطائفي.. سلطة الفرد الواحد.. ونظام الاستئثار والمحسوبيات والمحاصصات.. لقد رسمنا خطوطاً حمراء لحماية كلّ هذا التخلف الذي جعل كياناتنا فاقدة للمناعة التي تؤهّلها لحفظ الأوطان من كل عناصر الضعف والتمزق والانقسام والتطرف والإرهاب.
ونأتي بعد ذلك لنحمّل مسؤولية كل ذلك لهذه الدولة الإقليميّة الكبرى أو تلك، ولكن من جلب كل هذه التدخلات الدولية أو الإقليمية؟! إن الجسم الضعيف المترهّل هو الذي يسمح بكل ذلك.. ويمنح الفرصة لكل من يريد الاختراق أو العبث أو الهيمنة أو السيطرة على الناس والبلاد... ونقول لكل الذين يتحدثون عن تدخلات تحدث هنا أو هناك... تحدثوا عما يزيل أسبابها".
وقال سماحته: "وما هو ضروري للمراجعة، هو طريقة معالجتنا لخلافاتنا، سواء في كيفية إدارة هذه الخلافات أم في ترتيب الأولويات... إننا بحاجة إلى مراجعة أسلوب إدارتنا للخلاف؛ الخلاف لم يكن أبداً مشكلة، الخلاف هو الأمر الطبيعي، وهو غنى للفكر وللمجتمع.. ولكن المشكلة في أسلوب إدارة الخلافات والصراعات.. نختلف فنضع المتاريس، وكلٌّ يصوب النار في اتجاه الآخر ولا يصغي إليه.. النار المادية... ويتجه إلى الخطاب الانفعالي بإثارة أحقاد التاريخ وضغائنه، بحيث نكون جاهزين للفتن... وتكون أيدينا دائماً على قلوبنا خوفاً من فتنة بين سنة وشيعة، وأخرى إسلامية مسيحية، وأخرى قوميّة...
وأكد السيد فضل الله أننا بحاجة إلى أن نعيد النظر في أولوياتنا، وأن نجعل الانفتاح والوحدة من أولوياتنا في هذه المرحلة، سواء الوحدة الوطنية أو الإسلامية أو العربية... في مقابل هذا الانقسام المستشري الذي شحن النفوس والعقول بكل ألوان الحقد والإقصاء...وأردف قائلاً: "نحن بحاجة إلى أن نجري مراجعة لتحديد المعيار الصَّحيح الَّذي نميّز فيه بين العدو والصديق.. وأحسب أننا أخطأنا عندما استبدلنا العدوّ بالصّديق، بحيث بات عدونا هو هذا البلد العربيّ أو ذاك الإسلاميّ.. قد يكون لهؤلاء أخطاؤهم.. قد يشكّل هذا الطرف أو ذاك مشكلة.. لكن لا يجوز أن نضيع البوصلة".
وأكد أننا بحاجة إلى مراجعة لكلّ خطابنا الدينيّ والسياسيّ... أن نستبدل بهذا الخطاب الموتّر والمتوتّر الخطاب العقلاني الهادئ، مشيراً إلى أن العواصف العاتية التي تهب على لبنان تستدعي مراجعة لأدائنا السياسي ولخطابنا، لكيفيّة تعاملنا مع كلّ التّفاصيل الّتي تستغرق منا الكثير.. أن ندرس المواقف من زاوية مصلحة الوطن، لا من زاوية مصلحة هذه الجماعة، أو الطائفة، أو المذهب، أو هذه الدّولة..
وختم قائلاً: "لن تسلم الطّائفة ولا المذهب، أو لن يسلم هذا أو ذاك، إذا لم يسلم الوطن، علينا أن نفكّر جيداً في إنسان هذا البلد الَّذي من حقه علينا أن نشعره بالأمان الداخليّ، إن لم نستطع أن نحقق له الأمان الخارجيّ... أيعقل أن نعيش في بلد لا مؤسّسات فيه، أو بلد يضج بالاتهامات والاتهامات المضادة أو التخوين والتخوين المضاد!؟".