فضيحة تجسس جديدة أدخلت الولايات المتحدة في عاصفة من التأزّم مع أحد أهمّ حلفائها، بعد أخرى مشابهة كانت قد واجهتها مع ألمانيا عام 2013.
نادين شلق
فضيحة تجسس جديدة أدخلت الولايات المتحدة في عاصفة من التأزّم مع أحد أهمّ حلفائها، بعد أخرى مشابهة كانت قد واجهتها مع ألمانيا عام 2013. خمس وثائق سرّبتها «ويكيلكس» عن «وكالة الأمن القومي»، لحقبة ما بين العامين 2006 و2012 ــ وُصفت بأنها «سرية جداً» ــ بدت كافية لتقيم الدنيا ثم تقعدها، في اليوم ذاته، بين واشنطن وباريس، ولتستجلب عاصفة ردود فعل فرنسية على المستوى الرسمي والإعلامي، ما لبث أن هدّأها اتصال بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ونظيره الأميركي باراك أوباما.
الفضيحة التي أثارتها صحيفة «ليبراسيون» والموقع الإخباري «ميديابارت»، طاولت رؤساء الجمهورية الثلاثة جاك شيراك (الذي أراد تسليم تيري رود لارسن منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة أو أي منصب بمسؤوليات مشابهة) ونيكولا ساركوزي (المعتد بنفسه الذي سيجد حلاً للأزمة المالية العالمية، «لأن واشنطن لا تأخذ بنصائحه»، وقد سعى إلى إحياء عملية السلام، من دون الرباعية الدولية والولايات المتحدة)، وأخيراً الرئيس الحالي فرانسوا هولاند (الذي عمل على حلّ أزمة اليونان واستشراف تبعات خروجها من اليورو، من دون الرجوع إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مجتمعاً مع معارضيها من وراء ظهرها). إضافة إلى هؤلاء، طاولت الوثائق عدداً من المستشارين، مثل جان دفيد لوفيت (في عهد شيراك وساركوزي) وكلود غيان (في عهد ساركوزي)، وأيضاً مسؤولين في القصر الرئاسي وفي وزارة الخارجية، مثل المتحدث باسمها برنارد فاليرو أو لورانس توبيانا.
هولاند وصف تجسّس الولايات المتحدة على القادة الفرنسيين، بأنه «غير مقبول»، محذراً من أن باريس لن تتهاون مع الأعمال التي تهدّد أمنها.
ولكن تصريحات الرئيس الفرنسي، التي عبّرت عنها رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية المعارضة، مارين لوبن، بأسلوبها الأكثر مباشرة، قائلة إن الولايات المتحدة «ليست حليفاً أو دولة صديقة»، خفّت حدّتها بعد اتصال بين هولاند وأوباما، سعيا خلاله إلى احتواء التوتر، ذلك أن الرئيس الأميركي هدّأ من روع حليفه، مجدِّداً التزامه أن ما وصفها بـ«ممارسات ربما كانت قد جرت في السابق»، لن تتكرّر.
مع ذلك، لن يكون هذا الاتصال كافياً للإجابة عن تساؤل طرحه المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لو فول، نابع من «صعوبة في فهم أو تصور الدوافع التي تجعل حليفاً يتجسس على حلفاء يتخذون، في الغالب، المواقف الاستراتيجية ذاتها في الشؤون العالمية». لكنّ الإجابة الواضحة قد تأتي من خارج الإطار الدبلوماسي، وتحديداً من صحيفة «لو فيغارو»، التي نقلت عن مدير أحد المراكز الفرنسية المختصة في الشؤون الاستخبارية إيريك دينيسيه، قوله إن «الولايات المتحدة تعيش في فضاء من الشراهة للتنصت». دينيسه أشار إلى أن «الكشف عن التنصت ليس بالأمر المفاجئ، فهذه سياسة أميركية استخبارية وُضعت قيد التنفيذ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».
ورغم أن وثائق «ويكيليكس» لم تتحدث كثيراً عن التقنيات المستخدمة في التجسس على المسؤولين الفرنسيين وغيرهم، إلا أنّ ما أشارت إليه «ليبراسيون» في أحد تقاريرها، هو أن الولايات المتحدة قد أقامت وحدة خاصة لهذا الغرض، منذ نحو عشرة أعوام، في سفارتها الواقعة في ساحة الكونكورد، التي تبعد مئات الأمتار عن قصر الإيليزيه ووزارات الداخلية والعدل والخارجية والدفاع إضافة إلى الجمعية الوطنية وسفارات أخرى. عملياً، أقيمت هذه الوحدة بهدف التنصت على مئات الاتصالات. فهذه السفارة كغيرها من السفارات الأميركية
في العالم، تعلوها محطة تجسس تابعة لـ«خدمة الجمع الخاصة» (Special Collection Service (SCS)، وفق الصحيفة، التي أوضحت أن هذه الوحدة تابعة لوكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأميركية في آن واحد.
وبحسب وثائق كانت قد كشفتها مجلة «در شبيغل» الألمانية (بناءً على تسريبات سنودن)، فإن «وحدة الجمع الخاصة» تملك نحو 80 هوائياً للغرض نفسه، 19 منها في أوروباً، تحديداً في برلين وجنيف ومدريد واستوكهولم وفيينا ووارسو.
واستناداً إلى ما جرى كشفه، فإن هذه المحطة قد أُنشئت بين عامي 2004 و2005.
إضافة إليها، كشفت وثائق سنودن وسيلة تجسس أخرى، تستخدمها وكالة الأمن القومي بالتعاون مع نظيرتها البريطانية «المقر العام للاتصالات الحكومية» (GCHQ)، وهي تُستخدَم عبر عدد من الكابلات البحرية.
www.al-akhbar.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه