إسرائيل تنقب عن النفط في الجليل والجولان وقرب الناقورة
عماد مرمل
مع زيارة نائب وزير الخارجية الاميركية لشؤون الطاقة آموس هوشتاين الى لبنان، يحاول الملف النفطي ان يستعيد مكانه، وسط زحمة الازمات الداخلية العابرة للسياسة والامن والاقتصاد والمؤسسات الدستورية المعطلة.
ولعل الفائدة المؤكدة، وربما الوحيدة، لزيارة هوشتاين هي مساهمتها في إعادة تحفيز المسؤولين اللبنانيين، أو من لا يزال منهم في الخدمة، للاهتمام مجددا بهذا الملف المهمل والعالق في نفق الحسابات السياسية والطائفية، فيما العدو الاسرائيلي يعمل في البحر والبر لاختصار المراحل والتنقيب عن الغاز والنفط.
وإذا كان هوشتاين سيحاول من خلال مهمته «إغراء» لبنان للوصول الى تسوية مع العدو حول الخلاف المزمن على ترسيم الحدود البحرية، حتى تكتمل «الولادة النفطية» للكيان الاسرائيلي بشروطه، فإن المراجع الرسمية معنية أكثر من أي وقت بحماية الحق اللبناني في المياه الاقتصادية الخالصة التي تحوي كميات كبرى من النفط والغاز.
وتترافق زيارة الموفد الاميركي مع اتجاه قوي في اسرائيل الى الاعتماد على مردود قطاع النفط لتحقيق «العدالة الاجتماعية» ومواجهة الفقر في مجتمع الاحتلال، وبالتالي فإن هناك قرارا اسرائيليا بتطوير الحقول الشمالية المحاذية للبحر اللبناني («كاريش» و«تامار» و«لفيتان» وامتداداتها الجيولوجية) حيث المكامن النفطية الاساسية التي تضم المخزون الاكبر من الطاقة، القابل للاستثمار والتصدير الى أوروبا.
ويعني ذلك ان العدو الاسرائيلي بحاجة الى ضمان الهدوء على حدوده البحرية مع لبنان، للاستفادة من تلك المكامن الحيوية، وهذه ورقة قوية في يد الدولة اللبنانية المفترض بها ان تنتهز الفرصة لتثبيت حقوقها النفطية وحدودها البحرية، علما أن العدو يسعى جاهدا الى تلزيم الحقول الشمالية «الدسمة» لشركات أوروبية، لان من شأن ذلك ان يسهل له تحقيق هدفه المركزي وهو تصدير الغاز الى أوروبا.
وما يعزز حاجة اسرائيل الى الاستقرار على الحدود البحرية مع لبنان، إدراكها أن الشركات العالمية تتجنب العمل في الحقول النفطية الواقعة في مناطق متنازع عليها، تماما كما حصل مع حقل «كاريش» الكامن على بعد كيلومترات قليلة من البحر اللبناني، حيث رفضت الشركات الدولية التجاوب مع طلب إسرائيلي بتطويره (أي الانتقال من مرحلة الاستكشاف الى مرحلة الانتاج).
وتبين ان من بين الاسباب الاساسية لهذا الرفض وجود حقل «كاريش» في بيئة غير مستقرة نتيجة اعتراض لبنان على المباشرة في تطويره، قبل إنجاز الترسيم، وذلك بسبب امتداده الجيولوجي الى المياه الاقليمية اللبنانية، وهو امتداد يعرّض المخزون اللبناني من الغاز للسرقة إذا باشرت اسرائيل في التنقيب والانتاج من طرف واحد.
لكن ما هو أهم من «كاريش» بالنسبة الى اسرائيل، وما هو أخطر منه بالنسبة الى لبنان، يتمثل في حقلي «لفيتان» و«تامار» الضخمين اللذين يبعدان ما بين 25 و30 كيلومترا عن البحر اللبناني، ويحويان أكثر من 30 الف مليار قدم مكعب من الغاز، أي ما يكفي استهلاك أوروبا على مدى ثلاث سنوات، كما يؤكد أحد الخبراء النفطيين.
ولئن كانت اسرائيل قد باشرت في استخراج الغاز الطبيعي من مكمن في حقل «تامار» لتلبية احتياجات سوقها المحلية، إلا ان هناك مكامن أخرى غير مستثمرة بعد، قد تكون مشتركة مع لبنان بفعل تمددها المرجح الى داخل مياهه الاقليمية، وبالتالي فإن العمل لاحقا في هذه المكامن، من دون ترسيم بحري واضح، سيشكل التهديد الاكبر للمخزون اللبناني المتاخم لها، بالنظر الى الحجم الهائل لحقل «تامار» وكذلك لحقل «لفيتان» المتواصل معه.
وتفيد المعطيات التقنية، ان احتمال وجود امتداد لحقلي «تامار» و «لفيتان» نحو لبنان، عبر رقع «آعلون» (وفق التسمية الاسرائيلية)، هو احتمال كبير وشبه مؤكد، كما تُبين الخريطة المنشورة.
التحدي البري
وأبعد من البحر، يواجه لبنان تحديا لا يقل أهمية في البر، حيث تعمل اسرائيل بصمت، وبدأب، على استكشاف النفط والغاز في نقاط قريبة من الحدود مع لبنان، وتحديدا في إصبع الجليل وفي مناطق محتلة تحيط بالناقورة، إضافة الى مرتفعات الجولان.
وكما في المياه، كذلك على الارض، يبرز خطر التداخل الجغرافي بين الطبقات الجيولوجية التي تحوي مكامن الغاز والنفط في كل من لبنان وفلسطين المحتلة، ذلك انهما يقعان ضمن ما يُعرف بـ «الحوض المشرقي» أو «حوض بلاد الشام» الذي تتشابه مواصفاته الجيولوجية ويضم كلا من لبنان وفلسطين وقسماً من سوريا.
ويتم الحفر في البر الفلسطيني المحتل، المتاخم للبنان، وفق إجازة استكشاف واستخراج منحها العدو الى شركة اسرائيلية خاصة، فيما اكتفى لبنان حتى الآن بإجراء مسح جوي وبري جزئي - امتد من الشمال مرورا بجبل لبنان وصولا الى القاسمية جنوبا - من دون ان يصل الى الناقورة والمنطقة الحدودية، وتبين بموجبه أن هناك إمكانية لاكتشاف كميات واعدة من النفط والغاز في الارض اللبنانية، لكن لم يتم حتى الآن البناء على هذه الـ «داتا» ووضع منهجية واضحة لكيفية استثمارها عمليا.
ويقول خبير نفطي لـ «السفير» ان المطلوب إيجاد مرجعية أو مؤسسة واحدة للتعامل مع المخزون النفطي والغازي في البر والبحر على حد سواء، معتبرا ان المقاربة اللبنانية لهذا القطاع الاستراتيجي لا تزال تفتقر الى الحرفية المطلوبة.
ويعتبر انه من الضروري ان يباشر لبنان في عمليات التنقيب، انطلاقا من البلوكات الجنوبية، من دون انتظار الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، حتى لو تطلب الامر إنشاء شركة وطنية لهذا الغرض إذا امتنعت الشركات الدولية عن المجيء، بفعل الخلاف الحدودي.
ويشدد الخبير على وجوب أن يتمسك لبنان بكل حقوقه في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وان يبادر الى تثبيت سيادته عليها من خلال إعطاء الأولوية للبدء بعمليات الحفر والتنقيب في المناطق الكائنة في أقصى الجنوب، برا أو بحرا، على قاعدة المعادلة الآتية: «كل منصة حفر في اسرائيل، يجب ان تقابلها منصة مماثلة في لبنان».
وكان المبعوث الأميركي الخاص آموس هوشتاين قد زار أمس الرئيس تمام سلام بحضور السفير الأميركي في لبنان دايفيد هيل والوفد المرافق، وتناول البحث موضوع إنتاج الغاز والنفط.
والتقى هوشتاين ايضا وزير الطاقة ارتور نظاريان بحضور هيل.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه