أمام مهرجان قرع الطبول الأطلسية للتأهب ضد روسيا، هناك من يستطيع إخفاء عبوسه.
وسيم ابراهيم
أمام مهرجان قرع الطبول الأطلسية للتأهب ضد روسيا، هناك من يستطيع إخفاء عبوسه.
حين تحول الكلام لبعض دول جنوب أوروبا، خلال اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، قال بعضهم بوضوح: هذا الحلف يخصنا أيضاً، ولدينا تهديدات يجب عليه الحساب لها. القصد طبعاً هو المخاطر التي يثيرها تمدّد «داعش»، سواء على حدود «الناتو» التركية، أو على سواحل المتوسط المقابلة لأوروبا، إضافة إلى مخاطر «جهادييه» الأوروبيين.
هذا الاحتجاج الذي نقلته دول في جنوب أوروبا يأتي بنتائجه، ويصير معه السيناريو التالي ممكناً: حينما تستفيق إحدى الدول العربية الموبوءة بـ «داعش»، مشرقاً أم مغرباً، وتجد أن هناك حربة عسكرية غُرست في جغرافيتها، عليها ألا تتفاجأ أبداً.
ذكر «الحربة» ليست وصفاً مجازياً، بل هي الاسم الصريح لقوة ذات جهوزية قُصوى، أنشأها حلف الأطلسي للرد على «التهديدات القادمة من الشرق والجنوب». هذه القوة باتت قائمة الآن، وشهدت أول انتشار وتمرين لها هذا الشهر، خلال مناورة عسكرية للحلف أقيمت في بولندا. قوام «الحربة» خمسة آلاف جندي، وتتضمن قوات بحرية وجوية وبرية، إضافة إلى قوات العمليات الخاصة وتلك المسؤولة عن الاستخبارات.
الحديث عن هذه القوة له مناسبته الآن، فهي ستكون على الخطوط الأولى في عداد قوات «الجهوزية» التي أعلن الحلف مضاعفتها. جاء هذا الإعلان خلال اجتماع وزرائه ليومين في بروكسل. كانت قوات «الجهوزية» تضم 13 ألف جندي، والآن سيتم رفع عديدها إلى نحو 40 ألفاً، لتكون جاهزة للعمل بحلول العام المقبل.
كل هذه الاحتياطات تأتي ترجمة لقمة «الأطلسي» في ويلز العام الماضي، حينما أطلق خطة للتأهب رداً على «التغّير الجوهري في البيئة الأمنية» حول أوروبا. التغيّر سببه التهديدات القادمة من الشرق والجنوب، لكن كل الضجيج والتركيز انصب على الصراع مع روسيا، وتأمين دول شرق أوروبا.
استمرار هذا النهج لا يعجب جميع دول الحلف. حالة التذمّر أكدها وزير الدفاع الاسباني بيدرو مورينس. مبدياً اعتراضه العلني، قال للصحافيين «نحن نحتاج إلى انتباه أيضا»، معتبراً أن «التهديد القادم من الجنوب يجب أن ينظر إليه على قدم المساواة. في الجنوب هناك الإرهاب، وهذا يولد نفس القلق (من روسيا) وربما أكثر».
اعتراضات دول الجنوب لقيت تفهماً داخل اجتماع وزراء الدفاع، خصوصا أن معظمهم يقرّ بالتهديد، وهو منخرط أساساً في التحالف الدولي ضد «داعش».
ممن أقروا بأحقية القلق من «الإرهاب»، هناك وزير الدفاع التشيكي مارتن ستروبنسي. وقال، خلال حديث مع «السفير» معلقاً على القضية، «نحن لا نهمل على الإطلاق التهديدات القادمة من الجنوب، ويجب أن أذكر أن لدينا جنوداً في مالي»، مضيفاً «نحن لا نقسّم التهديدات بين الشرق والجنوب، ولا نقول إن هذا التهديد هو رقم واحد وغيره رقم اثنان. داعش يشكل تهديداً لأي ديموقراطية، وليس فقط للدول الأوروبية بل أيضا للإسلام المعتدل».
مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أكد أن قوات «الجهوزية» و «حربتها» ستتم تهيئتها للرد على تهديدات «داعش» أيضاً. وقال، رداً على أسئلة «السفير»، إن هذه القوات «عليها أيضا التعامل مع تهديدات الإرهاب، وهي عادة تهديدات غير تقليدية». معطياً مثالاً حول أحد السيناريوهات الممكنة، قال إن نشر قوات النخبة هذه «سيتم في حال ظهر وجود إرهابي يهدد الناتو من الجنوب».
لكن لماذا لا يُسأل «الأطلسي» مباشرة، بما أنه يكرر الحديث عن تهديد من عدة جهات؟ الأمين العام للحلف يانس شتلتنبرغ أكد، رداً على «السفير»، أن القوات الجديدة ستتحرك للعمل في أي اتجاه يأتي منه التهديد. وقال موضحا جوهر تحركهم «إنها ليست قوات مصممة فقط ليتم نشرها في الشرق (المتاخم لروسيا)، بل يمكن نشرها في أي مكان في نطاق دول الحلف لحمايتها من أنواع مختلفة من التهديدات». وداعماً منطق كلامه، استعاد غزو الحلف لأفغانستان رداً على هجمات 11 أيلول، مستخلصاً أن «هذا يظهر أنه من الصعب التنبؤ، نحتاج جهوزية عالية، ثم سنردّ على أي شيء يحدث من أي جهة أتت».
البعض تحدث بتفصيل أكثر. هناك مسؤول رفيع المستوى في «الناتو»، تحدث للصحافيين مع حجب هويته، قال إن مهام قوات «الجهوزية» تشمل «الرد على كل التحديات، بما فيها القائمة على حدود تركيا»، مبيناً أن «داعش يقوم بجهود لمهاجمتهم، ويمكن لذلك أن يكون مهمة تناط بقوات الجهوزية».
هذه الهواجس ظهرت في بيان ختامي، وقعه وزراء دفاع الحلف. إضافة لقلقهم من «تهديدات» تحركات روسيا العسكرية، بما فيها دعمها لانفصاليي أوكرانيا، قالوا إنهم «قلقون أيضا من عدم الاستقرار الإقليمي في الجنوب، الذي يسبب خليطاً من تحديات وتهديدات عديدة، بما في ذلك التهديد الذي يسببه داعش».
اسبانيا طالبت القيادة العسكرية للحلف بقرن أقواله بالأفعال، وتقديم خطط عسكرية تتحسب لأي تهديد «إرهابي» قادم من الجنوب. هذه الخطط ستكون على طاولة اجتماع لوزراء دفاع الحلف في تشرين الأول المقبل. خلال هذا الشهر أيضاً، ستستضيف اسبانيا أكبر مناورة لقوات «الناتو» منذ العام 2002، مع قوات يفوق عددها 30 ألف عسكري.
أحد الأمثلة التي طرحها أمين عام الحلف لإمكانية تعامل قوات «الجهوزية» مع تهديدات الجنوب، هو نشر جزء منها لتأمين مياه البحر المتوسط. وقال، خلال رده على «السفير»، «يجب أن نحافظ على نهج مرن، فليس ضرورياً أحياناً أن ننشر الـ 40 ألف جندي في قوات الجهوزية»، قبل أن يضيف «ما نحتاجه أحياناً هو عدد محدود من القوات الخاصة، وأحياناً سيكون الأنسب نشر قوات بحرية، على سبيل المثال في البحر المتوسط، وطوال الوقت سيكون ملائماً استخدام العنصر الجوي في قوة رأس الحربة».
في هذا السياق، لا تزال الإمكانية مفتوحة لمشاركة الحلف في العملية العسكرية الأوروبية ضد شبكات التهريب. هذا السيناريو جار الآن، عبر التعاون بين عمليتين منفصلتين، للأوروبيين والأطلسي، لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال. أحد سفراء الحلف الأوروبيين قال إن العملية ضد المهربين ستبدأ بقيادة أوروبية، وإنه يمكن الاستعانة بالأطلسي في حال قدم الاتحاد الأوروبي طلبا بهذا الخصوص.
صحيح أن مهام هذه القوات محصورة بالتهديدات الطارئة، فـ «الحربة» يمكن نشرها خلال 48 ساعة، لكن نطاق عملها ربما يمتد خلف حدود الأطلسي. تأكيد إمكانية ذلك عرضها وزير الدفاع البولندي توماس سيمونياك، خلال حديث مع «السفير»، مستحضراً أمثلة نشر قوات الحلف في أفغانستان وكوسوفو. واعتبر أن «فكرة قوة رأس الحربة مبنية على إمكانية نشرها حيثما تحس الدول الأعضاء أنها مهددة، وهناك أمثلة حول تحرك القوات خارج حدود الناتو، مثلما حصل في أفغانستان وكوسوفو»، قبل أن يترك الأمر مفتوحا بالقول «كل شيء يعتمد على القرار السياسي».
العراق كان حاضرا على طاولة نقاش وزراء الحلف. الآن يتم وضع اللمسات الأخيرة على خطط لتدريب «الناتو» قوات عراقية، في سياق اتفاقية لـ «بناء القدرات الأمنية». هكذا سيعود «الناتو» لمواصلة مهمة تدريب قطعها في العام 2011. لكن مكان التدريب لم يقرر بعد، فمن جهة، كشفت الكويت أنها ستوقع قريبا «اتفاقية عبور» مع الأطلسي، لتكون قاعدة شرعية لمرور قواته إلى «العراق حصرا»، كما قال الشيخ ثامر الصباح رئيس جهاز الأمن الوطني خلال زيارته لمقر الحلف الشهر الماضي.
لكن مسؤولا في الحلف قال لـ «السفير» إن انتقال أجهزة التدريب الأطلسية إلى العراق ليس الخيار الوحيد. وأوضح أن «خطط التدريب باتت جاهزة تقريبا، لكن مكان التدريب لم يتم حسمه بعد، قد يكون في العراق لكن ربما في الأردن أو في إحدى دول الحلف».
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه